حكى لى أحد الذين درسوا فى أكاديمية الفنون أن الدكتور رشاد رشدى الذى كان يعتبر من أكثر الذين استوعبوا فن الدراما، وكان يحذر تلاميذه دومًا من القصص المتشعبة المليئة بالتفاصيل الساذجة تجعل المتفرج فى حالة من التيه، وكان رشدى يقول إن اللجوء إلى مثل هذه النصوص هو حالة من الإفلاس، وأذكر أن أحد كُتاب السيناريو الذين تتلمذوا على أيدى رشدى قد تحدى أستاذه فى حياته، وقام بكتابة سيناريو فيلم «الأيدى القذرة» إخراج أحمد يحيى عام 1979، وهو من بطولة محمود ياسين وناهد شريف وعادل أدهم وفريدة سيف النصر، والفيلم يدور حول عالم القمار وما يمكن أن يأتى به من مكاسب مؤقتة وخسائر طويلة لهؤلاء المدمنين على ممارسته، وفى رسالة القصة فإن احتمالات الكسب تجعل من المرء مشدودًا إلى لعبته المفضلة ما دام هو يخسر فهو أيضًا يكسب، وكم رأينا مثل هذه الموضوعات فى سينما من الدرجة الثانية، ومنها فيلم «البيوت أسرار» إخراج السيد زيادة، وفى فيلم اليوم رأينا «كامل» أمين العهدة الذى يتم إغواؤه من خلال إحدى نساء العصابة كى يلعب ويخسر أو يكسب، وفى النهاية يضطر إلى الاختلاس من عهدته، ولأن الموضوع متكرر فيجب على مصطفى محرم الذى ادعى أنه المؤلف أن يضيف الكثير من المواقف التى تصنع فيلمًا، وأن ينصب من كل ممثل دورًا اشتهر به مثل الشرير عادل أدهم الذى استقبل كمال فى بيته ثم أغواه باللعب، وحوله إلى مقامر، هذه المهنة التى رأيناها فى الكثير من الأعمال التى تنتمى إلى القرن التاسع عشر، ومنها «المقامر» تأليف دوستويفسكى، ولأن الحيز ضيق والأشخاص قليلون فإن الحل عند المؤلف هو تبادل الأماكن، ووجود قابلية لدى كامل أن يصبح مقامرًا، لكن من ضمن ما أضافه المؤلف هو الشخصية المزدوجة، أى الشبيه بالبطل، ففى بيت عشيقته فإن كامل يقابل رجلًا يشبه، وفيما بعد يقتله ويتسمى باسمه وهويته حتى يهرب من الجريمة التى ارتكبها، أى أن السيناريو عبارة عن مجموعة من المواقف التى تم تجميعها لتصنع فيلمًا، بالإضافة إلى اسم الفيلم نفسه، وكلنا يعرف أن هناك مسرحية شهيرة للكاتب الفرنسى جان بول سارتر تحمل نفس العنوان، وهى عمل سياسى يدور حول صراع بين رجال لهم أفكار سياسية متناقضة، أى أن السيناريو عبارة عن «كناسة الدكان»، التى جمعها ذات يوم يحيى حقى من بين ما كتبه فى الصحف ولا يوجد بينه أى تشابه سوى العنوان، هذا فيلم من بطولة محمود ياسين، ويمثل بداية الفترة الثانية من حياته الفنية، ففى الفترة الأولى كانت النجمة التى يعمل معها كثيرًا هى نجلاء فتحى، وكم جمعته معها روايات لإحسان عبدالقدوس، وعن أفلام عالمية منها «سونيا والمجنون» الأقرب إلى «الجريمة والعقاب» تأليف الروسى دوستويفسكى، أما المرحلة الثانية فإنه عمل بشكل مكثف أمام ناهد شريف فى أبرز حالات حضورها السينمائى، هى امرأة تعتمد على الإغراء الناعم أكثر منها كممثلة تبرز مواهبها، ومن أفلامها أمامه «عندما يسقط الجسد»، و«انتبهوا أيها السادة»، و«الأرملة تتزوج فورًا»، و«همسات الليل»، و«لا تتركنى وحدى»، و«الشك يا حبيبى»، و«الساعة تدق العاشرة»، و«الوحش داخل الإنسان»، أى أن النجم اللامع لم يكن له أن يلمع على الشاشة إلا بوجود شريكات له من طراز فاتن حمامة وشادية وأخريات، والغريب أن هذه المرحلة كانت مليئة بالثراء العددى، أى أنه كانت لدينا أجيال تعمل وتتنافس فيما بينها، ولم يكن هناك خط بيانى طبيعى لصعود أى نجم أو هبوطه، والدليل هو وجود فيلمين للنجم بينما وهو كبير، هذان الفيلمان هما «انتبهوا أيها السادة»، و«العربجى».