دلالات تنفيذ حلف الناتو أكبر مناورة عسكرية في تاريخه - قضايا عسكرية - بوابة الشروق
الإثنين 29 أبريل 2024 7:39 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

دلالات تنفيذ حلف الناتو أكبر مناورة عسكرية في تاريخه

نشر فى : السبت 17 فبراير 2024 - 8:50 م | آخر تحديث : السبت 17 فبراير 2024 - 8:50 م
قرر حلف شمال الأطلسى، الشهر الماضى، القيام بأكبر عملية عسكرية تحاكى هجوما روسيا على دول الحلفاء، تستمر من الشهر الحالى حتى يونيو المقبل. فى ضوء ذلك، نشر المركز المصرى للفكر والدراسات الاستراتيجية مقالا للباحثة بسمة سعد، تناولت فيه دواعى إعلان الحلف عن هذه المناورة فى الوقت الحالى... نعرض من المقال ما يلى:
فى الذكرى الـ75 على إنشاء حلف شمال الأطلسى، أعلن حلف الناتو فى 18 يناير الماضى عن استعداده تنفيذ أكبر مناورة عسكرية فى تاريخه تحت مسمى Steadfast Defender «المدافع الصامد»، فى فبراير 2024 وستمتد ليونيو المقبل، بمشاركة نحو 90 ألف جندى من جميع الدول الأعضاء الـ31، وكذلك الدولة المرشحة السويد، فى محاكاة لهجوم روسى على أراضى الحلفاء، واتجاه الحلف لتفعيل البند الخامس (الدفاع الجماعى) من معاهدة الناتو وتحريك قواته من أمريكا الشمالية لأوروبا، وذلك فى ظل سياق أوروبى مضطرب على وقع الحرب الأوكرانية، لم ينجح أى منهما حتى الآن على حسم الحرب لصالحه.
• • •
إن حرص حلف الناتو على تنفيذ أكبر مناورة عسكرية فى تاريخ الحلف يحمل عددا من سمات التفرد التى تبث فى مضمونها بعدة رسائل، ناهينا عما تكشفه من دلالات، أبرزها التالى:
1) النطاق المكانى والمدى الزمنى غير المسبوقين:
تغطى المناورة منطقة جغرافية واسعة تمتد من أقصى الشمال إلى وسط وشرق أوروبا، خاصة أنه عقب انضمام فلندا تضاعفت الحدود المشتركة بين روسيا والناتو لتصل إلى 2600 كيلومتر، بما يكشف عن قدرة الناتو على إجراء عمليات معقدة متعددة الأبعاد على فترة زمنية طويلة (فبراير ــ يونيو) وعبر آلاف الكيلومترات، على أن تشمل مواقع التدريب دول البلطيق وبولندا وألمانيا.
ومن اللافت أن مناورة المدافع الصامد تعد جزءا من استراتيجية تدريب جديدة ستشهد قيام الحلف كل عام بمناورتين كبيرتين، بدلا من تدريب واحد، وأن التدريب يتضمن التصدى لأى هجوم من خصوم مماثلين وكذلك تهديدات إرهابية خارج حدوده المباشرة؛ حيث تأتى تدريبات المدافع الصامد كمحاولة لتخطى التحدى المتمثل فى نقل الجنود والمعدات على هذا النطاق الجغرافى الواسع، بعدما كشفت الحرب الأوكرانية عن بطء استجابة الحلف فى الرد على أى هجوم، وهو ما يمكن أن يؤدى إلى احتلال جزء من أراضى دوله.
