البرلمان المصرى واﻹخلال بالأمن القانونى - حسن اﻷزهرى - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 6:56 ص القاهرة القاهرة 24°

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

البرلمان المصرى واﻹخلال بالأمن القانونى

نشر فى : الأربعاء 21 يونيو 2017 - 10:55 م | آخر تحديث : الأربعاء 21 يونيو 2017 - 10:55 م
يعد الأمن القانونى مفهوما مرتبطا بالمجتمعات الديمقراطية، وهو يعنى بشكل مبسط استقرار الأوضاع والمراكز القانونية للمخاطبين بالقانون وقدرة جموع المواطنين على فهم وتوقع التغيرات والتطورات القانونية، وكذلك أن ترتبط هذه التطورات بأساليب ومعايير تتفق مع المبادئ والنصوص الدستورية، حتى يستقر فى نفوس المخاطبين به صحته وسلامته. إضافة إلى تقبل المخاطبين هذه القواعد القانونية باطمئنان، دون خشية من حدوث تغيرات مفاجئة تخالف توقعاتهم أو تجعل هذه القواعد مثارا للجدل أو تكون مهددة بالسقوط لعيب يتعلق بجوهرها أو للطريقة التى أُقرت بها. لذلك فإن الأمن القانونى يتطلب مناخا سياسيا ملائما يمكن من خلاله ضمان استمرار ونفاذ التشريعات بمستوياتها المختلفة، وهنا يتضح أن لمفهوم الأمن القانونى وجهين: الأول وهو استقرار القواعد التشريعية القائمة مع المراجعة الدورية لها لضرورة اتساقها مع الالتزامات الدستورية والدولية، والثانى وهو احترام طموح وآمال المواطنين فيما يتعلق بالقوانين التى يتم استحداثها، ويقع على عاتق كل من الحكومة والبرلمان ضرورة احترام هذا المبدأ من خلال الإفصاح والإعلان بشكل مستمر عن التطورات والأجندات التشريعية، وعرض النقاشات والآراء المتعلقة بها، وتوضيح أسباب ومعايير المفاضلة بين الخيارات التشريعية المختلفة، بالإضافة إلى تبصير المواطنين بالآثار المترتبة على إقرار هذه التشريعات وتبعات تطبيقها.
***
منذ دور الانعقاد الأول للبرلمان المصرى فى نهاية عام 2015، شهدت جلسات البرلمان حالة كبيرة من الجدل. هذا الجدل فى بدايته لم يكن يتعلق بممارسة البرلمان لدوره فى أعمال الرقابة والتشريع، بل بالطريقة التى أراد بها البرلمان إدارة هذه الوظيفة. فمنذ الساعات الأولى لانعقاد المجلس وتشكيل لجانه بدأ الحديث عن منع بث جلسات المجلس وهو الأمر الذى حمل معه تخوفات مشروعة، قُوبلت هذه التخوفات بحجج واهية تتعلق بالتعجل فى إقرار التشريعات، التى أُقرت فى فترة غياب البرلمان والتى أصدرها رئيس الجمهورية كسلطة استثنائية للتشريع. وبعد الانتهاء من هذه القوانين تغيرت الحجة، إلى أن إذاعة الجلسات من شأنها التأثير على هيبة المجلس. واكتفى المجلس بما يذاع من مقتطفات وما يصل للمواطنين من أخبار عن المجلس من خلال الصحف، التى يسمح لها بتغطية بعض أنشطة المجلس، وذلك فى مخالفة لما نص عليه الدستور المصرى أن الأصل علنية جلسات مجلس النواب. هذه الطريقة قد جعلت من متابعة أداء مجلس النواب أمرًا ليس بالهِّـين، كما جعلت مواجهة الشائعات المتعلقة به أمر ليس باليسير.
يضاف إلى ذلك غياب أجندة مُعلنة لأعمال المجلس خلال دور الانعقاد. وينبغى أن ترتبط مثل هذه الأجندة بالاستحقاقات الدستورية، وما يتعلق بضرورة إنهاء القوانين المكملة للدستور، مع ضرورة إعلانها للرأى العام وفهم أولويات القوانين، التى سوف تُناقش ومواعيد طرح هذه القوانين، حتى يتمكن المخاطبون بهذه القوانين ــ ما بين مواطن مهتم وبين فئة تتعلق أنشطتها بهذه القوانين ــ من طرح آرائهم وإمكانية تفنيد الآراء المختلفة. وكذلك حتى تتمكن هذه الفئات من الاستعداد للتغيرات التى قد تصحب إقرار قوانين جديدة أو إجراء تعديلات جوهرية على القوانين القائمة. ويشكل ذلك جانبا مهما من الأمن القانونى يتمثل فى توقع المبادئ والقواعد التشريعية التى سوف تقر، وكذلك فهم أبعادها والآثار المترتبة عليها.
