عوائق تجديد الخطاب الديني.. 15ــ استخلاص السنة النبوية - جمال قطب - بوابة الشروق
السبت 27 أبريل 2024 4:27 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

عوائق تجديد الخطاب الديني.. 15ــ استخلاص السنة النبوية

نشر فى : الأحد 19 يونيو 2016 - 9:20 م | آخر تحديث : الأحد 19 يونيو 2016 - 9:20 م
ــ1ــ

ضربنا بالأمس مثلا سريعا للسنة النبوية فى إقامة الصلاة، فجميع ما ذكرناه هو أصول السنة النبوية فى الصلاة، فقد فهم المسلمون ذلك من قوله صلى الله عليه وسلم «صلوا كما رأيتمونى أصلى».

فهذا الأمر يفرض المماثلة والمشابهة وعدم المخالفة والتجاوز. فإذا قارن الفقيه ما ورد فى الطعام والشراب من أحاديث صحيحة، لم يجد ذلك الأمر بالمشابهة والتماثل، فلم يقل رسول الله صلى الله عليه وسلم «أطعموا أو كلوا كما رأيتمونى آكل»... لماذا؟ لأن الأكل والشرب عادات تختلف باختلاف البيئة أولا، ثم باختلاف المتاح وغير المتاح من الأصناف، ثم اختلاف طرق إعداد الطعام وإنضاجه، ثم ما يجمعه الناس وجبة واحدة من أصناف.

ــ2ــ

لذلك يلاحظ الفقيه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يحبذ طعاما بعينه، كما لم يعلن تفضيله لصنف معين ولم يعلن رفضه لصنف معين أو ذم طعام ما، فترى الراوى يقول: «لم يذم رسول الله طعاما أبدا، إذا أحب طعاما أكله، وإذا لم يحب طعاما تركه» هكذا وبدون أى تعليق.. وكذلك نلمح صحابيا آخر أكثر فقها من سابقه يقول إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يذم طعاما ولم يمدح طعاما. هكذا يرى الصحابى الفقيه أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يمدح طعاما حتى لا تحدث أزمات اقتصادية بسبب هذا المدح مثل «كثرة زراعة ذلك الصنف على حساب غيره من الأصناف الضرورية/ ارتفاع سعره/ استيراده إلى البلاد التى لا يزرع فيها/ تربية المسلم على إيقاظ شهوة الطعام دون الاكتفاء بالغذاء». كذلك لمح الصحابة إقبال الرسول صلى الله عليه وسلم على الولائم الجامعة سواء أقامها هو بسبب مباشر أم بكرم وسخاء، وسواء أقامها غيره ودعاه إليها، ومع ذلك فقد التقط الصحابة الفقهاء فى الولائم سننا نبوية عظيمة مثل 1ــ دعوة الجميع دون الاقتصار على الأغنياء 2ــ السماح بتعدد الأصناف 3ــ عدم إنكار أى صنف لا يحبه البعض. وقد رأى بعض الصحابة حيوان الضب وأعدوه طعاما وحضروا منه على المائدة وأكل كثير من الناس منه، رغم أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يقترب منه، فسأله أحدهم لماذا لم يأكل من الضب، فقال النبى: «لم يكن بأرض قومى فأجد نفسى أعافه» هكذا تركه دون تعقيب ودون تثريب على من أحضره أو من يأكله.

ــ3ــ

ومع هذا الذوق الرفيع من السلوك النبوى الشريف تراه يعلمنا ضرورة الاستئذان إذا دعيت إلى طعام واصطحبت معك أحدا غير مدعو! ولا شك أن الأولى أن لا يحضر إلا من دعى واستأذن أحدا. كذلك نسمع السنة الشريفة تعلمنا: «يا غلام سم الله، وكل بيمينك، وكل مما يليك». ويفهم الفقهاء من هذا استحباب تخصيص أوانٍ لكل فرد واستحباب استعمال الأدوات (الملاعق إلخ)، واستحباب الحديث على الطعام، واستحباب عدم الشبع.. كما يلاحظون استحباب صيام النوافل (الإثنين/ الخميس/ الأيام القمرية) تقليلا للطعام. كذلك تعلمنا السنة النبوية إذا كان الطعام حبات مثل العنب والتمر، فالأصح أن يتناول المسلم واحدة واحدة، وإن أراد غير ذلك فليستأذن الحاضرين. ومادام الرسول الكريم لم يقل (كما رأيتمونى آكل ولا كما رأيتمونى ألبس)، فإن فى هذه المجالات سعة لا يحق لأحد أن يضيق أو أن يلزم الناس بغير ما ألزمهم الرسول صلى الله عليه وسلم.

ــ4ــ

كما لاحظ الفقهاء قوله صلى الله عليه وسلم «خذوا عنى مناسككم» فى الحج، وهذا أمر لم يقله سواء فى السفر أو الإقامة، ففهم أهل الفقه ضرورة التزام المسلم بالمناسك التى فعلها الرسول صلى الله عليه وسلم، ولقد حاول البعض فى الحج أن يتأسى بتصرفات ليست من السنة مثل المرور بمنطقة «المحصب» أو البقاء فيها فترة إذ قالت لهم أمنا عائشة: «ليس التحصيب بشىء من السنة، بل هو مكان أسمح لخروج الرسول (أبعد عن الزحام والتأخر). هكذا فهمت عائشة الفرق بين السنة النبوية المطلوبة وبين التصرفات الخاصة التى لم يقصد رسول الله صلى الله عليه وسلم تكليف الناس بها. فأين المدارس الفقهية التى تستخلص السنة النبوية من روايات الحديث الصحيحة ثم تصيغ السنن فى منظومة مفهومة مبررة؟!
جمال قطب   رئيس لجنة الفتوى الأسبق بالأزهر الشريف
التعليقات