رئيس وزراء المجر ومأساة اللاجئين السوريين - إبراهيم عوض - بوابة الشروق
الجمعة 26 أبريل 2024 6:16 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

رئيس وزراء المجر ومأساة اللاجئين السوريين

نشر فى : السبت 4 يونيو 2016 - 10:20 م | آخر تحديث : السبت 4 يونيو 2016 - 10:20 م

 

احتفت مصر الرسمية منذ أيام بزيارة رئيس وزراء المجر والوفد المرافق له للقاهرة. فى أثناء الزيارة تباحث رئيس الجمهورية والضيف المجرى بشأن المسائل السياسية الإقليمية والدولية وأعلن عن الاتفاق بينهما فى وجهات النظر، وتمت الإشارة إلى أن هذا الاتفاق امتداد للتفاهم بينهما الذى تبدّى عند زيارة رئيس الجمهورية للعاصمة المجرية فى شهر يونيو 2015، وهو تفاهم كان أساسا للإعلان عن رغبتهما فى تعزيز العلاقات الاقتصادية بين البلدين، ثم تواصل عندما التقيا على هامش الدورة السبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة فى نيويورك فى الخريف الماضى. بالفعل، أثناء زيارة الأسبوع الماضى، وقَّع ممثلو البلدين عددا من الاتفاقيات فى مجالات النقل والتجارة والتعليم والإعلام وتصنيع السيارات والسكك الحديدة، بل وقدمت المجر قرضا لمصر لتمويل شراء قطارات مجرية من تلك التى ذاع صيتها لكفاءتها وارتفاع مستواها الفنى منذ السبعينيات من القرن العشرين.


يرتاح المراقب لعلاقات مصر الخارجية لكل تحسن يطرأ عليها ولكل تعاون مع الدول الأخرى يحقق مصالح الطرفين التجارية والتنموية والعسكرية والسياسية فى إطار كل من الاحترام المتبادل، واحترام قواعد التعامل والتعايش فى النظام الدولى. الاحترام المتبادل يشمل المصالح العليا لكل من البلدين، أما احترام قواعد التعامل والتعايش فى النظام الدولى، فإنه يتضمن القواعد السياسية الطابع والثقافية والإنسانية، بما فى ذلك أحكام القانون الدولى بأفرعه المختلفة.


***
رئيس وزراء المجر، فيكتور أوربان، وحكومته احترامهما لقواعد التعامل والتعايش فى النظام الدولى منقوص، وهو ما ينعكس بالضرورة على المصالح المصرية العليا، وتحديدا مصالحها فى المنطقة العربية التى تقع هى فى القلب منها. مثل أى دولة ذات وزن فى أى منطقة من العالم، فإن مصالح مصر فى المنطقة العربية تشمل حماية شعوب المنطقة، وهى فى حالتنا تتعلق بحماية الملايين من أبناء الشعب السورى، الذين فرّوا من جحيم الحرب الأهلية الدائرة فى سوريا ومما ينزله بهم النظام الحاكم، من جانب، والجماعات المسلحة من كل لون وطيف دينى، من جانب آخر، فرّوا طالبين الحماية فى البلدان المتاخمة لسوريا، كلبنان والأردن، وبلدان المنطقة، مثل مصر، أولا، فلما تشبعت هذه البلدان التى لجأوا إليها أو استحال عليها الاستمرار فى توفير الإيواء وسبل المعيشة والخدمات فضلا عن الحماية لهم، فاضت تدفقاتهم على القارة الأوروبية المجاورة. 
لأسباب تتعلق بقواعد العمل التى ارتضتها الدول الأعضاء فى الاتحاد الأوروبى للعلاقات فيما بينها، بشأن طالبى اللجوء إلى أى منها، فضلا عن تلك الخاصة بالسفر إليها، وهى قواعد ليس هذا مجال التعليق عليها وإن كانت أسباب التعليق عديدة، اتجه مئات الآلاف من السوريين إلى كل من اليونان والمجر تحديدا، ومن بعدهما إيطاليا، ليس رغبة فى البقاء فى أى من البلدين، وإنما سعيا للمرور فيهما بغية الوصول إلى مراميهم فى بلدان شمال أوروبا مثل ألمانيا أو السويد. مئات الآلاف هؤلاء مثلّوا ولا شك ضغوطا على إمكانيات هذين البلدين الصغيرين بحجم كل من السكان والاقتصاد فى كل منهما. ومع ذلك، فاليونان، منذ تشكيل رئيس الوزراء الحالى، ألكسيس تسيبراس، لأولى حكوماته فى يناير 2015، وعلى الرغم من أزمتها الاقتصادية الطاحنة، لم تنكر الحماية على أحد مما لجأوا إليها، بل واجتهدت، واجتهد معها جانب كبير من اليونانيين، لتوفير سبل معقولة للحياة لمن لجأوا إليها. يذكر أن لمصر علاقات طيبة فى الوقت الحالى باليونان.


