الإنسان فى القرآن (8-أ) العلاقة الخاصة بين الزوجين - جمال قطب - بوابة الشروق
الجمعة 26 أبريل 2024 2:14 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الإنسان فى القرآن (8-أ) العلاقة الخاصة بين الزوجين

نشر فى : الجمعة 21 يونيو 2013 - 9:30 ص | آخر تحديث : الجمعة 21 يونيو 2013 - 9:30 ص

مادام القرآن هو دستور «وقاية الإنسان وهدايته» فلا شك أنه لم يغفل العلاقة الحميمة بين الزوجين، فتلك العلاقة كما يقول علماء النفس والاجتماع والدين علاقة رئيسة من علاقات «الجنس البشرى» فهى من أشد خصوصيات الإنسان بنوعيه، فلننظر ألفاظ القرآن وهو يعبر عن مستويات تلك العلاقة.

 

(1)

 

فبداية التربية طبقا «للفطرة الإنسانية» لدى كل إنسان، نرى جميع العقلاء يستروون «ذلك الجزء» من أجسامهم مادام الواحد أو الواحدة يتوقع «أعين الغير»، بل إن الفطرة الإنسانية تؤكد ذلك حتى عند سكان الغابات، فترى الرجل إذا لم يجد من الثياب ما يغطى جميع جسده أو معظمه، فإنه لابد وأن يجد قدرا ولو ضئيلا يستر به «ذلك الجزء» من جسده.

 

أما المرأة فلابد طبقا للفطرة أن تستر أجزاء من جسمها أكثر مما يستر الرجل، وتلك فطرة إنسانية أودعها الله فى جميع خلقه، فهى ليست بحاجة لأى «نص سماوى»، ولا بشرى فهى فطرة مستقرة فى بنى الإنسان.

 

لذلك لا يعجب الإنسان إذا قرأ آيات القرآن الخاصة بالوضوء والأحاديث النبوية فلا يجد فيها توجيها لستر «العورة»، لأن ستر العورة فطرة سواء فى الصلاة أو خارج الصلاة.. وغاية الأمر أن تجد تنبيها من الوالدين أو المعلمين للطفل أو للقاصر أو للمريض أن يستدرك ستر عوراته.

 

(2)

 

وحينما يعبر القرآن عن العلاقة الخاصة بين الرجل والمرأة، فهى إما علاقة شرعية أو غير شرعية، فإذا كانت شرعية فهى تقوم على عقد واتفاق وإشهاد وإشهار «وَأَشْهِدُوْا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ» (2: الطلاق) ويسميها القرآن بلفظ أشد تعبيرا من العقد فهو ليس مجرد عقد، بل ميثاق «وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقاً غَلِيظاً» (21: النساء) بل ميثاق غليظ يقارب درجة التوحيد والإيمان.

 

فلولا أن الله أمر بهذا التعاقد وبين شروطه، ما استطاع أحد أن نقترب من هذه العلاقة المشار إليها، وجعل الله القدرة على تواصل الزوجين وعلى إنشاء الأسرة علامة من علامات «النضج والاقتدار» فدرجات نمو الإنسان هى درجات يبلغها من يستوفى شروطها.

 

(3)

 

ويبدأ نمو الإنسان بالطفولة المبكرة دون البلوغ وهى مرحلة تربية وسلوك «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ» (58: النور) والمرحلة التالية هى «بلوغ الحلم» أى مرحلة إحساس الفرد بحاجته إلى النوع الآخر «وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ» (59 النور).

 

وهذا يحتم عليه جدية المثابرة للوصول إلى الخطوة التالية، وهى المرحلة الثالثة مرحلة «بلوغ السعى» أى وصوله إلى القدرة على السعى والاكتساب، قال تعالى وهو يصف تطور حياة إسماعيل (ص): «فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ..» (102الصافات) أى أن إسماعيل بلغ قدرة العمل الاقتصادى وهو السعى على المعيشة ثم مرحلة بلوغ الرشد  (لتبلغوا أشدكم) ومرحلة الأشد هى مرحلة القدرة على إحسان التصرف فى الأموال تصرفا رشيدا .

 

ثم إنتقل القرآن إلى مرحلة خامسة فقال تعالى (بَلَغُواْ لنِّكَاحَ..) (6: النساء) أى القدرة على تعايش وتواصل الزوجين وتحمل مسئولية تعاقد إقامة الأسرة واستمرارها، وتلك مرحلة النضج الجنسى، وبعد ذلك بلوغ الاستواء وهو عند سن الأربعين، ثم بلوغ الكبر وهو ما بعد الشيب، كما يهيب القرآن بمن لم يقدر على تكاليف الزواج أن يستعفف «وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ..» (33: النور).

 

ويسمى القرآن تعاقد الزوجين بمثل ما يسمى به اللقاء بينهما (النكاح) حتى يربط بين العقد واللقاء ويضفى عليهما قداسة التشريع قال تعالى «وَلَا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ..» (235: البقرة)، وهكذا يردد القرآن لفظ النكاح تعبيرا راقيا ساميا، فها هو الرجل الصالح يقول لموسى (ص) «قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِنْدِكَ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ..» (27: القصص).

 

كما يصدر القرآن الأمر للمجتمع بأن يساعد المؤهلين للزواج من الجنسين بلفظ «وَأَنكِحُوا الأَيَمَى مِنكمْ وَالصلِحِين» (32: النور) وهكذا أصبح لفظ «النكاح» معبرا عما ينشأ بين الزوجين من علاقة شرعية مثل لفظ «ميثاق» وإذا إرتاب أحد فى هذا المعنى فها هو القرآن يبين أن النكاح هو عقد يبيح ما بعده من الملامسة «أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا..» (49: الأحزاب).

 

يُتبع،،

 

جمال قطب   رئيس لجنة الفتوى الأسبق بالأزهر الشريف
التعليقات