من فقه الدعوة 3- بالحكمة - جمال قطب - بوابة الشروق
السبت 20 أبريل 2024 2:23 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

من فقه الدعوة 3- بالحكمة

نشر فى : الجمعة 15 نوفمبر 2013 - 8:00 ص | آخر تحديث : الجمعة 15 نوفمبر 2013 - 9:03 ص

(1)

بينت الأية الطريق وتوضيحه (سَبِيلِ رَبِّكَ)، ثم اتجهت إلى بيان «الطريقة الممكنة» فقالت «بالحكمة».. فما هى الحكمة؟

يعرف القرآن الكريم الحكمة ببعض ثمارها (وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا)، ويشيد بها رسول الله ف فيقول: (الحكمة ضالة المؤمن، أينما وجدها التمسها)

أما قواميس اللغة فتعرف الحكمة: (هى وضع الشىء فى نصابه)، وأزيد النصاب توضيحا فأقول: والنصاب هو «الكم المناسب»، «الكيف المناسب» فى «الوقت المناسب» و«المكان المناسب»، فالحكمة إذا هى استدعاء مستويين من الفقه «فقه الموازنات» ثم «فقه الأولويات» ألم ترَ إلى حكمة الحكيم وهو يقول: (وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ)، وكذلك قوله: (..... وَوَضَعَ الْمِيزَانَ)، فقد وضع الله الميزان ليعلّم الناس أهمية تقدير الأمر ووزنه قبل استعماله.

(2)

1- فلا يصح القاء الكلام قبل وزنه، وتقدير تأثيره (على المخاطب/ السامع/ الحاضر/الغائب ومن يعنيه ومن لا يعنيه)، وتقدير رد فعل (الصغير والكبير، والأُمى والمتعلم وعلى الراغب والمعرض.. إلخ).

2- عدد الكلمات، فما يكفيه كلمة لا يستعمل فيه كلمتين أو ثلاث، بل ما يكفيه الإشارة لا ضرورة للعبارة، فكثرة الكلام مضيعة للوقت وللجهد وتشتيت للفكر، ولنا فى رسولنا أسوة حسنة، حيث يقول: «أوتيت جوامع الكلم، واختصر لى القول اختصارًا». فيجب أن نتعلم اختصار القول ووضوحه.

3- توضيح المقصود للمكلف دون تشابه يؤدى للخطأ.

4- مطابقة الكلام المقتضى الحال فالحكماء يقررون: «لكل مقام مقال» فالكلام المستحب فى التأديب، غير المستحب فى الإعلام، غير التحذير، غير التهديد.

5- صياغة الكلام واختيار الألفاظ التى تشد انتباه المخاطب وتستدعى التفاته إليك.

6- خلو الحديث من العنف فلا يحمل «فظاظة وغلظة».

7- «نبرة الكلام» «ودرجة الصوت» تكون بلا نكارة (.... إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ).

(3)

وقد بين القرآن ضوابط عديدة لوزن الكلام، مثل:

القول السديد: المناسب للظرف مثل «سدادة الزجاجة» على قدرها دون تجاوز أو سديدا يسد (يغلق) طرق التيه والحيرة.

القول الميسور: الذى يستوعبه السامع ويتفاعل معه دون صعوبة.

القول الكريم: اللائق بحدود العلاقة بين المتكلم والسامع (صغير إلى كبير/ قريب إلى بعيد/مرؤوس إلى رئيس/ محب إلى مبغض/طبيب إلى مريض/ إلخ وعكس ذلك كله ينبغى مراعاته).

القول الثابت: الذى تستقر به الأمور دون شك أو قلق، القول البليغ: المستحب المؤثر، قول الحق: الذى لا يخالطه باطل، القول الفصل: الواضح الذى لا يحتمل أكثر من معنى.

القول معروف: الذى لا يخالف «العرف العام»، ويسهل على الناس تقبله بالتدرج، كما أشار القرآن إلى نوعية الكلمة وضرورة أن تكون «الكلمة طيبة» خالية من الخبث والسوء. (مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِى السَّمَاءِ)

ومن ضوابط الحكمة أيضًا: عدم تأخر البيان عن وقته، فإذا تأخر القول عن وقته المناسب يفقد معناه، مثل إحضار الدواء بعد هلاك المريض فإنه يفَقدَ قيمته، فالكلام قبل الاحتياج إليه ثرثرة مكروهة، وبعد فوات أوانه عجز وقصور.

(4)

فإذا انتقلنا إلى «فقه الأولويات» فنحن أمام «معضْلة مركبة» لا يستهان بها فالأولويات ليست ترتيبا مجردا عن الواقع مثل الترتيب التصاعدى أو التنازلى، ولكن تبنى الأولويات على متغيرات متعددة مثل:

حالة المخاطب (جائع/مريض/ عريان/ أم يجمع أكثر من صفة/ جاهل/ أُمى/ متعلم/ مؤمن/ غير مؤمن.. إلخ).

حيث ندرك أين يبدأ التأثير وترجى الفائدة.

كما أن الأولويات رغم بنائها على متغيرات، فإن لها أصولا لا يمكن تجاوزها وأهمها:

1- الحفاظ على النفس البشرية (سليمة/متعافية/ حرة/ كريمة) مقدم على أى شىء آخر.

2- الحفاظ على الأموال فهى وسيلة العلاج والتغيير.

3- ضمان استمرار العلاقات مع الآخرين ليبقى باب الدعوة مفتوحا.

4- منع تحول التدافع إلى صراع.حرصا على سلامة الكون والناس.

5- تجديد فرص التفكير والمقارنة.مما يساعد العقول على الإدراك.

ذلكم بعض محددات الحكمة وضوابطها، فهل يمكن أن تنجح أى دعوة دون مراعاتها؟!

جمال قطب   رئيس لجنة الفتوى الأسبق بالأزهر الشريف
التعليقات