الرؤية القرآنية للكون وسكانه 12- القيم هـ- المعروف- الحق - جمال قطب - بوابة الشروق
السبت 27 أبريل 2024 4:29 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الرؤية القرآنية للكون وسكانه 12- القيم هـ- المعروف- الحق

نشر فى : الخميس 11 مايو 2017 - 10:00 م | آخر تحديث : الخميس 11 مايو 2017 - 10:00 م

ــ1ــ
ذكرنا قبل اليوم أربع قيم من قيم الإسلام (الرحمة/ العدل/ الإحسان/ الشفافية)، ونضيف اليوم قيمتين آخرين وهما الحق والمعروف..
والمعروف هو الشائع المشهور والمقبول عند غالبية الناس قبولا فطريا أو عقليا أو شرعيا. والمعروف الفطرى سلوك بشرى محمود يتوافق عليه أصحاب الفطرة السليمة، فمثلا ترى جميع الأسوياء يجمعون على ضرورة ستر العورات طوال مخالطة الناس بعضهم لبعض، وخصوصا فى مواطن العبادة والتقديس. ولذلك لا ترى فى كتب الفقه أمرا بستر العورة مع إن ذلك شرط فى صحة الصلاة، فإذا ذكرنا ستر العورة كشرط فإنما لتعليم الصغير أو المستجد على العبادة. ومثل ستر العورة نرى أنواعا من المعروف الفطرى مثل أهمية النظافة وأهمية تنظيم الوقت وتنظيم الأعمال إلخ. أما المعروف العقلى فهى تلك الأمور التى يتوافق عليها ذوو العقول ويرونها ضرورة لا غناء عنها مثل إكرام الضيف، وتأمين الخائف، وإغاثة الملهوف، فضلا عن ضرورة مشاركة جميع القادرين فى تحمل مسئوليات المجتمع. والمعروف الشرعى هو تلك الأخلاق التى دعت الشريعة إليها وحضت عليها وحذرت من مخالفتها. ومن أشهر أنواع المعروف الشرعى: الالتزام بآداب الحديث ((قول معروف ومغفرة خير من صدقة يتبعها أذى..))، وأيضا تواصى المجتمع بمقاومة الظالم ومساندة الضعيف والبر بالمحتاجين إلخ.
ــ2ــ
ولهذا أكثر القرآن الكريم من إعلان المعروف ومكافأته والحض عليه مثل ((ولهن مثل الذى عليهن بالمعروف))، وفى وصف العلاقة بين الزوجين ((فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان))، ويؤكد ذلك مرة أخرى بقوله تعالى ((فأمسكوهن بمعروف أو سرحوهن بمعروف))، والتزام الرجل بنفقة بيته ((وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف)).
ــ3ــ
وقد جعل القرآن الأمر بالمعروف فريضة؛ حيث يقول: ((ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر..))، وفى أوصاف المؤمنين قوله تعالى: ((..الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر..) ) ويأمر بآداب القول فيقول: ((..وقولوا لهم قولا معروفا)).
ــ4ــ
أما الحق فأول ما ندركه أنه اسم من أسماء الله جل جلاله، أى من الأسماء الحسنى. تلك الأسماء التى وصف الله بها ذاته، وأمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نتخلق بها حيث يقول: «تخلقوا بأخلاق الله». وأقرب تعريف للحق هو الشأن الثابت الذى لا شك فيه. نعم فالله هو الحق لأن وجود الكون كله دليل ضخم على وجود الخلاق العظيم، فلا ترتاب العقول فى حقيقة وجوده جل جلاله، والقرآن حق أى جميع ما حوى من أخبار وتكليفات هى حقوق ثابتة نافعة للمأمورين بها، والرسول صلى الله عليه وسلم حق أى أن المؤمنين يثقون فى أن الله بعث الأنبياء والرسل وخاتمهم محمد سفراء بينه جل جلاله وبين الخلق وهكذا سائر الحقوق.
ــ5ــ
ونقصد بأن الحق قيمة من قيم الإسلام أن المسلم مكلف دائما بالتزام الحق والتمسك به، كما أننا مطالبون بمساعدة صاحب كل حق على نواله والتمتع به، فليس الحق مجرد عقيدة بل هو عقيدة وشريعة ملزمة لا يحيد المسلم عنها ولا يفرط فيها حتى يتمتع الناس بالأمن والأمان. فمن التزامنا بالحق أن لا نتقدم إلى مهمة أو وظيفة دون أن نحسنها ونبلغ بها إلى حد التميز ولا نشهد شهادة إلا وأبصارنا صحيحة قد رأت وتأكدت. ولا نطلب من غيرنا ما لا نستحق، ومن الحق أيضا أن نستعمل النعمة فيما خلقت له. فالمال لا يستعمل فى الإفساد ولا فى الاحتكار ولا فى الاكتناز ولا فى البخل والسحت، فكل تلك السلوكيات باطلة تنائى الحق ولا يقول المسلم إلا الحق، وإذا عجز المسلم عن تبين الحق والتأكد منه فأقل القليل ألا يرحب بالباطل أو يروج له، فالحق سبحانه وتعالى يرى عباده ويسمعهم وهو جل جلاله محاسبنا جميعا: هل قلنا حقا؟ وهل فعلنا حقا؟ وهل شهدنا حقا؟ وهل ساندنا الحق أم ساعدنا أهل الباطل؟ وكثيرا ما يكون الحق مرا لذلك يأمرنا الله بالتمسك بالحق فإن كان الحق مرا فلنضف إلى الحق فضيلة الصبر حيث يقول: (( وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر)).

جمال قطب   رئيس لجنة الفتوى الأسبق بالأزهر الشريف
التعليقات