***
كيف كانت مواقف المجر ورئيس وزرائها فى المقابل؟ المجر أسرعت وأقامت سورا من الأسلاك الشائكة بطول مائة وعشرة أميال على حدودها مع الصرب وكرواتيا، وتعاملت الشرطة فيها بعنف شديد مع اللاجئين. ولما تحركت مفوضية الاتحاد الأوروبى وقدم رئيسها اقتراحا فى مايو 2015 بإعادة توزيع 45,00 لاجئ أو إعادة توطينهم من المجر واليونان وإيطاليا فى كل الدول الأعضاء، رفضت المجر الخطة. فلما أعاد رئيس المفوضية الكرّة فى سبتمبر وزاد عدد من اقترح إعادة توزيعهم أو توطينهم إلى 120 ألفا بعد أن ارتفع عدد اللاجئين كثيرا فى صيف العام الماضى، عاد رئيس الوزراء المجرى فرفض الخطة الجديدة كذلك مع أنها كانت تقضى بتوزيع 54 ألفا من اللاجئين الموجودين فى المجر على الدول الأعضاء الأخرى، وبتوطين مجرد 1294 لاجئا سوريا فى المجر، وهو رفض شاركه فيه المسئولون عن التشيك، ورومانيا، وسلوفاكيا. حجة رئيس الوزراء المجرى وزملائه الثلاثة كانت أنهم لا يقبلون بمبدأ الحصص الإلزامية، وأنهم قد يقبلون طواعية من يريدون قبولهم فقط. هذه هى الحجة من الناحية الإجرائية، وهى حجة لها تبعاتها على عملية التكامل الأوروبى، إلا أن هذا ليس مما يهمنا فى هذا المقام. 


ما ينبغى أن يهمنّا هو ما دعا رئيس الوزراء المجرى إلى رفض اقتراح رئيس المفوضية الأوروبية، وهو اقتراح على أى حال متواضع للغاية إذا ما قيس على مسطرة الملايين التى وجدت ملاذا فى لبنان، أو الأردن، أو تركيا، أو مصر. قبل أن يرفض الاقتراح رسميا، أعلن رئيس الوزراء المجرى فى سبتمبر الماضى أن ثمة سياسيين أوروبيين يلوِّحون بحياة أفضل للمهاجرين ويشجعونهم على أن يخاطروا بحياتهم من أجل الوصول إلى أوروبا، واصفا هؤلاء المسئولين بأنهم منعدمو الشعور بالمسئولية، ومضيفا أنه «إن لم ترجع أوروبا إلى رشدها فإنها ستجد نفسها فى وضع من يدافع عن مصيره». ولم يكتف رئيس الوزراء المجرى بذلك، بل إنه اعتبر أن «أوروبا تعيش جنونا يتعلق باللاجئين والمهاجرين» وبأنه، هو «يدافع عن المسيحية الأوروبية فى مواجهة تدفقات المسلمين». وهو لم يقصِّر فى شرح أفكاره فقد قال: «إن أولئك الذين يصلون قد تربّوا على دين آخر وهم يمثلّون ثقافة مختلفة اختلافا جذريا، وأغلبهم ليسوا مسيحيين بل مسلمين، وهذه مسألة هامة لأن أوروبا والهوية الأوروبية جذورهما فى المسيحية». ووصل رئيس الوزراء المجرى إلى القول بأن بلاده لا ترحب بالمسلمين.


