هل يتأثر الاقتصاد المصري بالظروف الحالية؟ - إكرام لمعي - بوابة الشروق
السبت 27 أبريل 2024 3:46 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

هل يتأثر الاقتصاد المصري بالظروف الحالية؟

نشر فى : الجمعة 19 يناير 2024 - 7:15 م | آخر تحديث : الجمعة 19 يناير 2024 - 7:15 م
دعونا ننظر لما يحدث حولنا من ظروف البلاد التى تؤثر علينا وعلى اقتصادنا، فمن أمثال هذه البلاد فلسطين ولبنان والسودان وإثيوبيا، ففلسطين التى كنا منذ زمن ما قبل عام 1948م نذهب إليها بقطار يبدأ طريقه من العريش وينتهى فى القدس، أصبحت الدولة البائسة التى لأسباب كثيرة انقسمت بين شعبين؛ أولهما مستضعف وهو شعب فلسطين، والآخر هو شعب بنى إسرائيل أو شعب إسرائيل الذى أخذ وعدا من شخص لا يملك حق الوعد ــ بلفور ــ ببناء دولة مستقلة على أرض لم تكن لهذا الشعب اليهودى المتشبع بالحركة الصهيونية، ذات الأفكار الإرهابية الكارهة للعرب أينما كانوا.
وظهر أن هذا الشعب اليهودى يتحكم فى اقتصاديات أغنى الشعوب وأكثرها حضارة ــ الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة البريطانية المتحدة ــ كما أن له علاقات دولية كثيرة قائمة على المصالح المشتركة بينه وبين النمور الآسيوية، مما جعل هذا الشعب يعتبر نفسه قوة لا تقهر بسبب مصالحه وعلاقاته التى يستند عليها، فيشترى منها أول ما يشترى السلاح، ذلك لإحساسه بأنه شعب دولة مرفوضة من كل جيرانه ويريد تأكيد قوته.
فى هذه الأيام، أثناء قيامه بالحرب على قطاع غزة وتحويله بسبب القصف المتوحش إلى كومة من أشلاء الموتى وبقايا المبانى المتهدمة والبيئة غير الصالحة للعيش، تحول بتفكيره إلى تهجير الباقى من الفلسطينيين والفلسطينيات إلى شبه جزيرة سيناء، ومن ثم الهجوم عليها بحجة وجود عناصر لحركة حماس بينهم، لكن جاء الرد من السيد الرئيس عبدالفتاح السيسى هادئًا لكن حاسمًا بأن أى تهجير للشعب الفلسطينى لأى منطقة فى العالم يعنى انتهاء القضية الفلسطينية.
لكن الخسائر الاقتصادية الناجمة عن الحرب بين غزة وإسرائيل خلال الأيام الماضية تتجاوز عشرات المليارات من الدولارات على الجانبين. وأطلقت مؤسسات دولية تحذيرات من تداعيات اقتصادية للحرب بين غزة وإسرائيل بعد تفاقم الأوضاع، واستمرار إسرائيل فى قصف قطاع غزة بلا هوادة. وقال رئيس البنك الدولى، أجاى بانجا، لرويترز على هامش الاجتماعات السنوية للبنك الدولى وصندوق النقد الدولى فى المغرب «إنها مأساة إنسانية وصدمة اقتصادية لا نريدها».
• • •
لكن كيف ستتأثر مصر بالحرب الدائرة بين غزة وفلسطين إذا ما طال أمدها؟ بالفعل بدأت منتجعات سياحية مصرية بسيناء تفقد إيرادات بعد اشتعال نيران الحرب بين قطاع غزة وإسرائيل، إذ هرع السياح الإسرائيليون للمغادرة.
أما لبنان التى كنا نتغنى بجمالها وغاباتها الخضراء ومناظرها الخلابة لم يبقَ منها إلا القليل، بعد أن نخر فى جمالها سوس الحرب الأهلية ثم الحرب ضد إسرائيل والجماعات التى ملأت حدودها مع إسرائيل بالإضافة إلى الهجمات المتكررة من الجانبين وكان آخرها تلك التى قتلت فيها إسرائيل أحد قادة حركة حماس ــ صالح العارورى ــ فى الضاحية الجنوبية بلبنان.
