حق المؤسسات الدينية علينا! - عزة سليمان - بوابة الشروق
السبت 25 مايو 2024 11:29 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

حق المؤسسات الدينية علينا!

نشر فى : الخميس 17 مارس 2016 - 10:20 م | آخر تحديث : الخميس 17 مارس 2016 - 10:20 م
كلما طرحنا أهمية تغيير قوانين الأحوال الشخصية (مسلمين، مسيحين)، وأنها لابد أن تكون منصفة، وكلما طرحنا فكرة «فقه الواقع»، حيث إن مشاكل الواقع فرضت نفسها على تغيير الفقه الحالى، وأنه لابد من وضع تفسيرات جديدة، تتلاءم مع مشاكل العصر ومع ازدياد القهر والظلم الواقع على النساء والأسرة بسبب هذه القوانين، يخرج علينا من يقول إنه لابد من موافقة المؤسسات الدينية على هذا المقترح حتى نتأكد أنه لا يخالف الاسلام أو الإنجيل.

وأنا هنا أتساءل: ما المعايير التى تحتم علينا كمواطنين ومواطنات (مسلم/ة أو مسيحى/ة) أن نلتزم بهذه التفسيرات المقدمة من هذه المؤسسات. خلال السنوات الكثيرة الأخيرة لم نشهد موقفا واضحا من الأزهر أو الكنيسة أو المؤسسات الدينية تجاه (انعدام العدالة الاجتماعية، انتشار الفساد، الانتهاكات والتجاوزات التى تتم من أجهزة الدولة، القتل، التعذيب).

لم نسمع شيئا عن غرق أكثر من 1000 شخص بسبب عبارة غير صالحة للنقل بسبب طمع ملاكها والمتواطئين معهم من حكام مصر آنذاك؛ وكذلك المئات، الذين احترقوا فى قطار الصعيد، لم نسمع صوتا عن فساد المؤسسات وانعدام المرافق العامة التى تحفظ المواطنين بل العكس هى أحد أسباب قتلهم بالبطىء.

***
ما زلت أتذكر صوت المفتى (على جمعة)، وهو يتهم الشباب الذين ماتوا على شواطئ إيطاليا، هاربين من البطالة والفقر والاحباط سعيا وراء رزقهم؛ بأنهم طماعون ــ هكذا وصفهم المفتى ــ هذا الشخص لم يكلف نفسه بسؤال الحكومة، ولا رئيس الجمهورية عن سبب موت هؤلاء الشباب، لم يسألهم عن خطط التنمية التى تحمى شبابنا من فقرهم وإحباطهم. لم يتحدث عن الفجوة بين الأغنياء والفقراء التى تتزايد كل يوم، لم يتحدث عن فقر المؤسسة التعليمية وتخلفها بأقاليم الصعيد المختلفة والأماكن المهمشة، ولن أنسى له عندما خرج علينا أيضا حين توفى حفيد (مبارك)، معبرا عن حزنه العميق، فى الوقت الذى لم نسمع مواساة تجاه من غرق أو حرق أو قتل من مئات الشباب بالاستاد، وهم يشجعون أنديتهم.

أما مؤسسة الأزهر لم نسمع منها صوتاً فعالاً حقيقياً يشتبك فى قضايا مجتمعية، مثل العدالة الاجتماعية أو انتشار الفساد وتزايد استخدام السلطة والنفود؛ القتل العلنى الذى مارسه النظام أكثر من مرة، لم نسمع صوت ضد الظلم والقهر بل على العكس من ذلك وقعت خلال الفترة السابقة أحداثا جليلة تقشعر لها الأبدان ومع ذلك لم يتحرك الأزهر. وإذا تحدثنا عن كمية الانتهاكات، التى تعرضت لها النساء فى الفترة الأخيرة وعدم وجود مساحات آمنه لهن (فهى كثيرة)، ومع ذلك الأزهر تعامل معها بخرس كبير.

وإذا آتينا إلى أكثر قانون ظالم للمرأة والأسرة المصرية، وهو قانون الأحوال الشخصية الذى يحتوى على تمييز واضح ضد النساء؛ كما أن ممارسات الواقع وعدم احترامه للنساء يقوى من العادات والأعراف، التى تعبر عن ظلم فادح للنساء. وبرغم تبنى الأزهر خطاب الوسطية وتبنى خطاب داعم للنساء فإنه لم يتخذ موقفا عمليا يقدم رؤية للحفاظ على الأسر والمجتمعات من انتشار الظلم والقهر من خلال انصاف النساء ومحاربة العنف الواقع عليها. ورفض أن يشتبك مع ما هو مطروح من رؤى تقدمية لتغيير قوانين الأحوال الشخصية.

***
وإذا تحدثت عن الكنيسة ودورها فهو ترسيخ لكل قواعد التمييز وهدم دولة القانون وترسيخ كل الأعراف المجتمعية، التى تساعد فى تحقيق أوضاع غير عادلة للكثير من المسحيين سواء عن طريق القانون أو الواقع.

