على أعتاب «عام عربى جديد»: لا يأس مع الحياة.. - طلال سلمان - بوابة الشروق
الجمعة 13 ديسمبر 2024 5:42 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

على أعتاب «عام عربى جديد»: لا يأس مع الحياة..

نشر فى : الثلاثاء 15 يناير 2019 - 11:50 م | آخر تحديث : الثلاثاء 15 يناير 2019 - 11:50 م

خلال قرن واحد، دار الفلك بالعرب، لا سيما فى مشرق وطنهم، فإذا هم اليوم فى أوضاع أكثر بؤسا مما كانوا عليه فى مثل هذه الأيام من العام 1919.
كانت الحرب العالمية الأولى قد انتهت بسقوط السلطنة العثمانية، وتقدم «الغرب» ممثلا ببريطانيا (العظمى) وفرنسا، وزهو الانتصار على ألمانيا وتركيا، «لوراثة» هذه المنطقة المتروكة للريح، بعدما ابتلعت بريطانيا وعودها للشريف حسين، أمير مكة، بتمكينه من توحيد المشرق (الجزيرة العربية ومعها العراق وسوريا وفلسطين) فى مملكة هاشمية مستقلة.. صافية العروبة!
لم يكن ذلك «الوعد» إلا خدعة لاستمالة العرب إلى صف «الحلفاء» «ضد المحور».. ومع انتهاء الحرب تقاسمت بريطانيا وفرنسا أقطار المشرق العربى: ابتدعت إمارة للأمير عبدالله ابن الشريف حسين (الأردن)، وذلك باقتطاع بعض سوريا لهذا «العرش»، كتمهيد «ميدانى» لإقامة الكيان الإسرائيلى بقيادة الحركة الصهيونية على أرض فلسطين، تنفيذا «لوعد» آخر كان قد أعطاه وزير خارجية بريطانيا اللورد بلفور للحركة الصهيونية بقيادة هرتزل على إقامة «كيان» ليهود العالم على أرض فلسطين العربية باسم: إسرائيل!
صار المشرق العربى أرخبيلا من «الدول» ومشاريع «الدول»: فى السعودية انتصرت الحركة الوهابية، برعاية بريطانية ثم أمريكية، على خصومها من أمراء وشيوخ نجد والحجاز، فأقامت المملكة العربية السعودية.. استبعدت عنها الكويت لتكون «مشيخة» فإمارة ثم «دولة» فى أوائل الستينيات.
كان طبيعيا أن يتعاظم الرفض للمشروع الاستعمارى الجديد، وأن تباشر النخب السياسية إنشاء المنظمات والأحزاب، سرا فى البداية، ثم علنا، تمهيدا للحفاظ على الأمل بإعادة توحيد ما جُزئ من الأقطار العربية.
ثار الشعب السورى بداية، رفضا لتقسيم سوريا، وقد بلغت ثورته ذروتها فى شتاء العام 1925.. وأسقطت الانتفاضة مشروع تقسيم سوريا إلى أربع دول.
***
وحاولت بريطانيا «استيعاب» ثورة العشرين فى العراق وحرفها عن مسارها الطبيعى، فاستدعت فيصل الأول، ابن الشريف حسين، ليكون ملكا على العراق، بعد أن أسقطه الفرنسيون عن عرش مفترض فى سوريا.
أما فرنسا فقد ضمت بعض المناطق إلى «متصرفية جبل لبنان» لتنشئ الكيان السياسى الذى نعرفه اليوم باسم «الجمهورية اللبنانية».. وعلى أساس طائفى، طبعا!
كانت ركيزة هذه الأنظمة طائفية أو عشائرية بحيث تزرع فيها ومعها بذور الفتنة: ثار شيعة العراق ضد الاحتلال البريطانى عام (1925) فحاول مخادعتهم بملك هاشمى (سنى المذهب..)، وأسقط السوريون تقسيم بلادهم إلى أربع دويلات على أساس طائفى، فى حين ارتضى الأمير عبدالله ابن الشريف حسين أن يتولى «عرشا صغيرا» فى الأردن، ودخله معززا ببعض قبائل البدو و«جيش» من الشركس والتركمان وأقليات أخرى غير عربية بقيادة جنرال بريطانى منح رتبة الباشا: غلوب باشا.
***
فى الثلاثينيات، أكدت عمليات التنقيب عن النفط وجوده بغزارة فى المملكة العربية السعودية.. وهكذا وضع الأمريكان أيديهم على المملكة الناشئة التى ورثت الأرض المقدسة.. فى حين كان البريطانيون قد وضعوا أيديهم على نفط العراق، بالشراكة مع الفرنسيين (ولو بحصة محدودة، مع 5 فى المائة لمهندس الصفقة الأرمني).
بعد ذلك توالت الاكتشافات النفطية: فى الكويت ــ فى الخمسينات ــ ثم فى «مشيخة أبوظبى» التى رعى البريطانيون ثم الأمريكيون تحولها إلى «دولة» بعد ضم ست من المشيخات المجاورة، لتقوم «دولة الإمارات العربية المتحدة» تحت قيادة الشيخ شخبوط، قبل أن يتولى العرش شقيقه الشيخ زايد بن سلطان.
بالمقابل، تم كشف كنوز من الغاز فى طرف الخليج العربى، أمام قطر، فابتكرت صيغة فريدة لاستثماره، إذ إن «بحره» يقع على «الحدود» بين هذه الإمارة الصغيرة وإيران.. وهكذا صار الطرفان «شريكين».
ومن بعد، استطاعت سوريا اكتشاف بعض النفط وأكثر من الغاز، فى البادية، قرب الحدود مع العراق.. قبل أن تستولى «قوات داعش» على بعض الآبار، أو تعطلها، بعدما اقتربت قوات النظام من تحريرها، لتفاجأ بقوات أمريكية «تهبط» فيها، بغير إذن، طبعا، مما استفز تركيا التى سرعان ما طمأنتها واشنطن إلى أن هذه القوات ستنسحب «فى الوقت المناسب»!.
***
المنطقة الآن، من عند ساحل عُمان، إلى ساحل البحر الأبيض المتوسط، مساحة نفوذ أمريكي ــ إسرائيلى مشترك، لا سيما بعدما «تحررت» بعض الأقطار العربية، لا سيما فى الجزيرة والخليج، من موجبات التضامن العربى وحماية حقوق الشعب الفلسطينى فى أرضه، وباشرت إنشاء علاقات علنية وسرية مع الكيان الإسرائيلى.. بل إن رئيس الحكومة الإسرائيلى باراك نتنياهو يتباهى الآن، بأن لديه من الدعوات لزيارة دول عربية أخرى، بعد سلطنة عُمان، وأحاديث متناثرة عن زيارات سرية لموفدين عرب، إلى جانب زيارات علنية قامت بها وفود «شعبية» من البحرين، ومن تونس، فضلا عن المغرب الذى لديه جالية كبيرة من يهوده، فيها.

