يوم المتحف العالمى وصمت المتاحف - فكرى حسن - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 8:05 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

يوم المتحف العالمى وصمت المتاحف

نشر فى : الأحد 7 مايو 2017 - 10:05 م | آخر تحديث : الأحد 7 مايو 2017 - 10:05 م
يحتفى المجلس العالمى للمتاحف ICOM فى 18 مايو بيوم المتحف العالمى، واختار لهذا اليوم موضوع «المتاحف وما لا يقال فيها ــ النزاع حول الروايات التاريخية»Museums and contested histories: Saying the unspeakable in museums.
وبهذه المناسبة ولما للموضوع الذى اختاره المجلس من أهمية تتعدى مجرد الاختلاف حول ما تقدمه المتاحف من «روايات» قد تُسقط منها ما يخص فترة تاريخية ما، أو تُخرج من خلال سياق العرض ما يخص التعدد الثقافى، نقدم هنا كلمة مقتضبة عن الحاجة لإعادة «اختراع» المتحف ليؤم احتياجات الحاضر وليساهم فى تشكيل المستقبل.
ولتوضيح ذلك نتناول ما أسميته «صمت المتاحف» عن القيام بدورها كمؤسسة مجتمعية فى مجالات التنشئة والتنمية البشرية والتعليم وتنمية المهارات وتحفيز القدرات الإبداعية والابتكارية ونشر ثقافات المواطنة والإنسانية والقيم والتناغم والعدالة والسلم.
وذلك لأن المتاحف كما نعرفها حاليا، منذ نشأتها كأماكن لحفظ أشياء الماضى، دور مجتمعى مهم. والطريف أن المتاحف فى حد ذاتها أشياء من الماضى تشكلت فى إطار حقبة تاريخية أوروبية لتخدم التوجهات القومية الوليدة حينذاك. وكان لمتحف اللوفر الذى افتتح فى 1793 عندما استودع به نابليون ما استولى عليه من أعمال فنية أثناء غزواته. وكانت مقتنيات اللوفر وغيره من الأعمال الفنية والآثار البديعة (خاصة اليونانية والرومانية) وروائع الطبيعة من مقتنيات الأمراء والنبلاء والأثرياء. وذلك لتأكيد النظرة الدونيوية التى تشكلت فى عصر النهضة، والاهتمام بالعصور اليونانية والرومانية كالأصل الحضارى المُتخيل للدول الأوربية الناشئة التى خرجت حينذاك على سيطرة الكنيسة المسيحية الكاثوليكية وباباوتها. وتضمنت النظرة النهضوية الاهتمام بالطبيعة والعلوم والآداب والفنون والتاريخ والأنثروبولوجيا.
ومع أن هدف الثورة الفرنسية كان القضاء على سلطة الملوك لصالح الشعب والجماهير فى إطار الأفكار التى سادت فى عصر التنوير، فإن العصور التالية تميزت بسيطرة عُلية القوم من ورثة الأرستقراطية، والأثرياء الجُدد من التجار الكبار ورجال الصناعة والمال عندما استتبت هيمنة الإنتاج الصناعى. ولم يكن ذلك معزولا عن الحروب التى نشبت بين الدول القومية الأوروبية الناشئة أو الحروب الاستعمارية والغزو الحضارى للسيطرة على الأسواق والمواد الخام والعمالة التى ما زلنا نعانى من آثارها اليوم. ومن هذه الآثار النظرة السائدة عن ماهية «المتحف» ووظائفه.
ولذلك عيلنا التى أن نعيد النظر فى جدوى هذه النظرة فى اطار واقعنا فى مصر وما نرجوه من مستقبل أفضل. و أن نكشف الغطاء عن «صمت المتاحف» وما هو مسكوت عنه بها.
• وأرى من جانبى أننا فى حاجة إلى تحرير «المتحف» من قيوده التاريخية التى جعلته مستودعا للتحف كما يبدو من مصطلح «المتحف» فى اللغة العربية، كما أن علينا أن نحرره من ارتباطه التاريخى بربات الفنون التسعة ( والتى يشتق منها فى الانجليزية Museum ) الراعيات لاهتمامات عصر النهضة الأدبية والفنية (الشعر الغنائى، الشعر الغرامى، الغناء، الرقص، الكوميديا، التراجيديا، الملاحم، التاريخ، الفلك، و أن يواكب المتحف الأحداث العالمية والإقليمية والوطنية المهمة والمتغيرات المجتمعية الخطيرة التى زعزعت الثوابت التى تأسس عليها النظام الذى ساهم فى تنشئة أجيال أجدادنا والتى مازالت المتاحف صامتة عنها.
ومن أهم هذه المتغيرات والأحداث حركات التحرر من الاستعمار، وظهور أشباه نظم الحكم الأوروبية فى العالم الثالث، وتصاعد سيطرة الشركات العابرة للحدود، والهيمنة الاقتصاية والفكرية لحفنة من الدول مع تفاقم الفقر والبؤس، وتسارع وتيرة التواصل المجتمعى ودور الإنترنت وتكنولوجيا المعلومات، وتنامى الاهتمام بعامة الشعب والأقليات والمرأة والمهمشين والبيئة، وتواجد مؤسسات عالمية بين ــ دولية وأهلية، وحركات مدنية وحقوقية وسياسية ناشطة. كما لا يمكن أن تصمت المتاحف عن مواجهة تفاقم الحركات الدينية المتطرفة وتحولها إلى العنف والترهيب بأساليب مروعة.
لا يحق للمتاحف بما لها من مقدرات تنموية أن تظل صامتة عن الحاضر وآمال المستقبل وأن تلتف بعباءة الماضى كشبح فى المدن التى تحتاج إلى المتحف كصرح ثقافى تنموى.
وعلى المسئولين عن المتاحف أن يسعوا لتحقيق الأهداف التنموية المستدامة الألفية للأمم المتحدة ومنها:
القضاء على الفقر والجوع والمرض وشحة المياه ونقص الطاقة و التلوث البيئى من خلال نظم تعليمية واجتماعية تساهم فى التنمية الأقتصادية المستدامة، والحياة الكريمة، وترسيخ أسس العدالة الاجتماعية للجميع، ونشر مبادئ السلام، وترشيد الاستهلاك.
ومن ناحيتى أرى أن للمتاحف دورا هاما فى تحرير القدرات الإبداعية والابتكارية للشباب والأطفال، والمساهمة فى التوعية بآليات التغيير الاجتماعى والحضارى وبآليات التنشئة المجتمعية حتى تصبح عندنا القدرة على تحرير ذواتنا وتحقيق الخير فى إطار الصالح العام. وبذلك يتبدد صمت المتاحف لتتحدث أشياء الماضى به عن الأفكار التى غيرت العالم، وعن قدرات المخيلة البشرية الهائلة على الابتكار والاختراع والإبداع، والتغلب على المصاعب والكوارث. كما أنها ستحدثنا عن القيم الحميدة التى ساهمت فى رفعة الإنسان وتأكيد كرامته وتنمية أحاسيسه الطيبة وقدرته على الحب، والاستمتاع بالجمال والشغف بالمعرفة. وإلا تظل صامتة عن الكشف عن النزعات والتوجهات التى أدت فى الماضى إلى الخراب والدمار والبؤس والظلم والاستبداد. كما أن عليها ألا تظل صامتة على كشف الأساليب التى يستغلها البعض لتعمية المجتمع وتضليله والتغرير به، ولا عن الآليات التى يستخدمها المظلومون لنيل حقوقهم والدفاع عن كرامتهم.

 

التعليقات