جيل الثمانينيات والطريق إلى الثورة! - أحمد عبدربه - بوابة الشروق
الخميس 14 نوفمبر 2024 5:07 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

جيل الثمانينيات والطريق إلى الثورة!

نشر فى : السبت 11 أغسطس 2018 - 9:50 م | آخر تحديث : السبت 11 أغسطس 2018 - 9:50 م

كان العقد الأول من الألفية الثالثة واعدا بالنسبة لعدد كبير من أبناء جيل الثمانينيات، كان معظم أبناء هذا الجيل فى أقصى درجات العنفوان، كان المشهد السياسى داخليا وإقليميا واعدا أيضا، فكانت الانتفاضة الفلسطينية الثانية التى مهدت الطريق نحو حراك واسع فى الأحزاب والنقابات بعد عقد التسعينيات المغلق سياسيا، عادت القضية الفلسطينية والقضايا القومية العربية لتكون فى القلب من حراك أبناء جيلى، وخلقت شعورا بالهوية المشتركة والتضامن العربى المشترك الذى مهد فى تقديرى للانتفاضات العربية لاحقا، كانت البيئة الإقليمية ملتهبة أيضا عقب أحداث 11 سبتمبر وما تلاها من غزو لأفغانستان ثم العراق على التوالى، ممهدة نحو المزيد من التضامن والحراك الإقليمى.
الوضع داخليا لم يكن يعوزه الحراك، تطور تكنولوجى فتح بابا غير تقليديا للحراك والتعبير، بداية عصر مواقع التدوين ولاحقا وسائل التواصل الاجتماعى، نشاط نقابى وحزبى محموم، بداية عصر الحركات الاجتماعية غير التقليدية صاحبه حوار حول قضايا اجتماعية وسياسية من مدخل حقوقى كقضايا الأجر والعمال والصناعة والتنمية وتوزيع الدخول والمرأة وحقوق الإنسان والديموقراطية.
حاول الحزب الوطنى امتصاص كل تلك التغيرات المتسارعة، فقام بتغييرات هيكلية تضمنت تصعيد جمال مبارك كمدخل لتمكين الشباب مع توسيع قاعدة أمانة السياسات بالحزب لتشمل جيلا جديدا من الأكاديميين الشباب، فضلا عن تأسيس جمعية جيل المستقبل ككيان اقتصادى وسياسى معا لاجتذاب المزيد من الشباب فى مواجهة أنشطة المعارضة.
فى تلك الأجواء كانت إدارة بوش الابن تضغط على مبارك من أجل المزيد من الانفتاحات السياسية، وهو ما تم ترجمته سريعا فى تقوية شوكة المجتمع المدنى وخصوصا الحقوقى منه مع تمكين كبير لجماعة الإخوان فى البرلمان والنقابات، وبدأت وتيرة التغيير تتسارع بشكل كبير مع حركة كفاية والجمعية الوطنية للتغيير وحركة 6 إبريل وغيرها. كان ذلك أيضا متوازيا مع انفتاح إعلامى ملحوظ، فظهرت قناة «أون تى فى» بأجندة ليبرالية واضحة وتناول غير دولاتى لقضايا المجتمع، كذلك فقد ظهرت تجارب أكثر استقلالا للصحافة الورقية والإلكترونية، فظهرت «الشروق» و«المصرى اليوم» و«اليوم السابع» وغيرهم، وتمحور كل ذلك حول الشباب الذى وجد كل هذه المساحات الجديدة مفتوحة للإبداع المستقل والتعبير عن الذات.
***
لم يكن الانفتاح هو المكسب الأكبر لأبناء هذا الجيل، ولكن كان هناك مكسب آخر كبير وهو مراجعة المسلمات! فقد كان هذا الانفتاح فرصة حقيقية لأبناء الثمانينيات لمراجعة كل المسلمات والمقدسات، خطاب التيار السلفى شديد الرجعية والتخلف المتمسح بالدين تعرض لنقد شديد، طريقة الدعاة الشباب فى التسويق الدينى الحديث تعرضت بدورها لانتقادات كبيرة، أداء الأجهزة الأمنية والإعلامية والسياسية للدولة كان تحت مرمى النيران أيضا، كل القيم الدينية والثقافية والاجتماعية للدولة الوطنية التى تأسست فى يوليو 1952 كانت موضع مراجعة ونقد مصحوب بنقاش فلسفى عميق لتجارب الدول النامية فى التنمية والديموقراطية والتقدم.
كان لهذه التغييرات تأثير كبير على شباب الأحزاب والتيارات السياسية، حيث بدأ أبناء جيل الثمانينيات فى مراجعات أدوات وهياكل الأجيال الأكبر، حدث هذا فى اليسار واليمين، فى التيارات العلمانية والدينية على السواء، بدا للوهلة الأولى أن هذا التباعد الكبير بين أبناء التيارات الإسلامية والعلمانية ــ الليبرالية فى طريقه للاختفاء، فالقضايا الدولية والإقليمية منذ الانتفاضة الفلسطينية الثانية فضلا عن الهم الداخلى المشترك كان قادرا على تقريب المسافات رويدا رويدا، ما جمع أبناء هذا الجيل فى العقد الأول من الألفية كان أكبر مما يفرقه بكثير، فاللغة متقاربة والأدوات واحدة والرؤية مشتركة، صحيح اختلفت الهويات لكن بقى الهم العام واحدا وسط عجز واضح لنظام مبارك على استيعاب كل هذه التغييرات.
