العلاقات التاريخية الأمريكية الصينية.. قرن من الإذلال - دوريات أجنبية - بوابة الشروق
الجمعة 3 مايو 2024 12:32 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

العلاقات التاريخية الأمريكية الصينية.. قرن من الإذلال

نشر فى : الأحد 6 فبراير 2022 - 8:10 م | آخر تحديث : الإثنين 7 فبراير 2022 - 1:02 ص
نشرت مجلة فورين بوليسى بتاريخ ١٧ يناير 2022 مقالا للكاتب جوناثان كاتز تناول فيه معاناة الصين تاريخيا بسبب الإمبريالية الأمريكى، وهو التاريخ الذى لم ينسه الشعب الصينى... نعرض منه ما يلى:
بدأت الاضطرابات فى الصين فى صيف عام 1898؛ عندما جاءت موجة سيول تلتها موجة جفاف تسببتا فى مجاعة وتشرد. لم تهتم حينها العائلة الحاكمة بما حدث للمزارعين، بينما فتح الأجانب المسيحيون ــ معظمهم أمريكيون وبريطانيون ــ أبوابهم لمساعدة المحتاجين. لكن العديد من سكان السهول كانوا مرتابين من الأجانب، حيث اعتقدوا أن الأجانب أغضبوا الآلهة بدينهم الغريب.
لمواجهة هؤلاء الأجانب، بدأ الصينيون فى بناء جيش مقدس عرف حينها باسم «يهيتوان» أو «القبضات الصالحة المتناغمة» ولجهل الأجانب بهذا النوع من الأساليب القتالية أطلقوا عليه اسم الملاكمين (البوكسرز Boxers).
بحلول صيف عام 1900، كان الوضع على مشارف الانفجار. تدفق الهاربون من الجفاف شمالا إلى تيانجين وبكين، حاملين قصصًا عما ارتكبته عصابات الملاكمين من عمليات سرقة لمتاجر الأجانب وقتلهم، وإحراق الكنائس، وتدمير خطوط القطارات والتلغراف.
انتظر الكثيرون فى واشنطن هذه اللحظة... بنت بعض أقوى العائلات الأمريكية ثروتها فى الصين؛ فكان جزء كبير من ثروة أول مليونير أمريكى، جون جاكوب أستور، قائما على تهريب الأفيون إلى الصين. كذلك استخدمت عائلات فوربس وديلانو وكابوت فى ماساتشوستس أرباحها من بيع المخدرات فى الصين لتقوية سيطرتها على الحياة السياسية الأمريكية. أصبح من الواضح بحلول عام 1900 أن السوق الصينية الكبيرة هى المفتاح لمستقبل أمريكا العالمى، وأن أزمة البوكسرز وفرت فرصة لزيادة التدخل الأمريكى الحازم.
دعا الوزير المفوض الأمريكى فى بكين السفن الحربية الأمريكية فى 5 يونيو 1900 للانضمام إلى القوة الدولية المحتشدة فى خليج بوهاى بالقرب من تيانجين. ومع العلم أنه كان من غير المرجح أن يوافق الكونجرس الأمريكى على شن حرب خارجية ثالثة فى غضون عامين، اتخذ الرئيس الأمريكى آنذاك، ويليام ماكينلى، قرار الحرب، وأصبح بذلك أول رئيس فى تاريخ الولايات المتحدة يأمر بغزو شامل لدولة ذات سيادة دون الحصول على موافقة تشريعية. ولم يتحداه الكونجرس فى ذلك.
• • •
بعد مائة وسبعة عشر عامًا من قرار ماكينلى بشن حرب على الصين، كانت حاملة الطائرات الأولى فى الصين، لياونينج، فى بحر الصين الجنوبى، جاهزة أخيرًا للقتال. ظهرت السفينة التى تزن 60 ألف طن للمرة الأولى بشكل رسمى فى 7 يوليو 2017 قبالة سواحل هونج كونج. حدد الرئيس الصينى شى جين بينج موعد العرض ليُقام فى الذكرى العشرين لانتهاء الحكم البريطانى لهونج كونج. بالنسبة للحزب الشيوعى الصينى، كان تسليم السلطة عام 1997 بالنسبة للحزب الشيوعى الصينى بمثابة انعكاس واضح لما يسميه «مائة عام من الإذلال» ــ وهى الفترة التى بدأت رسميًا مع حرب الأفيون الأولى حوالى عام 1842 وانتهت بتأسيس جمهورية الصين الشعبية فى عام 1949، وما تراه الصين فاقم من إذلالها فى هذه الفترة غزو دول الحلفاء لوقف تمرد الملاكمين فى عام 1900.