2) دلالة التوقيت الاستراتيجى للمدافع الصامد:
تأتى مناورة «المدافع الصامد» فى خضم توقيت استراتيجى بالغ الأهمية يرتبط بتطورات الحرب الأوكرانية، وما أفرزته من مهددات لأمن أوروبا عموما، ولأمن دول الجناح الشرقى للحلف على وجه الخصوص، ومن ثم، يحمل إعلان الحلف تنفيذ المناورة فى هذا التوقيت عدة دلالات، هى كالتالى:
أــ تراجع الدعم العسكرى لكييف وتسجيل موسكو تقدما محدودا فى الحرب الأوكرانية:
عقب مرور نحو 700 يوم من اندلاع الحرب الأوكرانية واقتراب الذكرى الثانية للحرب التى دخلت مرحلة استنزاف، بعدما عجز طرفاها عن تحقيق مكاسب إقليمية كبيرة، سجل الدعم العسكرى الغربى لكييف تراجعا كبيرا خلال الأشهر الماضية، لاسيما عقب نشوب الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة.
ولا تزال أوكرانيا تحث شركاءها فى الغرب على الاستمرار فى تزويدها بالأسلحة والذخائر والصواريخ المضادة للطائرات وغيرها من معدات، لكن يبدو أن كييف قد فاض بها الكيل من انقسام الموقف الغربى بشأن استمرار الدعم العسكرى لكييف، وهو ما انعكس فى تصريح وزير الخارجية الأوكرانى «دميترو كوليبا»، قائلا: «على الرغم من أن الأمر قد يبدو مثيرا للسخرية، إلا أنه يبدو أن كوريا الشمالية شريك أكثر كفاءة بالنسبة لروسيا من الأصدقاء الذين يزودون كييف بذخيرة المدفعية بالنسبة لنا».
ونتيجة لتراجع الدعم العسكرى لكييف، سجلت القوات الأوكرانية تراجعا فى الفترة الأخيرة فى الجبهة القتالية، لصالح موسكو التى حققت تقدما، مع تكثيف روسيا ضرباتها الجوية، واطلاقها مئات الصواريخ والطائرات غير المأهولة على مدن أوكرانية بعيدة عن خط المواجهة، وهو ما يثير قلق عدد من الدول الأوروبية، لاسيما دول شرق أوروبا، التى ترى أن استمرار الدعم العسكرى لكييف هو الضمان الوحيد لأمن دولها القومى، لاسيما الدول غير العضو فى حلف الناتو مثل مالدوفيا.
ولكون ألمانيا أكثر الدول الأوروبية الداعمة لكييف بتقديمها مساعدات بلغت نحو 6 مليارات يورو منذ نشوب الحرب الأوكرانية، اثار تراجع الدعم العسكرى لكييف غضب المستشار الألمانى أولاف شولتس الذى يحث حلفاءه فى الحلف على عقد صفقات تسليح لكييف، لاسيما عقب إعاقة الكونجرس الأمريكى حزمة من المساعدات العسكرية لكييف بقيمة 61 مليار دولار، ناهينا عن منع رئيس الوزراء المجرى فيكتور أوربان تمرير حزمة من المساعدات المالية الأوروبية لأوكرانيا بقيمة 55 مليار دولار. لذا، تأتى المناورة كرسالة تطمين لكييف، وشركاء الحلف الأوروبيين وكذلك لأعضائه، لاسيما دول الجناح الشرقى، بأن الناتو ملتزم بحماية وأمن دوله، وتقديم الدعم لشركائه.
ب ــ ردع موسكو عن تنفيذ هجوم محتمل على حلف الناتو: كشف تقرير ألمانى سرى صادر عن وزارة الدفاع الألمانية واطلعت عليه صحيفة بيلد الألمانية فى يناير الماضى، عن سيناريو محتمل لهجوم روسى على حلف الناتو من المرجح اندلاعه فى صيف العام الحالى، وسيبدأ التحضير له فى فبراير المقبل الذى ستبدأ فيه موسكو تعبئة عسكرية مكثفة لتجنيد نحو 200 ألف جندى، وهو ما يفسر فى جانب منه دلالة تحديد الحلف فبراير موعدا لبدء تنفيذ تدريبات المدافع الصامد.
