تواصل الرؤساء والمواطنين: طريق مزدوج - مصطفى كامل السيد - بوابة الشروق
الأربعاء 24 أبريل 2024 9:59 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

تواصل الرؤساء والمواطنين: طريق مزدوج

نشر فى : الأحد 6 مارس 2016 - 10:15 م | آخر تحديث : الأحد 6 مارس 2016 - 10:15 م
من شبه المؤكد أن أغلبية المواطنين، وفى أغلب دول العالم يستمعون لرؤسائهم، ليس ذلك لأن أدوات الاتصال قد أصبحت متاحة بسهولة لكل البشر، ولكن، وهذا هو الأهم، أن رؤساء السلطة التنفيذية سواء كانوا رؤساء حكومات أو دول يملكون اختصاصات واسعة تؤثر على مستويات معيشة المواطنين وفرص عملهم، وتنظم العديد من شئون حياتهم، بل وربما تحدد فرص البقاء على الحياة أو الموت لبعضهم عندما تتعلق قراراتهم بشئون الحرب أو السلام. ولذلك بل إن أحد معايير أهمية أى قضية، هو اهتمام الرئيس بها، فقضية شراء السلاح فى الولايات المتحدة أصبحت قضية مهمة عندما جعلها الرئيس أوباما موضع استنكاره فى خطاباته، وعضوية بريطانيا فى الاتحاد الأوروبى أصبحت قضية مهمة فى السياسة البريطانية عندما أعلن ديفيد كاميرون أنها ستصبح موضوعا لاستفتاء شعبى فى يونيو القادم، وهجرة السوريين والعراقيين والأفغان إلى أوروبا صارت شاغلا للرأى العام بعد أن أصبحت موضوعا للتفاوض بين رؤساء حكومات الاتحاد الأوروبى. فاهتمام الرئيس بأى قضية هو الذى يحولها من شأن يشغل مجموعة من المواطنين إلى قضية قومية ينشغل بها الرأى العام.

ما يهم رؤساء السلطة التنفيذية يهم المواطنين سواء كان هؤلاء الرؤساء يتربعون على قمة الحكومة أو قمة الدولة، ومن ثم يستمع المواطنون لهم سواء كانوا يؤيدونهم أو يعارضونهم، ولا خيار لهم فى ذلك، فما يهم هؤلاء الرؤساء يهم مواطنيهم. طبعا فى كل المجتمعات هناك مواطنون لا يهتمون بالسياسة أصلا، إما لأن ظروف كسب العيش الصعبة لا تتيح لهم وقتا لسماع خطاب الرؤساء أو لقراءته فى الصحف، أو لأنهم لا يتصورون إمكان تأثيرهم على أحوال السياسة فى بلادهم، ولكن امتداد سلطات الدولة التنظيمية إلى جميع مجالات الحياة يجعل أغلب المواطنين على وعى بما تقوم به حكوماتهم وبتغير سياسات هذه الحكومات بتغير من يتولى أمرها على أعلى المستويات.

***
ولكن السؤال المهم هو هل يستمع الرؤساء لمواطنيهم؟ وهل تصل اهتمامات المواطنين على النحو الصحيح لقادة بلادهم؟، وهل يأخذها هؤلاء القادة بعين الاعتبار؟. لاشك أن ذلك أمر مألوف فى الدول التى تسودها نظم حكم ديمقراطية، ولذلك يهتم قادة هذه الدول باستطلاعات الرأى التى تقيس مدى رضاء المحكومين عن سياساتهم، لأن عدم رضاء قطاع واسع من المواطنين عن أداء حكامهم ينذر بألا يبقى هؤلاء الحكام طويلا فى مقاعد السلطة، فسوف يدفعون ثمن تجاهلهم لمشاعر المواطنين عندما يحين موعد الانتخابات التالية لتوليهم السلطة، فيغادرون مواقعهم آسفين ليحل محلهم من أقنع المواطنين بأنه سيكون خير ملب لتطلعاتهم. بل وحتى فى بعض النظم التى لا يمكن وصفها بالديمقراطية، يعلق بعض الحكام الذين يتمتعون ببعد النظر والحكمة أهمية كبيرة على التعرف على اتجاهات الرأى العام، فهم لا يريدون أن يحكموا إعتمادا فقط على أدوات القهر التى تملكها حكوماتهم، هم يريدون أن يقللوا من التعويل على هذه الأدوات بالاستناد إلى الرضاء الطوعى للمواطنين عن حكمهم، بل ويدركون أن أجهزة الأمن التى تقدم لهم تقارير عن اتجاهات الرأى العام قد تميل إلى رسم صورة وردية عن أحوال المواطنين تصورا منها أن هذا هو الذى يروق لرئيس الحكومة، ولذلك لا يتوانى هؤلاء الرؤساء عن انتهاز الفرص للتواصل المباشر مع المواطنين أو مع من يعرفون عنهم استقلالا فى الرأى وشجاعة ليحيطونهم بما لم ترغب الأجهزة فى نقله إليهم.