إن الأمن القانونى لا يقف عند حد إعلان الأجندة التشريعية أو المقترحات، ولكن الأمر كله يدور حول التوقع وعدم المباغتة. فالتوقع هنا لا يعنى معرفة المواطن أن هناك تغييرات محتملة فقط، بل يجب أن تتسق هذه التغييرات مع الحالة القانونية العامة، أو بمفهوم آخر أن تتوافق هذه التغييرات مع الدستور بوصفه الشريعة العامة والبوصلة التى يجب أن يهتدى إليها المشرِّع عند إقرار التشريعات. والنصوص الدستورية بمفهومها الحديث لا يقتصر دورها على حماية الحقوق والحريات من عصف السلطات المختلفة، بل إن الغاية الأسمى من هذه النصوص هى طمأنة المواطن من وجود فاعلية لها، وإن كل ما يصدر عن السلطات المختلفة وأهمها السلطة التشريعية سوف يكون فى ضوء ما ينظمه الدستور. وفى حالة مخالفة ذلك سوف تبطل المحكمة الدستورية هذه النصوص وتوقف الآثار المترتبة عليها.
المخاوف التى بدأت مع منع بث جلسات البرلمان تطورت مع توالى القوانين الصادرة عن المجلس، وأصبح مجلس النواب مصدرا للقلق اليومى. فقد غلب على مناقشات القوانين طابع السرية، كما تعددت المسودات المعلنة بشأن بعض القوانين، وتزايدت الاعتراضات الخاصة بالقوانين محل المناقشة. وكلما زادت الاعتراضات، تزايدت حدة البرلمان فى تجاهل أسباب الرفض وتعجل فى إقرار القوانين. الأمر امتد أيضا إلى نواب المجلس ذاتهم، حيث عبر بعض النواب عبر صفحاتهم الخاصة عن وجود أزمة فى التعجل فى إقرار التشريعات، فى ظل عدم إلمام النواب بتفاصيل مشروعات القوانين المعروضة عليهم، وتجاهل تعليق الجهات ذات الاختصاص مثل: قسم التشريع بمجلس الدولة على هذه المشروعات، وكذلك إدراج بعض المشروعات بشكل مفاجئ على جدول أعمال الجلسات، بالإضافة إلى التشكك فى آلية التصويت على هذه القوانين وتمريرها بأساليب مخالفة للوائح المجلس.
***
هذه الإشكاليات المتعلقة بالطابع الإجرائى لعمل المجلس امتدت أيضا إلى جوهر هذه القوانين. إذ ثارت شبهات عدم الدستورية حول عدد ليس بقليل من القوانين الصادرة عن المجلس، يأتى فى صدارتها التعديلات التى أُجريت على قانون الطوارئ. فبعد أن حكمت المحكمة الدستورية فى عام 2013 بعدم دستورية بعض نصوصه، أعاد البرلمان النصوص المقضى بعدم دستوريتها بصياغة جديدة، إلا أنها تحمل نفس المعنى وتترتب عليها ذات الآثار المترتبة على النصوص المُلغاة. وكذلك ما يتعلق بقانون السلطة القضائية حيث أعطى القانون الجديد سلطات لرئيس السلطة التنفيذية ــ رئيس الجمهورية ــ باختيار رؤساء الهيئات القضائية من بين عدد ترشحه كل سلطة، بعد أن كانت الأقدمية هى القاعدة الحاكمة فى تولى رئاسة الهيئات القضائية. هذا بالإضافة إلى قانون الجمعيات الأهلية والذى انتهى البرلمان من إقراره ولم يُصدِق أو يَعترض عليه رئيس الجمهورية لمدة 6 أشهر لم يتضح موقف رئاسة الجمهورية من القانون طوال هذه الفترة ثم أُقر القانون بشكل مباغت دون حدوث مراجعة أو تغيير، حيث شاب القانون عوار يتعلق بمخالفة الدستور لطريقة إنشاء وعمل الجمعيات والمؤسسات الأهلية. هذه القوانين هى نموذج لواقع البرلمان منذ انعقاده، حيث تلاحق شبهات عدم الدستورية قوانين تمس فئات واسعة من جموع المواطنين، مما يشعر الكثير منهم بعدم الاستقرار القانونى. فتطبيق قوانين قد يُبطَل العمل بها فى المستقبل القريب، يضعف ثقة المخاطبين بهذه القوانين، كما يخشى الجميع من الآثار التى سوف تترتب على تطبيقها.

***
الحديث عن الأمن القانونى فى هذه الظروف له أهمية تتعلق باتساع الفجوة بين أداء السلطة التشريعية، وبين طموحات وتوقعات المواطنين. فلم يعد أحد يستطيع فهم آلية العمل داخل مجلس النواب أو الأسس القانونية التى تصدر بناء عليها هذه التشريعات. سوف ينتهى ذلك بفقدان الثقة فى العملية التشريعية بشكل كبير، وسوف يشعر المواطن أن هناك أمورا ومقاصد أخرى تتعلق بإصدار هذه التشريعات.

 

حسن اﻷزهرى مدير الوحدة القانونية بمؤسسة حرية الفكر والتعبير
التعليقات