كتب الصحفيان المصريّان عبدالرحمن يوسف، ومصطفى هاشم على نشرة صدى التابعة لمركز كارنيجى للشرق الأوسط مقالا تحليليا يتحدث عن حزب النور السلفى فى مصر، وسعيه إلى أن يحل محل الإخوان المسلمين باعتباره القوة الإسلامية الأبرز، فيما يحاول تجاوز ردود الفعل العنيفة ضدّ الإسلاميين. على الرغم من الدعم الذى قدّمه حزب النور للتحالف الذى قاده الجيش وأدّى إلى إطاحة حكومة الإخوان المسلمين فى يوليو الماضى، يشعر الحزب، وهو الذراع السياسية للدعوة السلفية، بشكل متزايد بتأثير الحركة القوية المناهضة للإسلاميين التى تسود فى مصر حاليّا، الأمر الذى يزيد من عزلته. لقد اتضح أن مشاركة حزب النور فى التحالف الذى قاده الجيش لم تكن كافية لتجاوز هواجس العلمانيين الذين يقلّلون من شأن هذه المشاركة منذ عزل الحكومة الإسلامية، وغالبا ما يلوّحون بأن الحزب سيلاقى مصير الإخوان فى حال تجاوز حدوده.
•••
وأشار الكاتبان إلى التوتّر المستمر بين الدعوة السلفية المعروفة باسم «السلفية العلمية» أو «مدرسة الإسكندرية»، وبين التيارات الإسلامية الأخرى، وخصوصا الإخوان، والذى بلغ مستوى من العداء الصريح، كتسمية حزب النور من قبل الإسلاميين وقيادتهم بـ«حزب الزور» و«الخائن للأمانة»، بينما يرد قيادات النور وشبابهم بأن الإخوان والإسلاميين مسئولون عن كل ما جرى ويجرى لهم، الأمر الذى أدّى إلى انعزال حزب النور ومناصريه ضمن سائر الإسلاميين أيضا.
ظهرت حالة الخصومة والعداء بين حزب النور وبين الإخوان المسلمين حين انضمّ حزب النور إلى جبهة الإنقاذ فى يناير 2013، فحزب النور تقارَب مع الجبهة التى تنتقد الإخوان بشراسة الأمر الذى أعطى مصداقية للرسالة المعادية للإخوان من قبل الجبهة، وذلك بحسب رؤية الإخوان آنذاك. لاحقا، رأى حزب النور فى دعم الانقلاب الذى قاده الجيش فى صيف عام 2013 فرصة لكى يرث موقع الإخوان المسلمين فى قيادة تيار الإسلام السياسى، فى إطار تجسيد جديد للمنافسة القديمة بينهما على الناخب نفسه، والأنشطة العامة والاجتماعية فى المجتمع.
•••
وأوضح الكاتبان أن الديناميكيات السياسية المتغيرة فى مصر أدت إلى دفع الدعوة السلفية إلى إيجاد مبرّر دينى لبعض القرارات التى تتعارض مع بعض الرؤى السياسية التى تبنتها قبل الانقلاب ــ من دون السعى إلى الاشتباك مع أى تغيرات تطرأ على المشهد. حيث برّرت قيادة حزب النور دعمها للجيش أمام أعضائها على أنه سعى «للحفاظ على الهوية الإسلامية والشريعة» من خلال إبقاء الإسلاميين ممثّلين فى الحكومة. كما حاججت أنّها لو اتخذت مواقف مختلفة عن التى اتخذتها، لكان مصير القيادة والأعضاء كمصير الإخوان حاليّا، إما خلف القضبان أو فارّين من وجه العدالة. وهو الأمر الذى دفع إلى الانطباع الشائع بأنّ للدعوة السلفية خطابَين: الأول ذو صبغة سياسية مدنية، والآخر ذو صبغة دينية ــ إسلامية عملا بقاعدة «المصالح والمفاسد». حاجج عددٌ من أعضاء حزب النور السابقين أن الحزب بات ينتهج سلوكا براغماتيّا يشبه جدّا سلوك الإخوان المسلمين حين دعم بعض القيادات الإخوانية موقف المجلس الأعلى للقوات المسلحة خلال احتجاجات المعارضة فى أواخر العام 2011 فى شارع محمد محمود ومجلس الوزراء، والتى بدأت حينما فضت قوات الشرطة والجيش اعتصام أهالى الشهداء بالقوة ليلة الجمعة 18 نوفمبر، ما أسفر عن سقوط عشرات القتلى ومئات المصابين من الشباب.
وقد تبنت قيادة الدعوة السلفية خطابين تبريرين لموقفها: الأول، بأنها «لا تملك سوى رفض الاحتجاج شفهيّا من دون تبنّى أى مواقف عملية»، لأن «الدولة فى خطر». والثانى أن «الخطأ الأكبر هو خطأ الإخوان»، بما يعنى أنها حمّلت الإخوان مسئولية تدهور الوضع فى مصر. إلا أن هذا أيضا لم يغير النظرة القائمة لدى التيارات العلمانية بأن الخطوة التى قام بها حزب النور كانت «انتهازية»، وأبعد مما تكون عن التقدم الأيديولوجى. كما أدّى دعم الدعوة السلفية المثير للجدل للجيش إلى زيادة حدة الانقسامات الداخلية.
•••
وأكد كل من عبدالرحمن يوسف، ومصطفى هاشم فى نهاية المقال على محاولة الدعوة السلفية لتثبيت حضورها، من خلال قبول الدولة والجيش، ومواصلة وحتى توسيع أنشطتها الخيرية والاجتماعية والدعوية مستفيدة من استراتيجية الإخوان الكلاسيكية فى إنشاء شبكة قوية تستند إلى الخدمات الاجتماعية والدعوية. وهكذا تسعى الدعوة السلفية إلى تقديم نفسها بديلا عن تنظيم الإخوان المسلمين غير الشرعى، وهو بديل يحظى ــ على الأقل فى الوقت الحالى ــ بمباركة الدولة. وتسعى الدعوة السلفية فى المرحلة الحالية إلى الاستفادة بكل طاقتها من هامش الحرية الممنوح لها من قبل الدولة، لتوسيع رقعتها الاجتماعية والسياسية. لكن على الرغم من هذا الهامش فى الحرية، يبقى من غير المؤكّد مدى قدرة الدعوة السلفية على الحفاظ على تماسكها الداخلى فى ظلّ الاستمرار فى العملية السياسية الجارية، بالقواعد نفسها التى تسعى إلى تحجيمها. وإن محاولة السلفيين الحلول مكان الإخوان يمكن أن تعرّضهم لمصير مشابه. فمع خروج الإخوان من المشهد إلى حد كبير، غالب الظن أن حزب النور (والدعوة السلفية فى شكل عام) سيصبح عدو العلمانيين فى المستقبل. لكن فى حين أنه من المتوقع أن تستمر التفاهمات مع النظام القادم بعد الانتخابات الرئاسية، سوف تتزايد احتمالات التصدّع داخل كوادر الدعوة السلفية، فيما ستظل السلطة تُشهر فى وجهها المادة 74 من الدستور الخاصة بـ«حظر الأحزاب التى تنشأ على أساس دينى»، والتى لم ينجح حزب النور فى الحصول على إلغائها على الرغم من الضغوط التى مارسها فى هذا الصدد. فى حال قرر العلمانيون استخدام هذه المادة، فقد تدفع بحزب النور والدعوة السلفية نحو المصير نفسه الذى لقيه الإخوان المسلمون.