ويضرب لنا التاريخ من ناحية أخرى أمثلة بارزة على الأخطار البالغة التى قد تصيب الوطن أو الرؤساء عندما لا يكونون على علم حقيقى بأحوال مواطنيهم. من المعروف مثلا أن جوزيف ستالين الذى حكم الاتحاد السوفييتى قرابة ثلاث عقود (1924ــ 1953) لم يكن على علم بما نتج عن سياسة التحول إلى المزارع الجماعية بمصادرة الملكيات الصغيرة والمتوسطة للفلاحين السوفييت من سخط بالغ ومن تدهور فى أحوال الزراعة السوفييتية، مما أدى إلى مجاعات هائلة مات ضحيتها قرابة ملايين خمس من هؤلاء الفلاحين الذين اشتهروا باسم الكولاك، ولذلك أصر على استمرار هذه السياسات تصورا منه وهو ابن مدن جورجيا أن الفلاحين لديهم دائما ما يكتنزونه من حبوب، وقد ألحق هذا الأسلوب فى الانتقال إلى المزارع الجماعية ومزارع الدولة أضرارا كبيرة بالزراعة السوفييتية استمرت تدفعه سنوات عديدة حتى بعد رحيل ستالين، وهو ما إعترف به القادة السوفييت من بعده. مثل آخر قريب منا كان تعليق معمر القذافى حاكم ليبيا قبل ثورتها فى سنة 2011 عندما تساءل ردا على ما ذكره مراسل هيئة الإذاعة البريطانية عن أسباب الثورة عليه قائلا: «لماذا يثورون على؟ إنهم يحبوننى»، ثم لقى القذافى حتفه بعد ذلك بأسابيع بعد أن أضطر للهرب والاختباء إلى حين وجده بعض الثوار وساقوه ذليلا مهانا قبل أن يقتلوه.

