لماذا أرسلت الصين الأسطول الـ46 إلى البحر الأحمر؟ - قضايا عسكرية - بوابة الشروق
الإثنين 29 أبريل 2024 8:54 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

لماذا أرسلت الصين الأسطول الـ46 إلى البحر الأحمر؟

نشر فى : الثلاثاء 27 فبراير 2024 - 6:55 م | آخر تحديث : الثلاثاء 27 فبراير 2024 - 6:55 م

نشر المركز المصرى للفكر والدراسات الاستراتيجية مقالا للكاتب محمد فوزى، يقول فيه إن هدف بكين من إرسال الأسطول الـ46 الجنوبى إلى منطقة البحر الأحمر هو تأمين مصالحها الاستراتيجية من التهديدات الأمنية التى تشهدها هذه المنطقة. كذلك يشير الكاتب إلى تداعيات عسكرة منطقة البحر الأحمر... نعرض من المقال ما يلى.
تشهد البيئة الأمنية فى البحر الأحمر توجها متناميا نحو ما يمكن وصفه بـ«العسكرة» فى إشارة إلى تنامى اعتماد القوى الدولية على الأداة العسكرية، لتحقيق أهدافها وكذا حماية مصالحها الحيوية، وذلك فى إطار التعامل مع الاضطرابات الأمنية الناشئة عن التصعيد الحوثى فى الممر الاستراتيجى، ضد السفن الإسرائيلية وبعض السفن الأخرى خصوصا الذاهبة إلى الأراضى المحتلة أو القادمة منها، وقد بدأت تجليات «عسكرة» التفاعلات فى البحر الأحمر مع إعلان الولايات المتحدة فى 19 ديسمبر 2023 عن تأسيس تحالف «حارس الازدهار»، مرورا بتدشين الاتحاد الأوروبى فى 19 فبراير الحالى لقوة «أسبيدس» فى البحر الأحمر، ووصولا إلى الصين التى أعلنت بدورها يوم 24 فبراير عن إرسال الأسطول الـ46 الجنوبى إلى منطقة البحر الأحمر؛ الأمر الذى يمكن قراءته على أنه تطور مهم فى إطار المقاربة الصينية للتعامل مع التطورات فى منطقة البحر الأحمر.
• • •
أفادت وكالة الأنباء الصينية فى تقرير لها بتاريخ 24 فبراير الحالى، بإبحار أسطول عسكرى من ميناء فى مدينة تشانجيانج الساحلية بمقاطعة قوانجدونج بجنوب الصين، لتولى مهمة مرافقة الأسطول البحرى الـ45 فى خليج عدن والمياه الواقعة قبالة سواحل الصومال، ووفقا لوكالة الأنباء الصينية يتكون الأسطول الـ46 من مدمرة الصواريخ الموجهة «جياوتسوه» وفرقاطة الصواريخ «شيويتشانج» وسفينة الإمداد الشامل «هونجهو»، كما يضم أكثر من 700 ضابط وجندى، من بينهم عشرات من أفراد القوات الخاصة، إلى جانب وجود مروحيتين على متن الأسطول، ويمكن قراءة هذا التحرك الصينى، فى ضوء الاعتبارات التالية:
1ــ تأثر الصين بالعمليات فى البحر الأحمر: يعكس التحول فى الموقف الصينى تجاه التطورات فى البحر الأحمر، من تبنى نهج «الدبلوماسية المكثفة» إلى تعزيز الحضور العسكرى، ما حملته التطورات الأمنية فى الممر الاستراتيجى من تداعيات سلبية على الصين، وكان السفير الصينى لدى اليمن شاو تشنج، قد أكد على هذا الافتراض فى تصريحات صحفية أدلى بها يوم 22 فبراير فى الرياض حيث أكد أن بلاده تأثرت بعمليات الحوثيين المتصاعدة فى البحر الأحمر، مشددا على ضرورة توقف تلك الهجمات ضد السفن التجارية، وأفاد بأن «الصين تأثرت بما يحدث فى البحر الأحمر، وارتفعت أسعار التأمين على النقل البحرى والسفن، واضطرت بعض السفن الصينية للمرور عبر جنوب إفريقيا مما يرفع التكاليف ويطيل المسافة والزمن لوصولها»، وأكد على أهمية تجنيب المنطقة والعالم تصاعد الوضع المتوتر فى البحر الأحمر لما له من أهمية وتأثير على الصين ومنطقة الشرق الأوسط والعالم أجمع.
