حريم معرض الكتاب - نيفين مسعد - بوابة الشروق
الخميس 18 أبريل 2024 3:17 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

حريم معرض الكتاب

نشر فى : الخميس 8 يوليه 2021 - 9:15 م | آخر تحديث : الخميس 8 يوليه 2021 - 9:15 م
مثّل تنظيم معرض القاهرة الدولي للكتاب في دورته الثانية والخمسين تحديًا كبيرًا لوزارة الثقافة المصرية مع المحاذير المرتبطة بالتجمعات الجماهيرية في ظل كورونا، ومن هنا نبع التفكير في حجز التذاكر إلكترونيًا للتحكم في عدد المترددين يوميًا على المعرض. هذا النمط من التفكير يستحق الإشادة به لأنه حافظ على انتظام التقليد الثقافي الأبرز مصريًا وعربيًا، وبالفعل شهد المعرض الحالي مشاركة عدد من دور النشر العربية لأول مرة فضلًا عن استمرار المشاركات العربية المتكررة وأبرزها المشاركة السورية الكثيفة، وهي مشاركة لم تتوقف عن إثارة دهشتي أبدًا، فبعد عشر سنوات كاملة من الحرب الطاحنة والتدخلات الخارجية من كل صوب، لازالت مطابع الشام تُنتِج وتُثقّف وتوّثق، وكأنها تمثل امتدادًا لدورها التنويري على مدار التاريخ الإنساني. هذا إذن هو الإطار الإيجابي العام لتجربة انعقاد الدورة الحالية لمعرض القاهرة الدولي للكتاب في ظرف الوباء، لكن كما نعلم فإن الشيطان يكمن في التفاصيل، وتلك بعض التفاصيل المسكونة بالشياطين.
•••
كان طابور المعرض يتلوى أمام بوابة ٤ على هيئة ثعبان، المصريون بشكل عام لا يجيدون صنع الطوابير، بل هم لا يحبون الطوابير أصلًا ولا يفوّتون أي فرصة لخرقها ما استطاعوا إلى ذاك سبيلاً، ويعتبرون كل محاولة للدفاع عن حقك في "الدور" تدخلًا في شؤونهم، وهكذا فعندما تقدمَت سيدة وأسرتها بمحاذاة الصف الذي أقف فيه وتوجَهَت رأسًا إلى بوابة الدخول- نبهتها بلطف إلى أنها تتخطى دوري ودور الجميع وتقف أمامنا، فما كان منها إلا أن ردّت عليّ بثبات أعجبني في الحقيقة: "أيوه واقفة قدامكم "!.
•••
كانت زيارة السبت ٣ يوليو هي زيارتي الثانية لمعرض الكتاب هذا العام، وكنت قد تلقيتُ في المرتين تأكيدًا رقيقًا للموعد من وزارة الثقافة على تليفوني، هذا نصّه "وزارة الثقافة ترّحب بكم، نذكّركم بزيارة معرض القاهرة الدولي للكتاب بدورته ال52، رابط التذكرة.."، وعندما فتحتُ الرابط وجدتُ البوابة المخصصة لدخولي في المرتين هي البوابة ٤. في الواقع لم تكن هناك أي بوابة مفتوحة للدخول بخلاف البوابة رقم ٤ خلال زيارتي الأولى وكانت يوم ١ يوليو وأدى ذلك للتكدس وتلاصق الزوار دون داع. أما في زيارتي الثانية فكانت هناك عدة بوابات مفتوحة، وبعد حوالي عشر دقائق من الوقوف في الطابور سمعنا من ينصح الذين لا يريدون الانتظار بالتوجه إلى البوابة رقم ١ أو البوابة رقم ٢، لكن لما كانت المسافة بين كل بوابة وأخرى مسافة كبيرة وكانت الحرارة تقترب من الأربعين درجة فإن أحدًا لم يغادر مكانه. بطبيعة الحال كان يمكن لرسالة التذكير الإلكترونية عشية يوم الزيارة أن تعيد توزيع المترددين على المعرض بين البوابات، وهذه من مزايا الحجز الإلكتروني، وربما أمكن تدارك ذلك فيما تبقّي من أيام المعرض.