حيث رفضت الكنيسة أى محاولة لتغيير لائحة (1938)، التى تعتبر لائحة عاجزة عن حل العديد من مشاكل الأحوال الشخصية للمسيحيين (رجالاً ونساء)، فعندما يعانى المسيحيون من مشاكل لابد أن يقدموا العديد من الأدلة، ويبذلوا المجهود والوقت الذى يمتد إلى سنوات ضائعة من العمر، يمكن فيها أن ينجحوا فى الحصول على حقهم فى انتهاء حياة غير سعيدة لبداية حياة مختلفة أو يفشلوا وتبقى المرارة والظلم والقهر والحياة التعيسة، التى لا يستطيعون الخروج منها.

أحيانا هذه المشكلات يكون تأثيرها سلبى وخطير على الحياة فى مصر. حيث إنها تعتبر بابا للفتنة الطائفية. فلكم أن تتخيلوا أفرادا أُغلقت أمامهم كل الأبواب للخلاص من شريك حياتهم بشكل قانونى سلمى يضمن آدميتهم، فيضطر إلى تغيير دينه حتى يستطيع الخلاص والنجاة، وعندما يتم له هدفه ويريد أن يعود مرة أخرى إلى دينه فيجد من يقول له حذارى أن تفعل فأنت مرتد ولابد من قتلك. أو يطرح الموضوع على أنه لعب بالدين الإسلامى واستخفاف به فيشعر بعض المسلمين بالضغينة تجاه جميع المسيحيين.

بالإضافة إلى بعض الاشكاليات التى لابد من مناقشتها بشفافية كى تطرح لها حلول قانونية. فمثلاً فى حالة اعتناق الزوج المسيحى للدين الإسلامى فإن أولاده يتحولون تلقائيا إلى الاسلام. وهنا يعتبر المشرع المرأة وعاء فقط والأطفال هم ملكية خاصة للأب، وأن الإسلام هو دين لابد من فرضه على الأولاد وأمهم التى لولا دين الأب واعتناقه المسيحية لم تكن تزوجته كمسيحية.

أحيانا تخفض سن الحضانه للأم المسيحية المطلقه من مسلم (سن الحضانة 15 سنة للولد والبنت) إلى 5 أو 6 سنوات خوفا على دين الطفل.

أقول وأؤكد الأمومة ليس لها دين، الأمومة ليس لها دين.

أحد الأسباب التى تؤكدها الكنيسة هى علة الزنا كأحد أسباب الطلاق والتى يعتبرها الكثير (رجالاً ونساء) بمثابة فضيحة تلحق بالعائلة، ولم يستطيع أحد التمسك به.

أخيرا الموقف المثير للجدل والأسى، هو موقف الكنيسة تجاه هروب إحدى السيدات من زوجها سواء لاعتناق دين الإسلام أو هروبها من عنف زوجى. أيا كانت الأسباب عبر أحداث كثيرة ومثيرة لعلامات استفهام حول علاقة الكنيسة بالنظام أو علاقة الكنيسة بالمواطنين والمواطنات المسيحيين؛ فإن تسليم هؤلاء السيدات إلى الكنيسة لن يظهرن مرة أخرى.

ماذا حدث لهن.. ما حقيقة هربهن؟ عنف زوجى أم تغيير دين أم خطف. لا أحد يقدم لنا إجابات. غير الإجابة الواضحة لنا وهى اختفاء وحبس سيدات دون إرادتهن وبدون طرق قانونية واضحة. والحاله الثانية، وهى حديثة حيث صدر حكم بحبس أطفال مسيحيين بمحافظة المنيا تتراوح أعمارهم بين ١٥و١٧ عاما بالسجن 5 سنوات مع النفاذ بتهمة ازدراء الدين الاسلامى. ولم يصدر بيان أو تصريح عبر الكنيسة، التى تتحدث كثيرا عن الدولة المدنية وقيمة المواطنة.
***
فى النهاية ما البراهين التى تجعل من هذه المؤسسات مرجعية تقدم لنا تفسيرات خاصة بالدين، وعلينا أن نلتزم بها ونحترمها ونثق بها. ما البراهين، التى تجعلنى أثق فى هذه المؤسسات عندما يتم عرض قوانين عليها لتضع رأيها الدينى السليم الذى يعبر عن العدالة والمساواة والإنصاف. ما هى البراهين، التى تجعلنى أشعر بالأمان مع هذه المؤسسات وأنها تعمل لصالحنا ولصالح المجتمع ولصالح الناس وليس لصالح السلطة. ما الذى يجعلنا نحترم هذه المؤسسات ونثق أنها تحاول جاهدة أن تساعد فى بناء العدالة والمساواة والإنصاف والرحمة. ما البراهين التى تجعلنا نثق فى الأزهر والكنيسة.


محامية بالنقض
عزة سليمان محامية ورئيسة مجلس امناء قضايا المراةالمصرية
التعليقات