2ــ المقاربة الصينية للتعامل مع التهديد الحوثى: هناك تباين بين التفسير الصينى لما يحدث فى البحر الأحمر من توترات أمنية، وبين التفسير الأمريكى، إذ تربط الصين ما يحدث فى منطقة البحر الأحمر بالحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، ففى 3 يناير أكد قنج شوانج نائب المندوب الدائم للصين فى الأمم المتحدة أن «التوترات الحالية فى البحر الأحمر أحد مظاهر امتداد آثار الصراع الدائر فى غزة»، كما أن الصين عبرت ضمنيا عن رفضها للهجمات الأمريكية البريطانية التى استهدفت مواقع حوثية فى اليمن، لكن هذا الموقف الصينى لا يعكس الرضا عن ممارسات الحوثيين، حيث دعت الصين التنظيم إلى «الالتزام بأحكام قرار مجلس الأمن والتوقف الفورى عن تعطيل السفن المدنية، واحترام حرية الملاحة لجميع الدول فى البحر الأحمر»، وفى المقابل تحاول الولايات المتحدة فصل ما يحدث فى البحر الأحمر عن التطورات التى يشهدها قطاع غزة.
ويمكن من تحليل التعاطى الصينى مع التطورات التى تشهدها منطقة البحر الأحمر، القول إن الصين ترى أن نقطة الانطلاق لوقف الهجمات الحوثية تبدأ من قطاع غزة، بمعنى وقف إطلاق النار، لكن وعلى الرغم من ذلك يبدو أن الصين تسعى إلى ضمان مصالحها الاستراتيجية فى البحر الأحمر، عبر تعزيز الوجود العسكرى، الذى سيغلب عليه الطابع «التأمينى» لهذه المصالح، وفى هذا السياق لا يجب إغفال بعض الأرقام والحيثيات المهمة، فالصين صاحبة تجارة ضخمة وصلت فى العام 2023 إلى 5.87 تريليونات دولار بين صادرات وواردات، كما أن منطقة البحر الأحمر تعد ممرا رئيسيا فى إطار مبادرة الحزام والطريق، يضاف إلى ذلك أن الصين تأتى على رأس الدول التى تحوز طلبيات لبناء السفن فى العالم، كما أن بحارتها يوجدون بكثافة على ظهر السفن التى تجوب البحار والمحيطات، وهى اعتبارات تعزز من حاجتها لتأمين هذه المصالح الحيوية عبر تعزيز الوجود العسكرى فى البحر الأحمر.
3ــ غلبة الطابع «التأمينى والدفاعى» على القوة الصينية: على الرغم من تجنب الحوثيين حتى اللحظة لاستهداف الناقلات التجارية أو النفطية المتجهة إلى آسيا، فضلا عن تجنبهم بطبيعة الحال استهداف السفن الصينية، لما يمكن أن يسببه ذلك من تحول فى الموقف الصينى، فضلا عما سيتبعه من ضغوط على إيران، إلا أن المخاطر الأمنية المتزايدة فى البحر الأحمر يمكن أن تؤدى إلى تعطيل طرق التجارة الحيوية بالنسبة إلى الصين، خاصة فيما يتعلق بتأخير وصول الشحنات، وارتفاع تكاليف الشحن؛ نظرا إلى توجه أغلب السفن التجارية نحو الإبحار عبر طريق رأس الرجاء الصالح؛ لتجنب هجمات الحوثيين، وهو اعتبار يدفع باتجاه تعزيز الوجود الأمنى «الدفاعى والتأمينى» للصين فى البحر الأحمر، بما يضمن تجنب هذا السيناريو وتقليل آثاره.