وفى هذا الصدد، قال مدير مجموعة ريماركس لتحليل العنف السياسى، مراد بطل الشيشانى، لهيئة الإذاعة البريطانية «بى بى سى»: إن اغتيال صالح العارورى الذى يمثّل همزة الوصل بين حزب الله وحماس، يُذكّر بكثير من عمليات الاغتيال التى نفذتها إسرائيل ضد أشخاص ذوى أدوار عملياتية هامة، مثل محمود المبحوح فى دبى عام 2010م، والمهندس محمد الزوارى فى تونس عام 2016م، وهذا يعبر عن تحول نوعى فى العمليات العسكرية والاستخباراتية الإسرائيلية، التى يبدو أنها على أبواب مراحل عملياتية جديدة فى غزة.
لكن هناك بعض دول الجوار التى لم نكن نتخيل أنه قد يحدث ما يعكر صفوها ــ كالسودان ــ التى باتت بين ليلة وضحاها ساحة لحرب أهلية لا يعلم مداها إلا الله، تلك الحرب التى إن دلت على شىء فلن تدل إلا على أنانية وحب قاداتها للسلطة والتحكم بالآخرين.
إذن، أصبحت مصرنا العزيزة بين حجرى رحى، فلسطين وما يجرى فيها من جرائم إسرائيلية فى الشمال الشرقى، والسودان وما يجرى فيه وقد يؤثر على نهر النيل فى الجنوب، وما زاد الأمر سوءًا ما تفعله إثيوبيا بمساعدة إسرائيل غرب مضيق باب المندب حيث ساعدتها على توقيع اتفاق مع ما يسمى بجمهورية أرض الصومال الانفصالية، وهو الاتفاق الذى يمنح إثيوبيا منفذا على البحر الأحمر من خلال مرفأ فى الجمهورية المعلنة من طرف واحد عقب الإعلان عن الاتفاق، مما دفع الحكومة الصومالية إلى استدعاء سفيرها فى إثيوبيا للتشاور، وصرح رئيس الوزراء الصومالى، حمزة عبدى برى، أن بلاده ستدافع عن أراضيها «بشتى السُبل القانونية الممكنة» بعد الاتفاق الذى يمنح إثيوبيا منفذا على البحر الأحمر من خلال مرفأ بربرة فى أرض الصومال.
كما أكدت الحكومة الصومالية فى بيان أن «أرض الصومال جزء من الصومال بموجب الدستور الصومالى، بحيث إن الصومال تعتبر هذا الإجراء انتهاكا فاضحا لسيادتها ووحدتها»، مؤكدة أن الاتفاق لاغٍ ولا أساس قانونيا له.
وبربرة هو ميناء إفريقى على الساحل الجنوبى لخليج عدن، عند مدخل البحر الأحمر المؤدى إلى قناة السويس، وتتيح المذكرة لإثيوبيا الاستحواذ على حصة غير محددة من الميناء، بعد أشهر على قول آبى أحمد إن بلاده بحاجة إلى تعزيز حقها فى الوصول إلى البحر، فى تصريح أثار مخاوف فى المنطقة وقد يضغط على مصر فى البحر الأحمر اقتصاديًا كما ضغط عليها مائيًا فى حصتها فى مياه النيل.
أما جماعات الحوثى اليمنية التى انبثقت من رحم الصراع المسلح مع الحكومة المركزية فى اليمن، وقامت بمساعدة إيران من شرق مضيق باب المندب، باقتياد «سفينة إسرائيلية» إلى الساحل اليمنى بحسب ما أعلن المتحدث العسكرى لقوات الحوثيين، يحيى سريع، بينما نفت إسرائيل أن تكون السفينة مملوكة لها، أو أن يكون على متنها أى من مواطنيها.
