ياه.. يا مصر - إكرام لمعي - بوابة الشروق
الثلاثاء 23 أبريل 2024 6:15 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

ياه.. يا مصر

نشر فى : السبت 13 يوليه 2013 - 8:00 ص | آخر تحديث : السبت 13 يوليه 2013 - 12:36 م

لقد كان العام الذى حكم فيه الإخوان مصر بمثابة دهر من الزمن، فعندما حكم الإخوان مصر كان الحديث المتداول هل هانت مصر؟! هل دارت الدنيا على أمها، وبسبب سياسات خاطئة من السادات الذى وضع يده فى يدهم للقضاء على اليسار فى الجامعات فقضوا عليه، ولم يتعلم خلفه مبارك الدرس واستمر فى مهادنتهم فاستفحلوا وخدعوا الشعب المصرى بتقواهم وصلاتهم وتدينهم.

 

ولكن النابهين من المصريين كانوا يدركون أن مصر بطبيعتها مدنية فهى أم الدنيا تحتضن جميع الأطياف والألوان والفصائل بين ذراعيها، وليس بطبيعتها أن تكون لونا واحدا وفكرا واحدا واتجاها واحدا مهما كان هذا اللون أو الفكر أو الاتجاه، لذلك عندما ظهر الإخوان والسلفيون على الساحة ارتبكت مصر تماما، وعندما نجح مرسى فى الانتخابات وبدأت قراراته فى كل اتجاه بدأ السؤال يتردد ثانية هل هانت مصر؟ هل تنحنى وتغير هويتها بسهولة؟ هل ترضى بأنها لم تعد المنارة الثقافية والتنوير للفن والأدب وحرية التعبير؟ هل أصبح رئيسها لا يتقن سوى خطبة الجمعة؟

 

●●●

 

لقد عشت على المستوى الشخصى عاما من الصراع الحقيقى مع أصدقائى من المسلمين والمسيحيين وأقربائى وعائلتى الجميع يتحدث عن أنها النهاية لأنه من المستحيل أن يأتى التغيير ومن المستحيل أن يترك الإخوان الحكم وبناء على هذة النتيجة بدأ البعض يبحثون لهم عن مخرج، معظمهم يتحدث عن أن ليس لهم مكان فى مصر، الإحساس بالاغتراب اجتاحهم جميعا، الهجرة صارت أملا لأناس أحبوا مصر من كل قلوبهم ولم تطرأ هذه الفكرة على أذهانهم من قبل إطلاقا.

 

بل هناك من عرضت عليهم الهجرة أو العمل بالخارج أكثر من مرة ورفضوا رغم الظروف الصعبة التى يعيشون فيها، وأصبحوا يندمون لأنهم لم يقبلوا العروض التى عرضت عليهم من قبل، وكنت من الذين يقاومون كل ذلك حيث كنت متيقنا أن مصر لن تخنع ولن ترضى ولن تستكين وأن العنصر المصرى مقاوم بطبيعته متمرد بتلقائيته على كل أحاديه فى الفكر أو الطغيان مهما طال الزمن، كنت أتحدث إليهم عن التاريخ المصرى وأصارع معهم أنا متيقن أن التغيير قادم سواء بعد عام أو خمسة أو عشرة، وكانوا عندما يسمعون مثل هذا الكلام يقولون فى خمس أو عشر سنوات ستنتهى مصر.

 

لقد كنت أشفق عليهم وعلى أولادهم فالخطأ الذى وقعت فيه هو أنى لم أكن أدرك أن طبيعة التمرد فى الإنسان المصرى قد تغيرت، أى أنه لن يصبر ويحتمل عشرات السنين فالتطور الذى حدث فى الشخصية المصرية أنها لم تعد قادرة على احتمال الطغاة سوى أيام وأسابيع أو عدة شهور على الأكثر، والذى فعل ذلك كان الشباب المصرى.