أوربان اعتبر أن سور الأسلاك الشائكة ضرورى للدفاع عن الحدود الخارجية لمنطقة شنغن، كما أنه برره «بأننا نحن المجريين يملؤنا الخوف». وهو رأى فى تدفقات اللاجئين مهاجرين «غير شرعيين» أسبابهم للهجرة اقتصادية وأن من بينهم مقاتلين أجانب، وهو رأى أكده وزير خارجيته عندما ذكر «أننا لا نتحدث عن أزمة لاجئين بل عن موجة من الهجرة الجماعية». هذا التشخيص لأزمة اللاجئين السوريين يعنى إنكار حقهم فى الحماية، وهو تشخيص يراد به أن يكون أساسا قانونيا للتحلل من أحكام القانون الدولى للاجئين، التعاهدى منه والعرفى، التى تفرض على كل الدول توفير الحماية للاجئين إليها، باستقبالهم وإيوائهم أولا، وهو ما لا يكفله القانون الدولى حتى الآن للمهاجرين. 


البعض تعجب من هذا الموقف المجرى الرسمى، قبل شهور من إحياء الذكرى السنوية الستين للانتفاضة المجرية فى أكتوبر سنة 1956 التى لجأ على إثرها 164,000 مجرى إلى الدول المتاخمة خلال تسعة أسابيع، وبعدها أعيد توطين 200,000 مجرى بسلاسة فى 37 دولة. من المهم التشديد على أن هذا هو الموقف الرسمى لأن كثيرا من المواطنين المجريين، على العكس من ذلك، رحبوا باللاجئين وقدموا لهم العون فى بودابست وفى غيرها. 


*** 
الموقف المجرى موقف انغلاق على الآخر، وهو ليس غريبا تماما ممن صاغ واعتمد فى سنة 2011 دستورا نالته انتقادات كثيرة لصياغة حزب أوربان له وحده، ولنظرته المحافظة والدينية للعالم، ولتسييسه للمؤسسات.


إن أخطر ما فى الأمر هو أن الموقف المجرى الرسمى يبث الخوف فى النفوس ويجعله أساسا للسياسات وملهما لها، وهو يزرع الفرقة بين الشعوب المتجاورة، ونعم الشعوب العربية والأوروبية متجاورة، وهو يبث التمييز بين الناس ويضخِّم الفوارق بينهم، بدلا من إبراز المشترك الكثير الذى يجمعهم، ومن تنميته والبناء عليه. كما أننا ننكر على المتطرفين فى بلادنا نظرتهم الثنائية للعالم، فإنه لا بدّ لنا أن نستنكر على الآخرين أن يكون لهم نظرة ثنائية شبيهة لنفس العالم، وفى كل النظرات الثنائية تعال ممقوت ودعوة إلى الفرقة التى لا لقاء بعدها.


على المجر الرسمية أن تدرك من نحن وما هى أهم مسئولياتنا ومصالحنا. لا يستشف مما نشرته الصحافة عن زيارة رئيس وزراء المجر أننا نبهناه إلى هذه المسئوليات والمصالح، وإلى الأهمية التى نوليها لحماية أبناء الشعب السورى المتدفقين على أوروبا. إن لم نكن قد فعلنا، فإن علينا أن نبدأ وألا نكف عن تنبيهه حتى يدرك هو وحكومته مسئولياتنا ومصالحنا، ويصبح هذا الإدراك أساسا لسياسات المجر تجاهنا وتجاه ناسنا.

 

 

إبراهيم عوض أستاذ السياسات العامة بالجامعة الأمريكية بالقاهرة
التعليقات