نجاح أولمبياد طوكيو وإنجاز السيدة كويكى - وليد محمود عبد الناصر - بوابة الشروق
الثلاثاء 23 أبريل 2024 10:27 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

نجاح أولمبياد طوكيو وإنجاز السيدة كويكى

نشر فى : الجمعة 13 أغسطس 2021 - 9:25 م | آخر تحديث : الجمعة 13 أغسطس 2021 - 9:25 م
على مدار ثلاثة أسابيع تقريبا استضافت العاصمة اليابانية طوكيو، بنجاح منقطع النظير، دورة الألعاب الأولمبية الصيفية، وهى التى تجرى عادة كل أربع سنوات، والتى كان مقررا لها أصلا صيف عام 2020، ولكنها تأجلت لمدة عام بالتمام والكمال، وذلك بسبب جائحة كورونا واستشراء الفيروس على الصعيد العالمى بدءًا من مطلع عام 2020، بل واستمراره معنا حتى اللحظة الراهنة، وإن بمعدلات متراجعة عما كان عليه الحال منذ أشهر قليلة، وذلك على الأقل فى غالبية بلدان العالم من حولنا.
وهناك العديد من الموضوعات التى يمكن تناولها عندما نتحدث عن أولمبياد طوكيو وما جرى فيها وكذلك عن نتائجها وآثارها وإنجازاتها، ومن زوايا كثيرة ومتنوعة، ولكننى سأقتصر هنا على تقديم جانب واحد من جوانب الصورة، ألا وهو دور السيدة التى تتولى منصب محافظ طوكيو حاليا، وهو منصب تولته بالانتخاب على مدى دورتين حتى الآن، وهى السيدة يوريكو كويكى.
والحديث عن السيدة يوريكو كويكى هو بالضرورة حديث وثيق الصلة بمصر، فالسيدة كويكى عاشت لسنوات فى مصر حيث كان والداها يعملان فى مصر فى العقد الثامن من القرن العشرين، وكان يمتلكان ويديران أحد أهم المطاعم اليابانية فى القاهرة، بل واحدا من أوائل تلك المطاعم، وتلقت السيدة كويكى تعليمها فى كل من جامعة القاهرة والجامعة الأمريكية فى القاهرة، حيث تخرجت فى الأخيرة، واعتبرتها الجامعة الأمريكية فى القاهرة فى احتفالاتها بمناسبة مائة عام على إنشائها واحدة من أهم مائة من خريجى الجامعة على مدار تاريخها، كما عملت لسنوات كمساعدة خاصة لعالم المصريات اليابانى الشهير البروفيسير «ساكوجى يوشيمورا» خلال عمله فى مجال الحفريات الأثرية بالتنسيق مع المجلس الأعلى للآثار فى مصر فى ذلك الوقت. وعند عودتها لبلدها اليابان عملت السيدة كويكى كإعلامية تدير برامج حوارية هامة فى التليفزيون اليابانى وأصبحت ذات شعبية كبيرة لدى المشاهد اليابانى، وبزغ نجمها فى تصاعد مستمر، وكان هذا النجاح فى ميدان العمل الإعلامى هو مدخلها للدخول فى معترك العمل السياسى والحزبى فى اليابان فى مرحلة لاحقة، حيث خاضت عقودا من العمل السياسى والحزبى الذى شهد نجاحا وتألقا مستمرين.
وسرعان ما بزغ نجم السيدة كويكى على ساحة المشهد السياسى اليابانى، وبشكل أكثر تحديدا فى سياق الحزب الليبرالى الديمقراطى اليابانى، والذى حكم اليابان، سواء بمفرده أحيانا أو فى ائتلاف مع أحزاب أخرى فى أحيان أخرى، فى معظم السنوات المنقضية منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية ومنذ إنشاء الحزب فى عام 1955. وشغلت السيدة كويكى عضوية مجلس النواب اليابانى لفترة اقتربت من العقدين ونصف العقد ما بين عامى 1993 و2016 عن الحزب الليبرالى الديمقراطى، وصارت السيدة كويكى من أقرب المقربين فى الصفوف الأمامية للحزب من إحدى الشخصيات الأبرز التى تولت قيادة الحزب منذ نشأته، وهو «جونيتشيرو كويزومى»، والذى يعتبر من أطول من تولوا رئاسة الحكومة اليابانية لفترة متواصلة منذ نشأة الحزب، كما أنه صاحب الشعبية التاريخية والأسطورية، والمستمرة حتى الآن فى اليابان، وله بصمات واضحة على الاقتصاد اليابانى وعلى السياسات الدفاعية اليابانية ذات تأثير وباقية معنا إلى يومنا هذا.
ووصلت السيدة كويكى إلى تولى منصبين رفيعين وشديدى الأهمية فى هيكل الحكومة اليابانية، وكانت أول سيدة تتولاهما فى تاريخ اليابان المعاصر، كان أولهما منصب مستشار الأمن القومى لرئيس الحكومة آنذاك «كويزومى»، ثم لاحقا تولت منصب وزير الدفاع اليابانى، حيث تولت ذلك المنصب مع خليفة «كويزومى» وكان هو رئيس الوزراء اليابانى الأسبق «شينزو آبى» خلال ولايته الأولى كرئيس للحكومة ما بين عامى 2006 و2007، قبل أن يعود ليترأس الحكومة من جديد لاحقا لفترة أطول، بل الأطول فى التاريخ السياسى لليابان ما بعد الحرب العالمية الثانية، وذلك ما بين عامى 2012 و2020.
