البرلمان وإبراهيم عيسى و«القاهرة والناس» - عماد الدين حسين - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 8:56 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

البرلمان وإبراهيم عيسى و«القاهرة والناس»

نشر فى : الأربعاء 21 ديسمبر 2016 - 9:10 م | آخر تحديث : الأربعاء 21 ديسمبر 2016 - 9:10 م
اسوأ قرار تتخذه الحكومة الآن أو فى المستقبل هو أن تتدخل بأى صورة من الصور، وتوقف برنامجا تليفزيونيا أو تعطل وتضايق قناة تليفزيونية، أو تضغط على صحيفة أو كاتب. الخاسر الأكبر من هذا الاتجاه سيكون الحكومة ومعها كل المجتمع.

من حق الحكومة والبرلمان أن يغضبوا مما يقوله الكاتب الكبير إبراهيم عيسى سواء فى مقالاته بجريدة «المقال»، أو فى برنامجه «مع إبراهيم عيسى» على قناة القاهرة والناس.

من حق أى جهة حكومية أو غيرها أن تلجأ إلى القضاء ضد إبراهيم عيسى، لكن أسوأ قرار هو أن تغلق القناة أو توقف البرنامج بالحجج الإدارية إياها!. والأفصل أن ترد عليه الحجة بالحجة، أو ببرنامج مضاد يفند كل ما يقوله ويقدم معلومات مختلفة وموثقة أو حتى يطرح آراء مغايرة ويكون الحكم وقتها للناس.

أتمنى من جميع الأجهزة المعنية ان تراجع تجربة الرئيس الأسبق حسنى مبارك مع الصحافة والإعلام خصوصا فى سنواته الأخيرة، بل وبالأخص مع إبراهيم عيسى.

وقتها كان التدخل الحكومى عبر القضاء، وحصلت الحكومة على حكم بالسجن ضد عيسى، لكن مبارك تدخل فى النهاية واستخدم حقه القانونى بالعفو، وألغى الحكم. هذا الأمر حسب لمبارك وقتها، فهل نأتى الآن وبعد ثورتين للمطالبة بإغلاق صحيفة ووقف برنامج؟!.

لو أن ذلك قد حدث ــ لا قدر الله ــ فقد تشعر الحكومة ومجلس النواب ببعض الراحة، لكنها راحة ستكون مؤقتة. فالتجربة تقول انه لا يمكن لأحد أن يغلق كل الأبواب والنوافذ، وإلا أصيب الجميع بضيق فى التنفس وبعدها يكون الاختناق. وأسوأ موقف يجد مجلس النواب نفسه محشورا فيه، هو أن يحرض على برنامج وقناة وإعلامى.
من حق البرلمان أن يدافع عن نفسه، وأن ينتقد إبراهيم عيسى كما يشاء، وأن يلجأ للقضاء. لكن إحدى المهام الأصيلة لأى برلمان هى الدفاع عن حرية الرأى والتعبير.

إذا كان البرلمان سيتشدد ضد الحريات الاعلامية، فماذ تركوا للأجهزة الأمنية؟!.

أعرف وأدرك أن كثيرا من المسئولين لم يعودوا قادرين على تحمل جرعة الحرية فى برنامج إبراهيم عيسى، وأعرف أن بعضهم يحلم بأن يستيقظ ليجد البرنامج قد اختفى، ومعه كل القناة، لكن فى المقابل على الحكومة أن تدرس بهدوء الثمن الشامل، الذى ستدفعه فى حال تم ايقاف البرنامج ــ أو غيره مما تبقى من برامج بها حد ادنى من التنوع ــ بأى طريقة من الطرق الكثيرة الموجودة فى جراب الحكومة.

الحكومة يمكنها أن تسأل السؤال بطريقة أخرى وهى: أليست هى أيضا مستفيدة من وجود نوافذ ــ حتى لو كانت محدودة ــ لحرية التعبير فى المجتمع، وأصوات مختلفة مثل إبراهيم عيسى وغيره؟!.

أيهم أفضل للحكومة: وجود منابر متعددة تتحدث وتنقد وتختلف، فتنبه الحكومة إلى أخطائها فتصلحها، أم أن يكون الجميع صوتا واحدا سواء كانوا فى القنوات الفضائية أم الصحف الورقية؟!.

لا يوجد بلدان حية وحيوية تعيش من دون وسائل إعلام متحررة حتى ولو بنسبة ضئيلة، وفى المقابل هناك بلدان قليلة تطبق سياسة الصوت الواحد و«حالها يصعب على الكافر»، مثل كوريا الشمالية، حتى لو كان لديها صواريخ باليستية مدمرة، لكنها تعجز حتى عن توفير البطاطس لشعبها، وتضطر إلى العيش على المعونات والهبات القادمة من الصين أو روسيا، أو حتى بعض الهيئات والمؤسسات من جارتها اللدود فى الجنوب.

لو كنت مكان الحكومة، لقلت لأى دولة أوروبية تنتقدها وتدعى عدم وجود حرية تعبير، أن لديها العديد من الأصوات المعارضة فى الصحف والفضائيات ووسائل التواصل الاجتماعى.

الصوت الواحد مدمر للجميع، بل وسيؤثر على كل ما تفعله الدولة من مشاريع حقيقية على الأرض. على الحكومة أن تتعود على الأصوات المتعددة فى إطار القانون والدستور والدولة المدنية، لأن البديل للأسف مخيف، وسيضر الجميع ولا يفيد إلا الظلاميين والمتطرفين وكل أعداء مصر. جزء أساسى من قوة مصر الناعمة هو إعلامها المتنوع.

 

عماد الدين حسين  كاتب صحفي