حكايات جدران المدارس - خولة مطر - بوابة الشروق
الجمعة 26 أبريل 2024 12:13 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

حكايات جدران المدارس

نشر فى : الإثنين 13 أكتوبر 2014 - 8:20 ص | آخر تحديث : الإثنين 13 أكتوبر 2014 - 8:20 ص

عند الحرف الأول توقفنا وعدنا لنحارب الظواهر فى خواتيمها بدلا من الوصول إلى الجذور.. كيف تنهى الجهل والتعصب المعششين المنتشرين فى كل أرجاء هذه الأوطان عبر قذيفة ذكية جدا.. كيف تنهى أكثر الأسلحة حداثة التخلف من العقول ؟؟ هل تكون النهايات على أيدى الأسلحة الأكثر تطورا؟؟ اما علينا أن نعود إلى جدران مدارسنا ونسمع ما تم من تجهيل وتسطيح وتعصب بها على مر العقود العديدة الماضية؟!

•••

زمان بل زمان جدا كانت المناهج تأتى من مدن الحضارة والنور إلى مدن الصحراء والنفط وتحمل كثيرا من التاريخ والجغرافيا التى هى أوسع من تلك البلدات متناهية الصغر.. كان على الطالب أن يعرف تاريخ تونس والثورة الجزائرية والثورة العربية الأولى والثورة الفرنسية وقبل كل شئ كيف اغتصبت فلسطين أمام أعين الجميع.. كانت وزارات التربية والتعليم تعج بالباحثين والخبراء ويترأسها المستنيرون والمربون الحداثيون بعضهم تعلم هنا ورحل ليتعرف على حضارات الكون فعاد محملا بالغنائم الحقيقية ألا وهى المعرفة والانفتاح والعلم والثقافة.. وكانت موسيقى الفرح تتسلل من خلف أبواب القاعات فى المدارس ودرس الألعاب المقدس كدرس النحو والدين.. وكان الفتيات والفتيان يلتقون، رغم أن المدارس غير مختلطة، ولكن عبر الأنشطة السنوية فيتشاركون فى الغناء والرقص الجميل فمرة رقصة الفراعنة وأخرى المرادة المحلية.. كان حقا زمنا جميلا ومنفتحا على رياح وألوان السماء..

•••

لم تمض السنون طويلا قبل أن تصبح البلدات متناهية الصغر (ليس فى الحجم فقط ) مراكز لنشر الجهل والتجهيل وأن يترأسها أشباه متعلمين من حملة الشهادات التى تسبقها «دال نقطة» فقط حتى أصبح عدد حملة هذه الشهادات أكثر من حملة الابتدائية فى أوطاننا! وضاقت المناهج حتى اكتفت بجغرافية البلدة الصغيرة وحدودها التى رسمها ذاك الضابط الانجليزى الثمل فكانت شخبطاته على رمال الصحراء هى الحدود التى ستتحارب عليها الدول فيما بعد وسترسل ترسانتها الحديثة ولكن الصدئة من قلة الاستعمال لتحارب بعضها بعضا!

كان الزمان البعيد لا يأتى بالمناهج بل بالمعلمين والمعلمات من مصر وفلسطين ولبنان والعراق وكان كل واحد أو واحدة منهن تحمل معها كثيرا من المعرفة والخبرة التى تنزل على الطالبات هناك بردا وسلاما.. يتذكر الكثيرون من أهلنا هولاء المجاهدين، نعم كان الجهاد من أجل العلم وليس قطع الرؤوس، بكثير من المحبة والامتنان..أليس علينا أن نطلب العلم ولو فى الصين أصبحنا نبحث عن الجهل ونرحل من مكان إلى آخر حاملين معنا تسجيلات لناشرى الجهل والتجهيل ننشرها هنا وهناك..

أما اليوم فقد عم الجهل وزارات التربية ومعلميها ومعلماتها حتى القادمين من مدن النور أصبحوا هم الأكثر جهلا وتجهيلا منذ أن تسلل بعضهم إلى هذه الوزارات مدركين أن قوتهم لن تأتى سوى من باطن عقول الصغار وراحوا يعملون بجد على إيجاد جيل تابع تماما غير قادر على التفكير الحر وسقفه هو ما يرسمه له المعلم أو رجل الدين الجاهل. هذه الأفكار هى نفسها التى صنعت قـَطعة الرءوس والرقاب وهى نفسها التى حرمت وحللت وهى نفسها التى أرجعت المرأة إلى ما قبل الجاهلية الأولى.. وهى نفسها التى ما زالت تعبث بعقول صغارنا وكبارنا..

•••

اصغوا من جديد إلى جدران المدارس لتحدثكم عن معلمة تساهم فى جهل الفتيات أكثر من البيئة الواسعة وتصنع فهما ضيقا للدين وواجبات المسلم والمسلمة كما تفسرها هى.. اسمعوا عن حكايات مستشارين بوزارات التربية عندما يضعون المناهج يرفضون الحضارات الإنسانية ويكتفون هم ايضا ببعض المفاهيم التى تعلموها أو سمعوها من جاهل آخر!! الجهل أكثر خطورة من مرض الايبولا ومدارسنا تنشره كل يوم وفى كل دقيقة عبر المعلمين والمناهج والقائمين على تلك الوزارات التى كان من الممكن أن تصنع جيلا عالما منفتحا محبا للحياة بدلا من جيل يسعى للموت وكان الدين هو دين المقابر..

الجهل أن تقلص ميزانية التعليم بنصيحة من تلك المؤسسة الدولية أو غيرها رغم أن ميزانية التسليح تبقى فى ارتفاع مستمر.. وأن يرحل القادر إلى المدارس الخاصة التى اصبحت كالبوتيكات والمؤسسات التجارية شديدة الربح.. عندما يصبح التعليم ضحية لاقتصاد السوق ايضا فيكثر عدد المتسربين والمتسربات أو يزداد عدد الخريجين الذين لا يعرفون من هو طه حسين أو توفيق الحكيم أو نجيب محفوظ أو حتى يرفضون الأخير لأنه «كافر».. هنا علينا أن نتوقف بعض الشىء ونبحث عن مصدر تخلفنا وجهلنا ورحيل شبابنا إلى الفضاء الافتراضى إما قاطعين للرءوس أو باحثين عن مساحة بسيطة من الحرية المفقودة فى مدننا الإسمنتية.. ليتهم يكرسون تلك المبالغ الطائلة لتنظيف التعليم ومؤسساته ووزاراته بدلا من إرسال الطائرات الحديثة، فمتى قضت طائرة على فكر أو قذيفة على تفكير.. أو حتى صنعت ديمقراطية كما ادعوا كثيرا ولايزالون?

خولة مطر  كاتبة صحفية من البحرين
التعليقات