ربما رأى العديد من سكان هونج كونج فى وصول حاملة الطائرات استعراضا للقوة يهدف إلى ترهيب الحركة المؤيدة للديمقراطية فى الإقليم وإجبارها على الخضوع. لكن الجمهور الأساسى لهذا العرض كانت القوى الكبرى الأخرى. أمضى شى سنواته الخمس الأولى فى المنصب وهو يؤكد قوة الصين العالمية بطريقة لم نشهدها منذ أوج عهد أسرة تشينج. على الجانب الاقتصادى، كانت هناك مبادرة الحزام والطريق وهى مشروع تطوير عالمى لخطوط الأنابيب والطرق السريعة والسكك الحديدية والموانئ، بهدف إعادة الصين إلى مركز التجارة العالمية.
على الجانب العسكرى، فاق الإنفاق الدفاعى للصين كل الدول باستثناء الولايات المتحدة. أعلنت وزارة الدفاع الصينية عن خطط لبناء ما لا يقل عن اثنتين أخريين من حاملات الطائرات. قال متحدث باسم الوزارة أن جزءًا من مهمة هذا الأسطول الجديد هو «حماية السيادة الصينية فى بحارها الإقليمية» ــ جزء كبير من غرب المحيط الهادئ يشمل فى الغالب جزرًا غير مأهولة وممرات بحرية غنية بالموارد تطالب بها أيضًا فيتنام وبروناى وماليزيا وإندونيسيا والفلبين واليابان وكذلك تايوان.
تراقب الولايات المتحدة كل ذلك بعناية، وتعتبر أن معظم هذه الممرات مناطق محايدة تتمتع فيها بأولوية، باعتبارها أكبر قوة بحرية فى العالم وبحكم الأمر الواقع. تدافع البحرية الأمريكية عن هذا الادعاء من خلال «عمليات حرية الملاحة» والتى تقوم فيها بالدخول إلى الأماكن المتنازع عليها وإجراء تدريبات عسكرية، وتحدى قدرة الجيش الصينى على الرد.
• • •
وصلت سفينة سولاس الأمريكية إلى خليج بوهاى فى 18 يونيو 1900. تنافست سفن حربية لثمانى دول للحصول على موقع فى الخليج، وكانت السفن مهتمة بالتجسس على بعضها البعض أكثر من اهتمامها بتنسيق غزو أو تجنب الاصطدامات.
بدأ الهجوم على مدينة تيانجين الصينية فى 13 يوليو 1900. قام تونى والير، ضابط محترف فى سلاح مشاة البحرية الأمريكية، بتجنيد مهندس يبلغ من العمر 25 عامًا من ولاية أيوا يُدعى هربرت هوفر، والذى جاء للإشراف على مشروع تعدين الفحم، والذى أخبر والير أنه يعرف طريقا يمكن من خلاله اختراق أسوار المدينة. ولكن عندما تبع هوفر ومشاة البحرية الشاب ــ الذى أصبح رئيسًا للولايات المتحدة بعد حوالى ثلاثة عقود ــ وتسلقوا جدارا ترابيا وانزلقوا إلى داخل المدينة، فاجأهم الدخان والرصاص. فى تلك الليلة، أنقذ مهندس يابانى الحلفاء عندما فجر قنبلة يدوية بجانب أسوار المدينة. سقط السور واقتحم الحلفاء مدينة تيانجين وذبحوا كل من فيها. وصف مصور أمريكى دخل المدينة فى اليوم التالى الهجوم بـ«محرقة للحياة البشرية»؛ تناثرت الجثث، صغارا وكبارا، وانتشرت رائحة اللحم المتعفن عبر المبانى المدمرة. قدر الحلفاء أن ما يصل إلى عشرة آلاف مقاتل ومدنى صينى لقوا حتفهم فى هذا الهجوم.