ولقد أضاف التقرير أن الهجوم الروسى المحتمل على الحلف يأتى عقب تحقيق موسكو انتصارات كبرى فى أوكرانيا، مما يخلق لدى موسكو حافزا قويا لتنفيذ هجوم سرى، يليه هجوم مفتوح على دول البلطيق فى يوليو من نفس العام، عقب اندلاع مواجهات إثنية فى دول البلطيق يشعلها السكان المحليون الناطقون بالروسية، والتى ستتخذها موسكو ذريعة لإعادة تمركز نحو 50 ألف جندى فى غرب روسيا وبيلاروسيا ونقل صواريخ متوسطة المدى إلى كالينينجراد. وفى مايو 2025، سيقرر حلف الناتو الرد على هذا السيناريو الروسى المرجح وفقا للتقرير الألمانى، وسينقل 300 ألف عسكرى إلى الجبهة الشرقية، من بينهم 30 ألف جندى ألمانى.
يضاف إلى ذلك، ما نقلته صحيفة تايمز فى ديسمبر 2023، بأن وكالة الأمن القومى البولندية حذرت الدول الواقعة على الجانب الشرقى للناتو، من احتمال هجوم روسى، وقالت إن أمامها نحو 3 سنوات للاستعداد له، فى خضم ما تعانيه كييف من سلسلة انتكاسات على الجبهات القتالية تضمن تفوق موسكو فى الحرب، وبالتالى توجيه أنظار الأخيرة نحو الناتو، وهو التحذير الذى يتفق فى مضمونه مع التحذيرات الأمريكية من «نفاد المال والوقت» لمد كييف بمزيد من الأسلحة. ومن ثم تأتى مناورة المدافع الصامد كإحدى الأدوات المتخذة لردع أى هجوم روسى محتمل على الحلف، مع اختبار استراتيجيات الدفاع المحدثة للناتو، وذلك استكمالا لسلسلة من الخطوات التى اتخذها الحلف لتعزيز منظومته الدفاعية وإمكاناته العسكرية.
ج ــ استعادة الناتو لمكانته وصورته فى أذهان أعضائه والمجتمع الدولى:
حيث كان اندلاع الحرب الأوكرانية بمثابة اختبار للمنظومة الدفاعية ومدى قدرتها على الرد على هجوم شامل مثل الهجوم الروسى الذى كشف لدول الحلف عن حاجتها لتحديث ترسانة أسلحتها ومنظومة دفاعها. ومن ثم، لجأ الحلف لمناقشة تطوير منظومته الدفاعية، والعمل على رفع مستوى التنسيق بين دوله ووحداته وتكثيف نشر قواته العسكرية فى الجناح الشرقى للحلف، لضمان تعزيز آلية ردع الناتو؛ وهو ما انعكس بشكل واضح فى البيان الصادر عن قمة الناتو المنعقدة فى يوليو 2023 فى العاصمة الليتوانية. وبالتالى، تأتى تدريبات المدافع الصامد كإحدى أدوات الحلف لاستعادة صورته ومكانته فى نطاقه الجغرافى، وفى ذهن المجتمع الدولى، لاسيما لدى خصومه.
• • •
نهاية القول، مثلت الحرب الأوكرانية نقطة تحول فارقة فى تاريخ حلف الناتو واختبارا فعليا لاستراتيجيته الدفاعية ومنظومة تسليحه، ومدى التنسيق بين أعضائه ووحداته العسكرية المنتشرة فى ربوع أوروبا، وهو ما كشف للحلف عن حتمية تطوير ترسانة تسليحه وتحديث استراتيجيته الدفاعية، بما يتسق مع قدرات خصومه ومهددات أمن دوله، فكانت مناورة المدافع الصامد إحدى آليات ونتائج هذا التحول البارز فى هيكل ومنظومة تسليح الناتو واستراتيجيته الدفاعية.
النص الأصلى:

التعليقات