• • •
تدفع حالة «العسكرة» المتنامية للتفاعلات فى منطقة البحر الأحمر باتجاه التسبب فى العديد من التداعيات السلبية خصوصا على مستوى تحويل الممر الاستراتيجى إلى ساحة للصدام بين القوى الكبرى وبعض القوى الإقليمية ووكلائها، ويمكن رصد أبرز هذه التداعيات، وذلك على النحو التالى:
1ــ التأثير على المصالح الاستراتيجية للدول: يدفع الجنوح المتنامى من قبل بعض القوى الدولية نحو «عسكرة» تفاعلاتها فى منطقة البحر الأحمر، باتجاه تنامى وطأة الاضطرابات الأمنية فى الممر الاستراتيجى المهم، وذلك على خلفية ما سيترتب على ذلك من هجمات سواء تلك التى تستهدف بعض التنظيمات كالحوثيين، أو الهجمات التى سينفذها التنظيم ضد هذه الهياكل الأمنية الجديدة، الأمر الذى سيحمل تداعيات سلبية على حركة التجارة الدولية فى البحر الأحمر، خصوصا أن البحر الأحمر يضم فى طياته ثلاثة من أهم الممرات الملاحية الدولية وهى مضيق باب المندب وقناة السويس ومضيق هرمز.
2ــ استنفار رد الفعل «الحوثى»: يكمن الإشكال الرئيسى فى التعاطى الغربى مع التوترات الأمنية التى تشهدها المنطقة حاليا، فى فصل هذا التصعيد عن الحرب الجارية فى قطاع غزة، والسعى للتعامل مع كل حالة بشكل منفصل عما يحدث فى غزة، بدلا من الضغط بشكل فعال من أجل وقف الحرب الإسرائيلية على القطاع، وهنا يبرز تحد مهم يتمثل فيما يمكن أن يجلبه ذلك من استنفار رد فعل حوثى أكبر على مستوى التصعيد، سواء من خلال استهداف بعض القواعد العسكرية الغربية فى المنطقة، أو من خلال استهداف بعض المرافق الحيوية فى البحر الأحمر على غرار الكابلات البحرية للاتصالات، خصوصا أن الحوثيين «أعلنوا منذ أيام عن دخول سلاح الغواصات فى إطار التصعيد الحالى فى البحر الأحمر».
3ــ زيادة حجم الأنشطة غير المشروعة عبر البحر الأحمر: تدفع الاضطرابات الأمنية الراهنة فى منطقة البحر الأحمر باتجاه خلق بيئة أمنية مواتية للأنشطة غير المشروعة؛ إذ إن هذه البيئة قد تمثل فرصة مواتية لخلق بيئة حاضنة للتجارة غير المشروعة فى السلاح وتهريب البشر وتجارة المخدرات، خصوصا أن الجزء الجنوبى من منطقة البحر الأحمر يشهد انتشارا للعديد من الفاعلين المسلحين من دون الدول والجماعات الإرهابية، على غرار الحوثيين فى اليمن، وحركة الشباب الصومالية، والخلايا الإرهابية التابعة لتنظيم القاعدة فى اليمن وبعض الدول الإفريقية، وقد تدفع هذه الاضطرابات الأمنية باتجاه تطور بيئة الدعم اللوجستى والتنسيق والإسناد بين هذه المجموعات.
فى الختام، يمكن القول إن إرسال الصين للأسطول الـ46 إلى منطقة البحر الأحمر، يأتى فى إطار المقاربة الصينية للتعامل مع التهديدات المتنامية التى تشهدها منطقة البحر الأحمر، على خلفية التصعيد الحوثى، وعلى خلفية تحرك بعض الدول الغربية لتأسيس هياكل أمنية مستدامة فى هذه المنطقة الاستراتيجية؛ الأمر الذى يشكل فى حصيلته تهديدا للمصالح الحيوية والاستراتيجية للصين.

النص الأصلى

التعليقات