داخل أسوار المدينة، دفن الحلفاء موتاهم وأحرقوا الصينيين، ثم بدأوا فى التسلية الحقيقية للحرب، النهب. معظم البريطانيين والفرنسيين والألمان مارسوا هذه الحرفة، لكن المشاركين الجدد فى اللعبة أثبتوا قدرتهم على سرعة التعلم. فى منزل مسئول صينى محترق، عثر مشاة البحرية الأمريكية على قطع من السبائك الفضية، قدّروا قيمتها بـ 376 ألف دولارــ أكثر من 12 مليون دولار اليوم. بتفويض من وزير البحرية، تم تعبئة السبائك فى صنادل من قبل مشاة البحرية وبيعها إلى ممثل جى بى مورغان فى شنغهاى... أعادت الولايات المتحدة الأموال إلى الصين بعد ذلك بعامين كجزء من مفاوضات ما بعد الحرب، إلا أن أشياء أخرى كثيرة مما نهبت لم تعد.
وصلت قوات الحلفاء أخيرًا إلى بكين يوم 13 أغسطس. اندفعت القوات البحرية بين المنازل لتجنب نيران القناصة على طول الطريق. فى النهاية وصلوا إلى البوابة المسماة دونجبيانمين، وأشعلوا النار فى برج الزاوية البالغ من العمر 500 عام، وراقبوه حتى اشتعلت النيران عبر سقفه البالغ عمره ثلاثة قرون، وفتحوا البوابة.
• • •
سو ويتشى، أستاذة فى الجامعة، أخبرتنى أن الأجانب يخطئون حينما ينظرون إلى حرب الملاكين من خلال عيون المبشرين والدبلوماسيين ورجال الأعمال فى بلدانهم، بدلا من عيون الأشخاص الذين تم غزو بلدهم.
تحدثت الأستاذة ويتشى عن الأحداث من منطلق الفكر السياسى الصينى. عارض ثوار من الطبقة الرأسمالية فى البداية الثوار الملاكمين لكنهم أشادوا بروحهم البطولية فيما بعد. فما فعله الثوار كان ضروريا من أجل أن تتحرك الأمة نحو الاستقلال والازدهار.
وعند سؤالها عن تأثير تاريخ الصين تحت الاستعمار الحديث نسبيا على علاقات الصين الخارجية وسياستها الحديثة، أجابت الأستاذة ويتشى أن الحكومة الصينية تدرك أنها إذا أرادت تطوير اقتصادها فعليها أن تفتحه على العالم بشكل دائم.
مخططات الصين التوسعية ليست سرا. عبر آسيا هناك علامات تدل على ذلك. امتلأت الصحف الفلبينية بالتقارير عن مهابط الطائرات العسكرية الصينية الجديدة والرادارات والمدافع المضادة للطائرات على جزر اصطناعية فى بحر الصين الجنوبى. إعادة الرئيس الفلبينى رودريغو دوتيرتى الحديث عن الحرب الأمريكية فى بلاده كان وسيلة للابتعاد عن الولايات المتحدة، التى لا يمكن الاعتماد عليها، والاتجاه نحو الصين ــ التى كانت من ناحية تزوده باستثمارات ضخمة فى البنية التحتية وفى نفس الوقت تحاول فرض سيطرتها على جزر فلبينية فى بحر الصين الجنوبى تدعى أنها تقع داخل بحارها الإقليمية. يرحب مطار بيكين بزائريه بلافتة كبيرة عن مشروع الحزام والطريق. وفى نفس الوقت الذى كانت فيه حاملة الطائرات لياونينج تغادر هونج كونج، افتتحت الصين أول قاعدة عسكرية خارجية لها فى جيبوتى، عبر خليج عدن من شبه الجزيرة العربية، بضعة أميال بعيدا عن قاعدة الولايات المتحدة هناك.
فى إعادة توجيه السؤال مرة أخرى إلى الأستاذة ويتشى عما إذا كانت تعتقد أن الصين يمكن أن تصبح قوة إمبريالية فى العالم ــ مثلما كان أعضاء «قوة الحلفاء الثمانية» قبل مائة عام، قالت إن خطاب «التهديد الصينى» لا أساس له على الإطلاق. الصين لن تغزو دولة أخرى، وقطعت الحكومة الصينية هذا الالتزام، وكما يشير التاريخ، بنى سور الصين العظيم للدفاع.


ترجمة وتحرير: ابتهال أحمد عبدالغنى
النص الأصلى
التعليقات