أمى.. كم أشتاق إليكِ - ناجح إبراهيم - بوابة الشروق
السبت 8 نوفمبر 2025 10:35 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

من يفوز بالسوبر المصري؟

أمى.. كم أشتاق إليكِ

نشر فى : الجمعة 7 نوفمبر 2025 - 8:05 م | آخر تحديث : الجمعة 7 نوفمبر 2025 - 8:05 م

• كان بيتها مفتوحا لا يخلو أبدا من الضيوف، أحيانا كان يأكل فى بيتها عشرين شخصا أو أكثر، فى مرة من المرات أخبرها شقيقى محمود أنه قادم من الوادى الجديد ومعه أربعين مدرسًا لمرافقة جنازة قائلا: «جهزى لهم طعاما»، لم تضجر أو تغضب لهذا العدد الكبير، أعدت لهم مائدة رائعة، وفى الصباح كان الإفطار بأنواعه جاهزا أيضا.
• ثلاجة أمى دائما كانت عامرة بالخيرات وجاهزة دوما لاستقبال الضيوف، هى التى علمتنا جميعا الكرم وأورثتنا هذه الصفة بالذات.
• كان الفقراء قديما يمرون على المنازل فتعطينى صينية الخضار واللحم والخبز ليأكلوها وأعود بالأطباق الفارغة، وكانت لا تخبز إلا وتهدى جيرانها، لذلك كانت تربى فى بيتنا الكبير الدجاج والبط وغيرهما مع «غرفة الخزين» العامرة بالخيرات فلا تحتاج شيئا بعدها.
• كانت لنا جارة فقيرة اضطرها زوجها المدمن لبيع كل شىء حتى السرير، كانت أمى تتعهدها وأولادها بالخير حتى بارك الله فى كفاحها وخرج أولادها وأحفادها بتفوق وصار لهم شأن كبير بعد موت أبيهم.
• كانت لها جارة مسيحية كف بصرها ولم يكن لها سوى ابن واحد سافر وتركها فكانت أمى ترسل لها الطعام يوميا وتأمر أشقائى بقضاء حاجاتها والذهاب معها للأطباء.
• كانت تحب جيرانها حبًا كبيرًا وهم يحبونها، كانت تصل رحمها، وتحفظ جميل من أحسن إليها، كانت تقول لن أنسى جميل ابن خالكم المهندس/بكر سيد الذى أكرمنى ومكثت عنده فى مكة، وأحسن وفادتى أيام العمرة، وتعتبر هذه الأيام من أجمل أيام حياتها، كانت دوما تسعى لرد جميل من يحسن إليها.
• كان جمال وفريال سيد أولاد خالتى أقرب الناس إلى قلبها وكانوا أكثر الناس سؤالا عنها وهم أشقاء الشهيد مراد الحائز على نجمة سيناء وبطل المظلات فى معارك الثغرة.
• كانت تقدر الذين وقفوا إلى جوارها أيام محنة أسرتنا العاتية وتذكرنا بجميلهم وفضلهم، ومنهم ابن خالى أ/فوزى الذى أكرمه الله فى أولاده، فمنهم د/محمد أخصائى القلب بالجامعة.
• كانت لا تتدخل فى حياة أولادها، كانت كالنسمة، محبوبة من كل زوجات أولادها، تأخر الإنجاب لأحد أشقائى سنوات فلم تقل له يوما: تزوج غير زوجتك، أو لماذا تأخرتم، أو طلق زوجتك أو أى شىء من هذا القبيل، هو نفسه يحكى بفخر عنها أنه لم تقل له ولا لزوجته شيئًا فى هذا الموضوع لا تصريحا ولا تلميحا حتى أكرمهم الله بفضله بالذرية الطيبة، وصار لها أحفاد.
• كان يمكن أن تقف إلى صف الزوجة إذا رأت ابنها قد هضم حقها أو انتقص منها.
• لا تخاصم أحدا ولا تحمل حقدا أو حسدا لأحد، ولا نطقت بكلمة جافية أو غليظة، كانت نبعا للحنان والرحمة والكلمة الطيبة، كلماتها عذبة، جمعت الحكمة والعقل فى رأيها وتصرفاتها، فما قالت لى رأيًا إلا وصدقته الأيام، تحمل التدين الفطرى العميق تصوم الإثنين والخميس حتى الثمانين من عمرها وتقوم الليل حتى آخر أيام حياتها.
• كانت أسطورة للصبر، اعتقل كل أولادها وزوجها فى محنة عاتية لمدة عام تقريبا فصبرت صبر الجبال وآتاها الله عزيمة الأبطال، فكانت تدور عليهم فى محافظات مختلفة، وهى التى لم تخرج من قبل من بلدتها حتى فرج الله الكرب وأعاد للأسرة كرامتها وعزتها.
• قبل وفاة والدى بأربع سنوات أصبح قعيدا، كانت تخدمه ليلًا نهارًا بإخلاص لا مثيل له، لا تظهر ضجرا لطلباته المتكررة، كانت سنوات صعبة ساعدها فيها شقيقى مجاهد الذى فاز بجائزة حمل والدى فى هذه السنوات والعناية به، فأكرمه الله بذلك بعدة أوسمة، كان يناديها عدة مرات ليلا فتجيب نداءه بحب ووفاء، وعندما تحسنت صحته قبل الوفاة بأشهر قالت: هذه صحوة الموت، وحزنت لوفاته كثيرا فقال لها أحد أولادها: يا أمى كنت أظنك استرحت من العناء فقالت: «روح الزوج فى البيت حتى لو كان قعيدا لا يساويه شيئا».
• أنجبت عشرة أولاد، مات أحدهم فى حادث سيارة وكان الأول على الجمهورية، وشهدت كذلك موت آخر وكان فى الأربعين من عمره، فضلا عن موت طفلين لها وهم صغار، كانت تخفى حزنها بداخلها، كانت جبلا من الصبر والرضا عن الله وقدره.
• كانت تنحدر من أصول أسرة كريمة تعود جذورها إلى الأكراد من بلدة ديروط الشريف وكانت قلعة بناها الأمير سنان ابن شقيق صلاح الدين الأيوبى.
• مزح معها بعض أولادها سائلا عن ميراثها من شقيقها الذى أخذ كل ميراث البنات فغضبت منه وقالت له: «لو طرحت هذا الموضوع مرة أخرى سأغضب منك»، فلم يفتحه أبدا.
• كانت تعطى ولا تأخذ، أيديها ممدوة بالخير، وبعد موتها علمنا كم من المساعدات والأموال والأشياء التى ساعدت بها الجيران والأقارب والأحباب، جاء عم لمعى العامل البسيط يسأل عنها فى يوم وفاتها وهو يحمل حلة فارغة فقالوا له: إنها توفيت، فحزن عليها حزنًا كبيرًا لأنها كانت تتكفل بأسرته وتعتبره ابنًا لها.
• كانت نعم الزوجة والأم والأخت والصديقة، هى التى علمتنا كل شىء وربتنا على كل معانى الإحسان وكل تقصير أو غفلة أصابتنا كان لابتعادنا عن نهجها وحكمتها، كانت حقًا أعظم منا تدينًا وفهمًا وحكمة وصبرًا وتوكلًا رغم قراءتنا لمئات المجلدات.
• رحمك الله يا أمى فى ذكرى وفاتك.

التعليقات