في معنى النسيان - مواقع إلكترونية - بوابة الشروق
السبت 27 أبريل 2024 1:01 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

في معنى النسيان

نشر فى : الجمعة 19 أغسطس 2022 - 10:45 م | آخر تحديث : الجمعة 19 أغسطس 2022 - 10:58 م

نشر موقع وطنى المصرى مقالا للكاتب يسرى مصطفى، تناول فيه كيف أن ظاهرة النسيان ليست عملية سلبية دائما، بل قد تكون عملية عضوية حيوية.. نعرض من المقال ما يلى.

إذا كان الفهم الشائع يعتبر أن النسيان نقيض التذكر، إلا أن النسيان، حسب النظريات العلمية، جزء حيوى من نظام الذاكرة بشكل عام. فالنسيان وظيفيا يرتبط بمراحل الذاكرة المختلفة، أى اكتساب، وحفظ أو تخزين المعلومات، ومن ثم استرجاعها، فقد ننسى لأننا لا نستقبل المعلومات بشكل جيد، مثلا بسبب قلة أو غياب الانتباه أو الاهتمام، وقد ننسى لأن سعة التخزين والحفظ تخضع لشروط عضوية ونفسية يتم من خلالها حفظ بعض المعلومات أو الأحداث والتخلص من أخرى، ولأننا لا نعرف مسار الذاكرة، فإن النسيان بالنسبة لنا لا يتبدى إلا عندما نحاول استعادة أو استرجاع بعض المعلومات فلا نستطيع. وإذا كان النسيان يؤرقنا لأننا نريد أن نتذكر، فلا يجب أن ننسى أن من الذكريات ما يؤرقنا فنتمنى أن يلفها النسيان.

وفى توصيف ظاهرة النسيان، يقول د. محمد قاسم عبدالله (كتاب سيكولوجية الذاكرة)، هناك نوعان من النسيان يركز عليها علماء النفس، أولا: التلاشى أو الذبول السلبى والذى يرتبط هذا بالذاكرة قصيرة المدى حيث إن المادة لم يجر التعامل معها بشكل مركزى ومباشر عن طريق الانتباه؛ ثانيا: التداخل الفعال الذى يعمل لفترات زمنية أطول ويرتبط بالذاكرة طويلة المدى حيث يحدث النسيان نتيجة تداخل معلومات حدثت قبل أو بعد المعلومات المستهدفة. وهنا تجدر الإشارة إلى أن زخم المعلومات المتسارعة والقصيرة وغير المترابطة فى زمن تكنولوجيا المعلومات جعل النسيان ظاهرة عامة.

وعادة ما يتم النظر إلى النسيان بوصفه ظاهرة سلبية تتعارض مع نشاط التذكر كظاهرة إيجابية، بمعنى تعطل القدرة العقلية، بشكل جزئى أو كلى، نتيجة أسباب نفسية أو عضوية أو بسبب التقدم فى العمر أو بسبب إيقاع الحياة المتسارع، والاعتمادية المتزايدة على التسجيل والتخزين الإلكترونى. ونستخدم تعبيرات مثل «فقدان الذاكرة» كدلالة مرضية و«ذاكرتنى خانتى» كحدث عارض، وهكذا يبدو النسيان بوصفه قصورا مزمنا أو شللا مؤقتا فى القدرة العقلية والنفسية على استرجاع المعلومات والأحداث. ومن ثم يسعى البعض، وربما هذا صحيحا من الناحية الوظيفية، إلى تجنب ومعالجة عوارض النسيان من خلال التدريب على التذكر ومعالجة النسيان. ولعل كلمة «المذاكرة» ذات دلالة فى هذا السياق، وكأن فعل التعلم هو فى جوهره تدريب على التذكر من خلال الانتباه والحفظ وتخزين المعلومات.

وبالمقابل، وكما ورد فى مجلة الثقافة العالمية (العدد 130 مايو 2005)، فإن العلماء والمتخصصين اهتموا بدراسة ظاهرة النسيان ليس بوصفها عملية «سلبية»، بل بوصفها عملية عضوية حيوية، ففهم النسيان يعنى فهم أفضل وأشمل للأداء الوظيفى للذاكرة. وفى هذا السياق يرى فصيل من العلماء أن النسيان ليس عجزا، بل هو عملية جوهرية فى نظام الذاكرة، وخلص بعض علماء بيولوجيا الأعصاب إلى وجود مادة عضوية انزيم PPI، تسمى «جزيئة النسيان» مهمتها حذف معلومات من الذاكرة لتجنب حشو الدماغ، حيث يرى إريرك كندل من جامعة كولومبيا بنيويورك، الحاصل على جائزة نوبل فى الطب عام 2000 عن أبحاثه فى مجال الذاكرة، أن اكتشاف «جزيئة النسيان» هو فى حد ذاته خطوة عملاقة للأمام تثبت لنا ما لم يدركه الكثيرون قبل الآن: وهو أن النسيان، ليس مجرد ظاهرة عادية ومتوقعة نتيجة لتقدم العمر وإنما هو عملية بيولوجية نشطة ودقيقة ومنضبطة، مما يجعلنا نعيد النظر فى بعض الثغرات الصغيرة التى تصيب ذاكرتنا، عندما يزعجنا ضياع المفاتيح أحيانا، وضياع النظارة أحيانا أخرى. وتقول الباحثة إيزابيل مانسوى، أنه عندما تقوم جزيئة النسيان العضوية بحذف بعض الذكريات أثناء حالة تعلم مكثفة فإنها تحمى دوائر ذاكرتنا من خطر الازدحام والتشبع.. وعندما تعمل على مسح الذكريات المخزونة فإنها تساعد دماغنا على فرز ما يصلح لتناسق وتوازن شخصية الفرد، وما هو أقل صلاحية، وما لا يصلح على الإطلاق.

ويتزايد الاهتمام الآن بالعلاقة بين الذاكرة البشرية والذاكرة الإلكترونية. فمما لا شك فيه أن الأنفوسفير أو الغلاف المعلوماتى وتكنولوجيا المعلومات برزت كمنافس ولاعب رئيسى فى مجال تسجيل وأرشفة وتخزين ومعالجة البيانات والمعلومات. ومع ذلك ربما علينا أن ننتبه إلى مسألتين أساسيين، أولا: من منظور الذاكرة، فإن هذه العمليات التقنية تفتقر إلى البعد الحيوى الذى يميز الذاكرة الإنسانية؛ ثانيا: من منظور النسيان، فإن هذه العمليات التقنية، بالإضافة إلى الإيقاع المتسارع لدفق البيانات والمعلومات، تسلب الذاكرة البشرية حيويتها، وتجردها من ميزتها الطبيعة، بالمزاحمة والاتكالية وتحفيز الذاكرة قصيرة المدى والتى هى ذات سعة كبيرة ولكنها محدودة، يمكنها أن تستقبل كمًّا هائلا من المعلومات، والتخلص منها بسرعة استقبالها. ومن ثم، فإن الذاكرة الإلكترونية التى باتت تشكل امتدادا غير حيوى وغير مسيطر عليه لذاكرتنا الحيوية، قد تساعدنا على التسجيل والأرشفة والتخزين ولكنها تحرمنا من حيوية الذاكرة، وأكثر من ذلك من حقنا فى الخصوصية والنسيان، فثمة أحداث ومعلومات تخصنا يتم تسجليها والاحتفاظ بها تكنولوجيا وفى المجال الافتراضى، وتبقى هناك مع أنها اختفت من ذاكرتنا الحيوية، وهذه المسألة قد يكون لها تبعات نفسية واجتماعية.

 

النص الأصلي

التعليقات