•••
اتخذ المعرض هذا العام شعارًا موحيًا، وللأمانة فإن المنظمين عادة ما يحسنون اختيار عناوينه من دورة إلى أخرى، وعنوان الدورة الثانية والخمسين هو "في القراءة ..حياة"، وإلى جانب الشعار يقف "تحوتي" إله الكتابة عند الفراعنة بمنقاره الطويل ينقّب به في باطن الأرض كما ينقّب القارئ عن المعرفة بين السطور، أيها الأجداد المتنورون.. يا من بنيتم البشر والحجر كيف نستحضر أرواحكم في هذا الزمن العجيب؟. قبل أيام كان هناك تحقيق ممتع عن قيمة القراءة في حياة المصريين القدماء نشره هاني رياض في إحدى الصحف العربية، وفيه اقتباس جميل من نصيحة أحد الفراعنة لابنه، قال "أحبب الكتب مثل حبك لأمك"، وفي هذا القول يلفت الانتباه أمران، الأول القيمة الرفيعة للقراءة عند الأقدمين، والثاني المكانة الرفيعة للمرأة في الحضارة الفرعونية حتى أن الأب حين أراد أن يُحبّب القراءة لابنه لم يجد أفضل من منزلة الأم. كانت المرأة شريكة في صنع هذه الحضارة العريقة، وفيما يتعلق بالكتب والقراءة بالذات فقد كان لهما إلهة هي "سشات" بالضبط كما كان لهما الإله "تحوتي". وبينما أنا أستدعي معلومات التحقيق الصحفي وأطابقها على عنوان المعرض، أتى "أحد المنظمين" من بعيد صائحًا "طابور الحريم على اليمين، وطابور الرجالة على الشمال!!". ماذا الحريم؟ نعم الحريم.. وحتى يتأكد صاحبنا من أن رسالته وصلت الجميع أعاد تكرارها على أسماعنا "الحريم يمين والرجالة شمال"، حريم في المعرض الدولي للكتاب الثاني والخمسين، تُرَى ماذا كانت ستقول الإلهة "سشات" إن سمعت من يلقبها هي وبنات جنسها بعد سبعة آلاف سنة "بالحريم"؟.. تَلَبستني روح جدتي "سشات" وقررتُ أن أدافع عن تاريخها ولستُ واثقة بالضبط لا من رد فعل "المنظّم" ولا من رد فعل الجمهور، صحت بغضب "اسمهم ستات مش حريم" لكن لا صاحبنا رد ولا أحد إطلاقًا رد، كررت قولي وتلقيت نفس الاستجابة أو عدم الاستجابة إن جاز التعبير لا على قولي ولا على قول "المنظم"، وفِي المجمل ظل الرجال مختلطين "بالحريم" حتى لا يضحي أحد بموقعه في الطابور.
•••
لو لم يكن صاحبنا نطق بما نطق به لقصرتُ انتقادي الأساسي لمعرض هذا العام على الجانب التنظيمي، فقد كان فيه ضعف شديد: عدم انضباط في طوابير الدخول كما ذكَرت، وعدم إلزام الزوار بالكمامات داخل القاعات، وتدخين في الممرات الفاصلة بين الصالات، و… شباب دون العشرين أو في مطلع العشرينيات يجلسون خارج الصالات لإرشاد المستفسرين عن أماكن دور النشر التي يقصدونها، لكن ليست لديهم أي معلومات ولا أي خبرة بالعمل الذي يقومون به. سألَت حفيدتي عن مكان دار نشر unlimited press فارتبكت الشابتان الموجودتان في الاستقبال عند صالة ٢ ووقعتا في حيص بيص كما يقال، وفي الأخير ردت واحدة منهما قائلة "كل الصحافة موجودة في صالة٤"! وقد ظَنَت الشابة أن كلمة press تجعل مكان دار النشر الذي سألنا عنه مع كافة الصحف اليومية!. أقول لو لم يفتح صاحب "الحريم" فمه لقصرتُ ملاحظتي النقدية على سوء التنظيم، أما بعد ما قال فالمسألة تتجاوز ذلك بكثير لأنها تتعلق بذهنية بعض من يستعان بهم في تنظيم المناسبات الثقافية بل أهم مناسبة ثقافية على الإطلاق. وليتني لا أسمع من يقول إنه لا يجوز التعميم من خطأ فردي، نعم كلنا بشر ونخطئ، لكن هناك محافل يكون فيها الخطأ بألف، وواقعة الطيار رحمه الله الذي أخطأ خطأ جسيمًا باستضافة فنان في كابينة القيادة لازالت حيّة في الأذهان. هكذا هو أيضًا صاحبنا على بوابة ٤ الذي تعامَل مع المترددات على المعرض في عام ٢٠٢١ بوصفهن حريمًا. لقد كانت الكاتبة المغربية الشهيرة فاطمة المرنيسي أكثر مَن تناول موضوع الحريم في أعمالها فقد حللَته ونظّرت له ووضعته في سياقاته الثقافية، وجميع سياقاته فيها حط من قدر المرأة، ولو أنها كانت حيّة بيننا وتقف معنا في هذا الطابور لأعادت التأكيد على الحاجة لعمل شاق تتضافر فيه كل مؤسسات التنشئة من أجل تغيير الذهنية والثقافة والمفاهيم، والتدريب على كثيرٍ من: قل سيدات ولا تقل حريمًا.
•••
جيد أن تختار وزارة الثقافة المصرية الخيار الأصعب وتذهب إلى إقامة المعرض الدولي للكتاب في هذه الظروف، لكن كالعادة نحن المصريين نصنع أشياء جميلة جدًا لكننا لا نحسن كما يقولون عملية الإخراج أو التقفيل.
نيفين مسعد أستاذة بكليّة الاقتصاد والعلوم السياسيّة جامعة القاهرة. عضو حاليّ فى المجلس القوميّ لحقوق الإنسان. شغلت سابقاً منصب وكيلة معهد البحوث والدراسات العربيّة ثمّ مديرته. وهي أيضاً عضو سابق فى المجلس القوميّ للمرأة. حائزة على درجتي الماجستير والدكتوراه من كليّة الاقتصاد والعلوم السياسيّة – جامعة القاهرة، ومتخصّصة فى فرع السياسة المقارنة وبشكلٍ أخصّ في النظم السياسيّة العربيّة. عضو اللجنة التنفيذية ومجلس أمناء مركز دراسات الوحدة العربية ببيروت. عضو لجنة الاقتصاد والعلوم السياسية بالمجلس الأعلى للثقافة. عضو الهيئة الاستشارية بمجلات المستقبل العربي والسياسة الدولية والديمقراطية
التعليقات