***
لقد جالت هذه الخواطر فى ذهنى وأنا أشاهد خطاب الرئيس السيسى الأخير أثناء الاحتفال بالإعلان عن استراتيجية التنمية فى مصر حتى سنة 2030، ولفت اهتمامى دعوته للمواطنين أن يستمعوا له، وراجعت فى ذاكرتى ما أعرفه عن رؤساء مصر السابقين ومدى حرصهم على أن يستمعوا للشعب. تذكرت مثلا كيف أن أجهزة الدولة المصرية فى عهد عبدالناصر كانت تنقل له ليس فقط ما يتردد من شائعات حول أحوال مصر ولكن أيضا النكات التى كان المواطنون يتبادلونها حول هذه الأوضاع، بل وأصبح علماء السياسة يعتبرون هذه النكات مؤشرا على اتجاهات الرأى العام، كما كان عبدالناصر يعرف مباشرة عن اهتمامات المواطنين من خلال مؤتمرات الاتحاد الإشتراكى ولجانه التى غطت كل قرى ومدن مصر. وعلى العكس من ذلك كان الرئيس السادات لا يلقى بالا لتقارير أجهزة الدولة المصرية التى كانت تتراكم قرب مكتبه إلى حين يأمر بإزالتها قائلا لمعاونيه أن «تلك التقارير هى التى أودت بحياة عبدالناصر مبكرا»، كما كان الرئيس السادات يصف المعارضين لحكمه بأنهم «حفنة من الأفندية»، قاصدا بذلك أنهم مجموعة من المثقفين المعزولين عن الشعب. ولم يكن الرئيس حسنى مبارك يتصور أن الانتخابات الرئاسية والنيابية فى عهده كانت انتخابات مزورة. وعندما بلغ التزوير حده الأقصى فى انتخابات مجلس الشعب فى سنة 2010، ودعا بعض المرشحين الذين حال التزوير بينهم والفوز فى هذه الانتخابات إلى تشكيل برلمان مواز، أطلق مبارك عندئذ تعليقه الأشهر «خليهم يتسلوا». كيف كانت نتيجة ذلك بالنسبة للرؤساء الثلاثة. عنما رحل عبدالناصر خرجت الملايين فى مصر تشيع جنازته إلى مثواه الأخير، وانتهى عهد السادات باغتياله وسط استعراض عسكرى، واقتصرت جنازته على رجال الدولة وضيوف أجانب، وثارت ملايين من المصريين على حكم مبارك فى ثورة يناير المجيدة.

نحن نستمع للرئيس السيسى، وندرك أن مصير الوطن فى هذه المرحلة الدقيقة من تاريخه معلق بين يديه. ونحن نعرف أنه يضع بصماته على كل ما تقوم به الحكومة، وأشفق شخصيا على هذا الحمل الهائل الذى يضعه على كتفيه بينما هى مهام يفترض أن يقوم بها رئيس الوزراء، بل ويضيف إلى مهامه ما لم يشأ أى من رؤساء مصر السابقين أن يقوم بها، مما يثقل من هذا الحمل. وأذكر فى ذلك تعديل قانون الجامعات الذى جعل تعيين عمداء الكليات اختصاصا لرئيس الجمهورية بينما اكتفى رؤساء مصر السابقون بتعيين رؤساء الجامعات، بل وسعد أعضاء هيئات التدريس الجامعية فى أعقاب ثورة يناير بأنهم هم الذين كانوا ينتخبون رؤساء الجامعات وعمداء الكليات وحتى رؤساء الأقسام. ولكننا لا يمكن أن نكتفى بما يقوله الرئيس، أولا لأنه مقل فى حديثه للمواطنين، وكان قد وعد بأن يتحدث لهم مرة كل شهر، ولم يواصل ذلك، وثانيا لأن مصادر المعلومات متعددة فى عصر ثورة المعلومات، والتى أتاحت للمواطنين أيضا أن يعربوا عما يهمهم من خلال أدوات التواصل الاجتماعى، وأصبح المواطنون المصريون من أكثر شعوب العالم استخداما لهذه الأدوات. نعم نحن نستمع للرئيس، ولكننا نريد لتواصلنا معه أن يكون مزدوج الاتجاه فنسمع له، ويسمع منا، نقول له أو يقول له البعض منا أننا نخشى من أن الدستور ينتهك، وأن الحريات الأساسية للمواطنين يضرب بها عرض الحائط، وأن احترام حقوق الإنسان فى مصر فى أزمة، وأن الإصلاح المرجو فى قطاعى الشرطة والقضاء ليس من بين اهتمامات الحكومة، وأن المشروعات الكبرى التى يعتز بها الرئيس لم تحظ بالتشاور الواسع الواجب ولا بالدراسات المسبقة الضرورية.

***
قد أكون مخطئا فى بعض ما أقول، ولكن عذرى هو أننى قد لا أعلم لأنه ليس هناك من يستمع لى من رجال حكم الرئيس وليس الرئيس وحده. ولكن الاستماع للمواطنين، هو واجب أساسى لكل الحكومات، وفى كل أنحاء العالم، لأن موارد الدولة تأتى من جيوب المواطنين، ومن عرقهم.


أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، ومدير شركاء التنمية
مصطفى كامل السيد أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة
التعليقات