 

ولأنى لست من الشباب المعاصر فقد كنت مستعدا أن أصبر على الطغاة سنوات ـ كما كنت أقول لأصدقائى ـ فإذا لم يتحقق ذلك فى حياتنا فسوف يتحقق مع أولادنا أو أحفادنا، لكنه تحقق أسرع مما كنت أتوقع، ولذلك أنحنى لما أحدثه شباب مصر من تغيير فى العنصر المصرى القديم، وأصبح  لهم حق الملكية فيه لذلك سيسطر التاريخ (إن شباب مصر فى بداية العقد الثانى من القرن الحادى والعشرين أحدثوا تغييرا جذريا فى طبيعة المصرى ذى السبعة آلاف عام فهو لم يعد يصبر على ضيم أو ظلم أو طاغية أكثر من عام).

 

●●●

 

عندما سقط الطاغية تذكرت مسرحية شعرية لشاعر الإنجليزية العظيم شيللى ورواية لأديب مصر العظيم إحسان عبدالقدوس أما مسرحية شيللى فهى «برومثيوس طليقا» وقد ترجمها الراحل العظيم لويس عوض ولقد قدم شيللى فى هذه المسرحية الإنسان المتمرد رمزا للإرادة الإنسانية حين تصطدم بعقبات وقوى جبارة لكنها لا تساوم معها ولا تتنازل محتملة كل أنواع الألم والعذاب فى سبيل ذلك.

 

ولكى يحقق هذه الفكرة استوحى شيللى الأسطورة اليونانية القديمة «برومثيوس» ذلك الإنسان الذى رفض الإله زيوس إله الشر وقاومه فما كان من زيوس إلا أنه عاقبه بأن يوثق عند جبل القوقاز حيث تلتهم الصقور كبده وكلما تلف كبده يظهر له كبد جديد لتعود الصقور فتلتهمه إلى ما لا نهاية، وهنا يتحمل برومثيوس كل ما يلحق به من أذى ولا يفقد تمرده ولا يستسلم وكان سلاح المقاومة هو «المعرفة» فقد كان يملك سر التمرد ولأنه سر تملكه البشرية أو الإنسان العادى فهو ليس ملكا لقوى الشر أو الأشرار الذين يستخدمون العنف ضد خصومهم والذى استخدمه زيوس ملك الشر ليحصل على هذا السر.

 

إلا أن برومثيوس تحمل الألم الفظيع ولم يبح بهذا منتظرا سقوط زيوس وقد حدث عندما قام روح الكون «المبدعة» إيمرغورغون بإنزاله عن عرشه وهنا يظهر هرقل الذى يرمز إلى القوة وينقذ برومثيوس ومعه البشرية جميعا من الآلام التى سببها لهم الشر وهكذا تستعيد الدنيا بهائها وجمالها ويتزوج برومثيوس الإنسان صاحب المعرفة والإرادة بالطبيعة أو الحياة ويبدأ بذلك زمن الحب والخير للإنسانية جمعاء.

 

●●●

 

لقد كان هذا السر العجيب ملكا لشباب مصر فلم يستخدموا العنف لكنهم تحملوا كل الألم واستخدموا معرفتهم وتنظيمهم وإرادتهم حتى وصلوا إلى هدفهم.. أما الرواية المصرية التى تذكرتها فقد كانت للأديب العظيم إحسان عبدالقدوس ولقد كتبها بعد ثورة 23 يوليو وكانت بعنوان «لم يكن أبدا لها» واكتفى بالعنوان لك يا عزيزى القارئ لكى تفهم منه ما تشاء.

 

ياه.. يا مصر ربما تسأل ـ عزيزى القارئ ـ لماذا وضعت هذا العنوان على المقال رغم أنه ليس له صلة مباشرة بما ذكرته فيه عزيزى القارئ، أن العنوان يعبر عن روح المقال، لأنه بعد سقوط حكم الإخوان كنت أقابل أصدقائى ونهتف بارتياح ياه.. يا مصر ونحتضن بعضنا البعض كأننا نحتضن مصر بعد فراق دام لمدة عام لقد استعدناها واستعادتنا.

 

 

 

أستاذ مقارنة الأديان

إكرام لمعي  أستاذ مقارنة الأديان
التعليقات