5ــ خطابنا الدعوي إلى أين؟ - جمال قطب - بوابة الشروق
الخميس 18 أبريل 2024 6:57 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

5ــ خطابنا الدعوي إلى أين؟

نشر فى : الجمعة 20 فبراير 2015 - 8:40 ص | آخر تحديث : الجمعة 20 فبراير 2015 - 8:46 ص

ــ1ــ

المصدر: القرآن والسنة (د)
مازلنا مع "القرآن الكريم"، وما أصابه من هجر البعض، وجرأة البعض، وتراخى البعض، ومن أغرب ما يُزعجك من هؤلاء جميعا "الجرأة غير الحميدة" على الله وكِتابه إذ يُحملونه ما لا يحتمل، بل وفى مِفصل من المفاصل القرآنية الكبرى وهو "الجهاد"، عبادة هذه الأمة وإطار تدينها ورايتها المرفوعة إلى يوم الدين.

وقد قلنا وقال كثير من أهل العلم بعدم التطابق الكامل بين أى لفظين من جميع ألفاظ القرآن، فمهما تقاربت معانى بعض الألفاظ لابد من وجود فوارق واضحة بين كل لفظ وغيره، والقرآن حوى ألفاظ (الجهاد، والحرب، والقتال، والدفع) فمن هذا الذى اعتبر الألفاظ الأربعة ألفاظا متبادلة كلها يعنى "السلاح والقتال"، أليس ذلك جرأة غير محمودة ولا مقبولة؟!

فالجهاد سياسة قرآنية عامة عمادها: 1ــ دوام يقظة المؤمن وصبره وتضحيته 2ــ دوام استطلاع واستشراف شكل ومضمون العلاقة مع العدو الخارجى. وعلى هذين الركنين تنشأ الأدوار المختلفة للجهاد من (الدعوة إلى الدفع إلى الحرب ثم القتال). لكل حالة من حالات نشاط العدو ما يناسبها، وأول الجهاد الإعداد القوى المتين على نسقين وليس على نسق واحد. أول النسقين هو إعداد جميع القوى السلمية من علم واقتصاد واتصال وحوار.. إلـخ. وثانيهما هو إعداد القوى العسكرية تحسبا لغدر العدو.

هكذا جاءت الآية واضحة مُقسمة تفصل بين القوى السلمية والقوى المسلحة بحرف (الواو)، حيث يقول تعالى: ((وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ..)). وقد اتفق من يُعتد بتخصصهم على أن الجهاد نسقين؛ فالعام منهما هو الجهاد السلمى وما أصعبه، والخاص والأخير هو الجهاد المسلح إذا لزم الأمر. وهو المقصود بلفظ "القتال" فليس الجهاد قتالا فقط كما ينشرون على العامة.

والأمر الثانى الذى اتفق عليه أهل اللغة والشرع أن كلمة (ترهبون) تعنى (يصيبهم الإبهار والخنوع فيرجعون عن سوء التصرف وحمل السلاح وإشعال القتال)، وهنا أتذكر بشاعة هؤلاء الذين جعلوا ثمانية ألفاظ بمعنى واحد مثل: ((الخشية/الخوف/الوجل/الرعب/الفرق/الفزع/ الرهبة/الروع)) فتراها عندهم كلها رعب وإرهاب، حيث ساعدوا الآخرين على اتهام الإسلام بما ليس فيه.

ــ2ــ

نعود للجهاد وأوله عقلا وشرعا جهاد النفس، إذ ليس لأحد أن يأمر الناس بما لم يأتمر به، حيث عاب الله هذا السلوك ((أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ..))، فجهاد النفس وتحملها مشاق الإصلاح والصبر والمصابرة هو أصل الجهاد، لدرجة أن القرآن أمر المجاهد لنفسه ولغيره أن يتواصى بالحق وأن يتحلى بالصبر، وأن يتواصى بالمرحمة.. وهل هذا اللفظ العجيب "المرحمة" هو اتساع الرحمة فقط؟ أم أنه اتساع الرحمة ومراعاة صلة الرحم بين جميع بنى آدم؟

ــ3ــ

والجهاد السلمى يقوم على تنوع المواقف من (تنوع الأساليب الدعوية إلى المدافعة) ((..وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ..))، وهذا المصطلح "الدفع" علامة وميزة، فالدعوة مدافعة للأخطاء والخطايا وليس صراعا "ينفى" الآخرين. والمدافعة اقتضت إبقاء رسول الله على المنافقين فى مدينته رغم علمه بنفاقهم وفجورهم، فهل تصور البعض أن يكون لنفسه حمية أكثر من حمية النبى ؟ والمدافعة إعلاما للعدو وللشاذ من الجماعة بيقظة الأمة وحذرها وشجبها للخطايا التى يُصر عليها. وتبقى المدافعة فى حالة صد قوى لا يُخترق، ولا يحق لأحد أن يستبدل المدافعة إلى مصارعة ويقول "الباب الذى يأتى منه الريح تسده وتستريح"، فإن كان ولابد فلنبحث عن مسالك لتعجيزه غير المصارعة. وتتخذ المدافعة ألوانا من الحروب (حرب ثقافية أو إعلامية، أو دبلوماسية، أو اقتصادية)، وكلها تسمى الحروب الباردة وقد شهدنا فى زمننا هذا قوة تلك الحروب على ردع المتجاوز ورده إلى قواعده.

ــ4ــ

وقد يتجاسر العدو ويتمادى فى صلفه فلا يتعظ، ويشرع فى عمل حربى، وهنا فقط يرتفع الجهاد والمدافعة والحرب إلى درجة "القتال" مهما كلفنا ذلك.. ولا ننس دائما أن القتال عقاب على القتال، وأن القتال لردع من حاول اجتياز حدودك أو التعرض بعنف لمُخصصاتك. ومع هذا التسلسل القرآنى العظيم اللائق بـ"الإسلام" وما فيه من سلام نرى من يُسرف على نفسه ويختزل الجهاد الدينى فى محور القتال فقط مما فتح الباب واسعا لهؤلاء المتربصين.
..يتبع

جمال قطب   رئيس لجنة الفتوى الأسبق بالأزهر الشريف
التعليقات