يفرض التساؤل نفسه هنا: وأين قضية فلسطين، فى هذه الدوامة من «التطورات المباغتة»؟
لا يجدى، بطبيعة الحال، الحديث عن السلطة الفلسطينية التى لا سلطة لها فى رام الله.. فهى سلطة شكلية، لا حول لها ولا طول، يحتاج رئيسها إلى إذن إسرائيلى للسفر، وإذن آخر للعودة.
ثم إن الانشقاق يتعمق بين السلطة فى رام الله و«حماس» التى أقامت مع بعض الفضائل، «سلطة موازية» فى قطاع غزة.. وأمكن للقاهرة أن تخفف التوتر بين «السلطة» و«حماس»، بعد تدخل سريع.
***
يفرض التوقيت الحديث عن بعض التطورات والإشكالات المرافقة لمحاولة عقد القمة الاقتصادية العربية فى بيروت، ومن بعد القمة العربية الدورية التى سوف تعقد هذا العام بعد أسابيع قليلة فى تونس.
فلقد رفض لبنان الرسمى حضور ليبيا فى القمتين، بعد إثارة القضية المعلقة المتصلة بإخفاء أو اختفاء الإمام موسى الصدر، الزعيم الشيعى اللبنانى الكبير، خلال زيارة له إلى ليبيا فى أواخر أغسطس من العام 1968.
كذلك فثمة مشكلة تتصل بدعوة سوريا إلى قمة بيروت الاقتصادية، ثم إلى القمة العربية الدورية التى ستنعقد فى تونس فى أواخر شهر مارس المقبل: ذلك أن سوريا ل تزال «مطرودة» من الجامعة العربية، منذ سنوات، ولا بد من قرار جديد، من هذه الجامعة، يقضى بعودتها إلى مقعدها الفارغ فيها..
فى هذا الوقت بالذات، يتزايد التحرش الإسرائيلى (عسكريا) بلبنان.. وتعمل جرافات العدو الإسرائيلى عند خط وقف إطلاق النار، بذريعة البحث عن أنفاق تدعى تل أبيب أن «حزب الله» قد حفرها داخل فلسطين المحتلة، تمهيدا لعملية حربية ضدها.

***
إن سلسلة من مشاريع الفتن الطائفية تنذر بالتفجر فى أكثر من قطر عربى:
إذا ما تجاوزنا السعودية، حيث تتصاعد أصوات «الشيعة» فى جنوبها مطالبين بالإنصاف والاعتراف بهم كمواطنين كاملى الحقوق فى بلادهم.
سوف نصطدم بتعذر إعادة صياغة الحكم فى عراق ما بعد صدام حسين، حيث يشكو «أهل السنة» من «احتكار الشيعة» للسلطة فى معظم مواقع القرار.. ومع المساعى لإعادة صياغة حكم ما بعد صدام حسين تصادمت المصالح داخل كل طائفة وخارجها فتعذر تشكيل حكومة جديدة، حتى الساعة.
أما فى سوريا ما بعد الحرب فيها وعليها والتى تنهشها منذ ثمانى سنوات، فإن الأحاديث تتواتر عن إعادة صياغة للنظام فيها، تلعب فيها روسيا دورا، بينما تحاول تركيا التأثير فيها.
وأما لبنان فبلا حكومة منذ ثمانية أشهر، وليس ثمة ما يؤشر إلى قرب توفر حل لهذه الأزمة فى بلاد الديمقراطية بالطائفية.
قد تكون الصورة معتمة، لكننا تعلمنا أنه «لا يأس مع الحياة».
وكل عام وأنتم بخير.. خصوصا وأننا فى أجواء الذكرى المئوية لميلاد جمال عبدالناصر.

طلال سلمان كاتب صحفي عربي بارز، مؤسس ورئيس تحرير جريدة السفير اللبنانية، كما أنه عضو في مجلس نقابة الصحافة اللبنانية - المدونة: www.talalsalman.com
التعليقات