وقد شنت الولايات المتحدة وبريطانيا ضربات جوية، بدعوى ردع هجمات الحوثيين على سفن تجارية فى البحر الأحمر، أما موسكو وإيران فقد أدانتا ما يحدث بحجة «أن هذه الهجمات تشكل انتهاكا واضحا لسيادة اليمن ووحدة أراضيه وانتهاكا للقوانين الدولية، ولن تؤدى إلا إلى زعزعة الأمن والاستقرار فى المنطقة». من جانبه، قال المتحدث باسم الحوثيين، محمد عبدالسلام، إنه لا يوجد أى مبرر لهذه الهجمات، وإن الجماعة ستواصل استهداف السفن المتجهة نحو إسرائيل.
وقد أصدرت مصر بيانا دعت فيه إلى «ضرورة تكاتف الجهود الدولية والإقليمية من أجل خفض حدة التوتر وعدم الاستقرار فى المنطقة، بما فى ذلك أمن الملاحة فى البحر الأحمر»، علمًا بأن البحر الأحمر أحد أهم مصادر الدخل القومى وتسهيل التجارة الدولية بقناة السويس بين الشرق والغرب، كما أكد البيان على «حتمية الوقف الشامل لإطلاق النار وإنهاء الحرب القائمة ضد المدنيين الفلسطينيين، لتجنيب المنطقة المزيد من عوامل عدم الاستقرار والصراعات والتهديد للسلم والأمن الدوليين».
• • •
كل هذه التطورات المذكورة سابقا تجعل البحر الأحمر يبدو كمصرف مائى لا حركة فيه ولا أهمية له بسبب الحرب الدائرة على ضفتيه الشرقية شمالا فى غزة، وجنوبًا فى اليمن مما يؤثر سلبًا وبقوة على الاقتصاد المصرى.
إذن، هذه حرب اقتصادية قذرة تقوم بها إسرائيل وإثيوبيا عن قصد، والحوثى عن غير قصد فهو يهاجم السفن التابعة للدول المساعدة لإسرائيل، فتدفع مصر دفعًا نحو اتخاذ إجراءات صعبة فى حين ستحاول إسرائيل تهجير الفلسطينيين والفلسطينيات إلى أرض شبه جزيرة سيناء دون استئذان، وإنهاء القضية الفلسطينية.
إسرائيل تعرف أن مصر تعتمد اعتمادًا كليا على مياه نهر النيل فى مجالات كثيرة منها الزراعة ورى الأراضى الزراعية بنسبة 97%، وذلك يبدو واضحًا عبرَ آلافِ السنين التى عاش فيها الشعب المصرى على ضفافِهِ للحصولِ على مياهِ الزراعة والشرب، كما تعتمد عليه فى توليد الكهرباء من محطة السد العالى، فتبدأ تل أبيب بالضغط على مصر باستخدام إثيوبيا التى أعلنت عن بدء إقامة سد النهضة فى غفلة عن مصر عام 2011م، دون مراعاة لحصة مصر والسودان معًا من مياه نهر النيل، أو مراعاة لكون مصر دولة المصب حيث يبلغ ارتفاع سد النهضة 170 مترًا ليصبح بذلك أكبر سد للطاقة الكهرومائية فى إفريقيا وتصل السعة التخزينية للسد لـ 74 مليار متر مكعب، وهى مساوية تقريبا لحصتى مصر والسودان السنوية من مياه النيل.
وبعد فترة بدأنا فى المفاوضات مع إثيوبيا بشأن هذا السد لكننا لم نجد سوى موقف متجمد ومتعنت، وأن هذا هو الموقف النهائى والأمر الواقع، وهذا ما ذكرنا بالمواقف السياسية الإسرائيلية المتجمدة «هذا هو الأمر الواقع ولنبدأ من هنا»، وهذا الموقف رفضته مصر شكلا وتفصيلا وبدأت بالتفكير فى مشروعات مختلفة مثل تحلية مياه البحر والوصول بها لدرجة تكاد تصل أو تصل لنسبة عذوبة مياه النيل، وهنا نستطيع استصلاح الصحراء الشرقية وفتح ممرات تصل إلى بحيرة ناصر فيعلو منسوب المياه أو يظل المنسوب المطلوب للزراعة والرى.
إكرام لمعي  أستاذ مقارنة الأديان
التعليقات