** كانت جلسات اليوم الأول لمنتدى الإعلام الرياضى فى قاعة المؤتمرات بالقاهرة، حافلة بالموضوعات المهمة، والنقاشات، خاصة «قضية تغيير اللعبة» وظهور قوة السوشيال ميديا، والتى وصفت بأنها الآن ميديا، وليست مجرد منصة للتواصل الاجتماعى. والحال فى مصر والشرق كما هو الحال فى إنجلترا والغرب. فالرأى بلا سقف فى الميديا الجديدة. كما كانت هناك جلسة عن تاثير التكنولوجيا على الإعلام. بجانب ورش العمل التى ساتر بجانب الجلسات.
** جرى نقاش تقليدى، وبالطريقة المصرية، «أبيض أو أسود». بخصوص تحليل المباريات. فهل يجوز للصحفيين الرياضيين الجلوس فى الاستوديو وتحليل مباراة، مع الوضع فى الاعتبار أن تعريف الصحفيين هنا واسع ويتضمن أجيالًا وشبابًا. وصولًا إلى جيل محللى الأداء والأرقام والقياسات وإلى جيل خاض كورسات تدريب؟ بينما المفروض فى وجهة النظر الأخرى أن يكون تحليل المباراة للاعب كرة القدم السابق فقط، مثل جارى لينكر أشهر المحللين فى إنجلترا. علمًا بأن كثيرًا من أفضل المدربين العالميين لم يكن لاعبًا لكرة القدم، ومارس التدريب، ومارس التحليل أيضًا فيما بعد!
** هذا الطرح تجاوز عن أن الصحفيين أو الصحافة ظلت حتى مطلع الألفية هم أصحاب التحليل والرؤى الفنية فى الصحف وفى برامج لمدة زادت على النصف قرن، مثل «الكرة فى أسبوع». وفى الجول. والكرة مع شوبير فى دريم، ستاد النيل، والكاميرا فى الملعب. وفى قنوات فضائية مثل إيه آر تى.. فأين كان لاعبو كرة القدم فى تلك الفترة؟!
** القضية ليست القفز إلى اضواء الشهرة بعد الاعتزال أو حلبة اللعبة. فأنا شخصيًا أضع الأولوية للاعب الكرة، إذا كان مثقفًا كرويًا لم يقف رصيده عند أيام كان لاعبًا، وأن يكون مثقفًا بشكل عام يعرف كيف يخاطب الرأى العام، وأن يسبق المتلقى أو على الأقل يكون متعادلًا معه فى معلوماته، بعد أن أصبحت كرة القدم شأن كل شىء موصولة ومتصلة فى العالم كله. وهكذا يجب أن يكون صاحب شخصية وكاريزما، ويجيد انتقاء كلماته، وهذا موجود فى المحللين الإنجليز وفى المدربين الأجانب وفى اللاعبين أيضًا وانظروا ماذا يقولون وكيف يتحدثون عند مخاطبة الرأى العام. تلك هى القضية الأساسية: كيف تتكلم وماذا تقول وما أسانيدك الفنية أمام ملايين المشاهدين والمتلقين؟ هل تواكب الجديد؟ هل تعرف مثلًا ما هو أسطول الأرمادا؟ وما قصته؟ وماذا تقول حين يعلق مدرب إنجليزى على أن مباراة منتخب الأسود الثلاثة سيفعل فى الإسبان، كما حدث لأسطول الأرمادا وأنت تجلس فى الاستوديو تسمع ذلك وتراه؟
** فى إنجلترا قواعد، وفى مصر يجب أن تكون هناك قواعد، فالأولوية للاعب الكرة لكن بكل شروط قواعد مخاطبة الرأى العام، وبشروط قوة الشخصية، وعدم مجاملة فريقه السابق، وعدم مجاملة من يراه زميلًا له سابقًا أو لاحقًا فى الملاعب. القضية أعمق وأدق من مجرد الاختيار بين الصحفى وبين لاعب الكرة عند التصدى لتحليل مباريات.. القضية هى الثقافة والعلم والإضطلاع والجديد!
** بن بلوم، وجوناثان ويلسون، وصمويل مارتين، وروب سميث، وبيتر لاشلى، وسام دالينج، وغيرهم وغيرهم، عشرات من الصحفيين الرياضيين الإنجليز الذين يضيئون صفحات أعرق الصحف البريطانية بكلماتهم وتحليلاتهم لمباريات كرة القدم. وهم يفعلون ذلك بالكتابة، وليس عبر شاشات وميكروفونات سكاى أو بى. بى. سى. ولم يسأل أحد: كيف يتحدث هؤلاء فى كرة القدم ويحللون المباريات؟ وأصحاب هذا السؤال لهم وجهة نظر جديرة بالاحترام، وتتطابق روح العصر، بما فيه من تكنولوجيا، إلا أن تحليلات الصحفيين الرياضيين فى بريطانيا وإيطاليا وفرنسا وألمانيا وإسبانيا وغيرها، تكون عميقة، وبليغة، ودقيقة. وكل منهم قادر على صياغة مايكتبه بكلمات أمام شاشات التليفزيون، من خلال برامج التحليل. وبتعبيرات بسيطة وبليغة تصل إلى عقل المتلقى بسلاسة.
** فما الفارق بين تحليل مباراة بالكتابة وبين تحليل مباراة بالكلام وبخطاب مباشر مع الرأى العام.. هل يمكن أن يفيدنى أحد بالفارق بين الاثنين أم أن القضية هنا هى الشهرة والانتشار والظهور فى المنصة الأولى التى سبقت الصحافة ثم أصبحت منصة ثانية فى الواقع، وهى التليفزيون أمام منصات السوشيال ميديا.. فهل سيتجه لاعبو الكرة قريبًا إلى يوتيوب؟!
** مرة أخرى.. القضية هى مخاطبة رأى عام. ولو كان لاعب الكرة يملك ملكات ومهارات اللغة والثقافة العامة والثقافة الكروية ويعلم بكل ما هو جديد، ويملك الشخصية والكاريزما، فهو يستحق المكان والمكانة الأولى أمام الشاشة وأمام الميكروفون. وأذكر بأن أفضل تعريف للثقافة قاله الفرنسيون، وهو أن الثقافة أسلوب حياة. كيف تتكلم وكيف تختلف وكيف تنتقد وكيف تأكل وماذا تقرأ وماذا تلعب؟