***
كان آخر عامين فى حكم نظام حسنى مبارك فارقين فى حياة هذا الجيل وممهدين لتغييرات كبرى غيرت مسار هذا الجيل إلى الأبد، الفن والإعلام والجامعات كانت جميعا تتمرد على النظام، ما كان خطا أحمرا لم يعد كذلك، رغم فرق السن الواضح بين الدكتور محمد البرادعى وبين أبناء هذا الجيل إلا أنه تكلم لغة يفهمونها، لغة التغيير والديموقراطية، لغة بدت شابة وأقرب لمفرداتهم من لغة نظام مبارك وجمعية جيل المستقبل. بدا أن البرادعى هو البطل المنقذ، الرجل دبلوماسى دولى مرموق وليس محسوبا أو متورطا فى الصراعات الداخلية أو محسوبا على تيار بعينه رغم ليبراليته الواضحة، يتكلم بكلام هادئ ومحسوب ولا يمانع فى التعاون مع الجميع وقادر على تأسيس حراك مختلف لحصد تراكم الحراك الطويل فى هذا العقد الأول من الألفية، تسارعت الأحداث بشكل يفوق توقعات أحد، حادثة خالد سعيد، تزوير الانتخابات البرلمانية فى عام 2010، حملة توقيعات التغيير، حادثة القديسين، هروب بن على، ثم كان الانفجار الأعظم فى 28 يناير 2011!
لم تكن يناير مجرد حدث عارض أو بالصدفة، رغم أنها لم تكن مخططة كذلك، لكنها كانت حصيلة عادلة لكفاح جيل حاول التمرد على طقوس وقيم وسياسات لا تنتمى إلى عصره، كانت محاولة للبحث عن لغة جديدة وعصر جديد يتناسب وطموحات هذا الجيل، محاولة للعيش فى دولة تليق بحصيلة الوعى الجديد بعد سنوات من سيادة وعى دولة التحرر الوطنى التى أسسها الضباط الأحرار قبل ستين عاما، كانت محاولة جريئة وصادقة لدفع مصر إلى الأمام لتلحق بركب الدول المتقدمة والمتطورة، كانت سعيا نحو تأسيس عقد جديد بين الدولة والمواطن على أساس قيم المواطنة التى لا تفرق فى الحقوق والواجبات بين أبناء نفس الوطن على أسس عرقية أو اجتماعية، كانت ثورة حقيقية ليست فقط بالمعايير السياسية ولكن حتى بالمعايير الثقافية والاجتماعية.
لست هنا فى معرض التقييم للفترة بين تنحية مبارك وعزل مرسى فهناك الكثير من الكلام الذى قد نختلف أو نتفق عليه، لكن هذه الفترة والتى تقدر بعامين ونصف العام تقريبا كانت الفرصة الذهبية لأبناء جيل الثمانينيات لتأسيس دولتهم وتحقيق حلمهم، تعاظمت الآمال والتوقعات ولكنها اصطدمت جميعا بأرض الواقع، والأخيرة لم تكن ممهدة بأى حال لتحقيق هذه الآمال وكانت تحتاج إلى قوى أكثر تنظيما لتحويل الحلم إلى حقيقة وهو ما لم يحدث!
تعددت العقبات أمام طريق تحقيق الآمال والأحلام، صراعا ضروسا بين المؤسسات الأمنية وجماعات الإسلام السياسى تم استخدام فيها كل الطرق والأساليب لتكسير العظام، استقطابا حادا بين اليسار القديم وبين الإسلاميين تم استدعاء التاريخ فيه لتصفية حسابات الحاضر، هوة كبيرة بين الأجيال الأكبر التى رأت فى الثورة تهديدا لوجودها وسطوتها وكشفا لعوراتها وخنوعها وبين الأجيال الأصغر المتمردة والصاخبة على الأوضاع السياسية والاجتماعية والثقافية، صداما حادا بين المؤسسات الدينية وكهنتها وبين المنطق المدنى ــ العلمانى الجديد الباحث عن توقيع عقد مجتمعى يحجم دور هذه المؤسسات ويعيد ترسيم حدودها للتراجع إلى الدور الروحى والتبشيرى بدلا من السطوة السياسية والاجتماعية، باختصار كانت الثورة صراعا بين منطق القبيلة بمعناها الدينى والمجتمعى والسياسى وبين منطق المدينة بمعناها الحضارى المؤسسى الحديث، انتصرت القبيلة وانهزمت المدينة ومعها راحت أحلام هذا الجيل، لكنها لم تكن مجرد هزيمة سياسية يتصافح بعدها الخصوم، لكنها كانت هزيمة حربية يؤخذ بعدها الأسرى، وهذا هو وضع جيل الثمانينيات، نحن باختصار أسرى!

أحمد عبدربه أستاذ مشارك العلاقات الدولية، والمدير المشارك لمركز دراسات الشرق الأوسط بجامعة دنفر