إلا أنها بعد انتقال الحزب الديمقراطى الليبرالى اليابانى إلى المعارضة بعد خسارته انتخابات 2009 التشريعية ونتيجة تصاعد حدة الخلافات والاستقطاب داخل الحزب آنذاك، مالت السيدة كويكى إلى بناء حزب سياسى جديد قادته إلى أن انتهى المطاف إلى الاستقالة من عضوية البرلمان اليابانى (المعروف باللغة اليابانية باسم «الدايت») والترشح فى انتخابات محافظ طوكيو فى عام 2016، ونجحت فى 31 يوليو من ذلك العام فى الفوز على مرشح حزبها السابق الليبرالى الديمقراطى، رغم عودة ذلك الحزب لمقاعد السلطة من جديد وعودة «آبى» مرة أخرى إلى سدة رئاسة الحكومة فى عام 2012، وحققت بالفعل انتصارا كبيرا فى تلك الانتخابات وفازت بالمنصب. وأعادت ترشيح نفسها فى انتخابات محافظ طوكيو فى عام 2020، وفى 5 يوليو من العام الماضى حققت انتصارا كاسحا فى تلك الانتخابات وأعيد انتخابها كمحافظ لطوكيو حيث حصلت على حوالى 60% من أصوات الناخبين.
وعندما توجهت لليابان فى عام 2001 للمشاركة فى مؤتمر نظمته جامعة الأمم المتحدة، ومقرها العاصمة اليابانية طوكيو، حول حوار الحضارات والثقافات، وكانت زيارة لى لليابان، سمعت كثيرا عن أهم السياسيين «المستعربين» فى اليابان فى ذلك الوقت، وهى السيدة يوريكو كويكى، ولكن جاء تعرفى شخصيا بالسيدة كويكى متأخرا عن ذلك بعدة أعوام، وتحديدا فى عام 2007، وعلى مدار أربعة أعوام عملت فيها فى العاصمة طوكيو وأقمت وسط المجتمع اليابانى، وأدركت آنذاك بشكل مباشر وعن قرب الدور الكبير الذى استمرت تلعبه لعقود السيدة كويكى للدفع قدما بالعلاقات اليابانية العربية فى عمومها، والعلاقات اليابانية المصرية بشكل أكثر تحديدا، فى مختلف المجالات، ورأيت أمثلة حية على دلالات وانعكاسات وجود شخصية سياسية يابانية هامة بثقل وقوة وتأثير السيدة كويكى تجيد التحدث باللغة العربية وتقبع فى قلب دوائر صنع القرار فى بلدها وتشكل أحد أهم مفاتيح السياسة اليابانية تجاه الوطن العربى، على المسائل التى تهم العرب، ليس فقط على الساحة السياسية، بل، وربما بشكل أهم، على صعيد تعزيز العلاقات الاقتصادية والتعاون الثقافى والتبادل الإنسانى، بل والفنى والرياضى، بين اليابان والبلدان العربية.
وفى نهايات شهر أكتوبر 2019، وخلال وجودى فى العاصمة اليابانية طوكيو لفترة قصيرة، وبفضل ترتيب كريم من السيد السفير أيمن كامل سفير مصر لدى اليابان، أتيحت لى فرصة اللقاء مجددا مع السيدة كويكى بمكتبها بمحافظة طوكيو، حيث شرحت لى باستفاضة الجهود الكبيرة التى قامت بها، والطاقم العامل معها فى محافظة طوكيو، على مستوى إعداد البنية التحتية اللازمة لتنظيم أولمبياد طوكيو، والتى كان مقررا لها آنذاك صيف عام 2020، حيث شمل ذلك شبكة واسعة من الطرق والكبارى، بالإضافة إلى تحديث ما كان موجودا بالفعل من معالم تلك البنية التحتية الموجودة من قبل. وكان هدفها أن تكون طوكيو، وللمرة الثانية فى تاريخها مع استضافة أولمبياد الألعاب الرياضية الصيفية بعد استضافة أولمبياد طوكيو لعام 1964، نموذجا للعالم بأسره على تقديم أرقى أنواع المنشآت والتسهيلات والخدمات وأحدث تطبيقات التكنولوجيا، بما فى ذلك فى قطاع البنية التحتية، والتى قدمت مثالا على حسن النظام والتنظيم الأمثل وتوفير جميع سبل الراحة للمشاركين فى الأولمبياد من كبار مسئولين ورياضيين وإعلاميين من مختلف بلدان وأقاليم العالم، وبحيث تبقى تلك الإنجازات للشعب اليابانى وزوار اليابان من الخارج لاستخدامها وللاستفادة منها لعقود طويلة قادمة بعد انتهاء الأولمبياد، كما حدث بعد أولمبياد 1964.
وفى ضوء ما تقدم، كان من الطبيعى أن يكون أول لقاء ينظمه السيد السفير أيمن كامل سفير مصر فى طوكيو لوزير الشباب والرياضة المصرى الدكتور أشرف صبحى مع كبار المسئولين اليابانيين، بعد وصول الأخير طوكيو لرئاسة بعثة مصر المشاركة فى الأولمبياد، هو مع السيدة يوريكو كويكى.
وليد محمود عبد الناصر مفكر وكاتب مصرى
التعليقات