التخلى عن النووى - سلامة أحمد سلامة - بوابة الشروق
الخميس 9 مايو 2024 6:36 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

التخلى عن النووى

نشر فى : الأربعاء 8 يونيو 2011 - 8:35 ص | آخر تحديث : الأربعاء 8 يونيو 2011 - 8:35 ص

 فى الوقت الذى مازلنا نتجادل فيه حول الحاجة إلى إدخال الطاقة النووية كمصدر مهم لإنتاج الكهرباء والاستخدام السلمى للطاقة.. وقد جرت مياه كثيرة فى نهر الأحداث حول الموقع الملائم لإقامة هذه المحطة.. وهل تكون الضبعة أم منطقة أخرى؟ وكيف سننجح فى تمويل هذا المشروع والمدى الزمنى لإقامته والاستفادة من إنتاجه؟ وما هى المخاطر التى يمكن أن نتعرض لها نتيجة الانبعاثات الحرارية وصعوبة التخلص من النفايات النوية.. فوجئ العالم بانفجار فوكوشيما النووى فى اليابان، الذى جاء تكرارا لحادث تشيرنوبيل عام 1986. وأخذت معظم الدول النووية تراجع حساباتها، ليصبح السؤال الملح هو: هل تمضى صناعة المفاعلات النووية فى طريقها، أم أنها وصلت إلى نقطة اللا عودة بعد فوكوشيما، وبات من الضرورى تصفيتها تدريجيا تجنبا لما يمكن أن تلحقه من آثار مدمرة على الإنسان والبيئة؟

هذه الأسئلة تطرحها الدول المتقدمة التى سبقت إلى إقامة محطات نووية تعتمد عليها فى إنتاج نسبة من احتياجاتها من الطاقة.. ومعظمها دول على مستوى هائل من التقدم العلمى والتقنى، وتخضع معايير الأمان فيها لدقة متناهية علميا وإنسانيا.. وتعد اليابان على رأس هذه الدول. ولذا جاءت فوكوشيما بمثابة صدمة مروعة. ليس فقط بالنسبة لما لحق بالشعب اليابانى من خسائر باهظة وتدمير قاس فى الأرواح والممتلكات، ولكن أيضا بالنسبة للمواطن اليابانى الذى يتميز بالدقة والانضباط، الذى جعل من «الروبوت» صورة طبق الأصل من الإنسان فى أداء كثير من الأعمال!

فى مصر نحن مازلنا نتلكأ ونتباطأ ونتشاجر كثيرا ولا نعمل إلا قليلا. وربما كان الخلاف بين العلماء والمتخصصين من أكثر الأمور مدعاة إلى الانزعاج وعدم الثقة كلما تقدمنا خطوة فى طريق المشروع، خصوصا إذا أخذنا فى الاعتبار تراجع الاهتمام العالمى بإنشاء محطات نووية وانخفاض أعداد العلماء والمختصين بتشغيلها.. ولذلك فنحن ندعو من الآن إلى التخلى عن استراتيجية بناء مفاعلات نووية. والاتجاه بدلا من ذلك إلى استغلال مصادر الطاقة المتجددة من الشمس والرياح ومساقط المياه. فهذا هو المستقبل الحقيقى الذى ينتظر أن يستجيب لمطالب البشرية ونحن لم ننجز حتى الآن شيئا يستحق أن نبكى عليه!

ولننظر إلى ما أقدمت عليه ألمانيا أخيرا، إذ قررت عقب حادث فوكوشيما إغلاق مفاعلاتها النووية تدريجيا. وأصبح فى حكم المقرر أن تغلق الحكومة الألمانية 7 محطات نووية قديمة فورا. وإغلاق 6 محطات نووية سيتم وقف العمل بها حتى عام 2021. أما آخر وأحدث محطة نووية فسيتم إغلاقها عام 2022. وتنوى بلجيكا أن تحذو حذو ألمانيا فى التخلص من محطاتها النووية ابتداء من عام 2015.
والطريف أن المستشارة الألمانية ميركل كانت قد ألغت قبل 9 أشهر قرارا كانت حكومة الاشتراكيين السابقة قد اتخذته بإنهاء العمر الافتراضى للمحطات النووية عام 2021، ولكن المستشارة اضطرت إلى التراجع عن قرارها بسبب الكارثة النووية فى اليابان.

ولابد أن ندرك أن ألمانيا لا تقدم على هذه الخطوة الراديكالية، إلا لأن لديها قاعدة علمية وتكنولوجية متقدمة فى أبحاث الطاقة المتجددة. وهى تنتج بالفعل 13٪ من الطاقة الشمسية والرياح وسوف تصل إلى 35٪ عام 2020 وإلى 80٪ عام 2050.

وقد حاولت ألمانيا ــ فيما أعلم ــ إقناع الحكومة المصرية فى عهد الرئيس السابق، عندما طرحت فكرة إنشاء المفاعل النووى فى الضبعة وسط حماس شديد ودعايات واسعة النطاق، باستغلال ثروات مصر الهائلة من الطاقة الشمسية والرياح بديلا عن الطاقة النووية.. ولكنها لم تنجح لأن صاحب الفكرة كان جمال مبارك وأصحاب مذهب التوريث فى لجنة السياسات!

الآن، وقد زالت الأسباب الحماسية الزائفة للمشروع، فإن الأمر يحتاج إلى إعادة النظر فى الاستراتيجية النووية من أولها لآخرها. والاكتفاء بمفاعل نووى للأغراض التعليمية والبحثية. أما إنتاج الطاقة فنحن بحاجة إلى رؤية مستقبلية أوسع أفقا وأكثر اهتماما بما يهدد الإنسان والبيئة من مخاطر الهلاك!

سلامة أحمد سلامة صحفي وكاتب مصري كبير وصاحب آراء ليبرالية قوية وجريئة وبناءة في مسيرة الصحافة العربية. يشغل منصبي رئيس مجلس تحرير جريدة الشروق ورئيس مجلس تحرير مجلة وجهات نظر. هو صاحب العمود اليومي من قريب في جريدة الشروق وكان في السابق نائبا لرئيس تحرير الأهرام.
التعليقات