الاعتداء على نساء مصر جريمة لابد أن تتوقف! - أحمد عبدربه - بوابة الشروق
السبت 20 أبريل 2024 3:08 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الاعتداء على نساء مصر جريمة لابد أن تتوقف!

نشر فى : السبت 23 مايو 2020 - 8:35 م | آخر تحديث : السبت 23 مايو 2020 - 8:35 م

كنت أنتوى الحديث عن موضوع مبهج هذا الأسبوع احتفالا بعيد الفطر المبارك أعاده الله على كل المصريين بالخير، لكن بكل أسف شاءت الظروف أن أشاهد فيديو أقل ما يمكن وصفه به هو أنه بشع! فتاة لا أعتقد أنها أتمت 16 عاما، يتم تصويرها وهى فى غرفة نوم أحدهم شبه عارية منهارة ومنهكة وتقوم بلبس ثيابها بصعوبة بينما يقوم شخصان على الأقل بسبها وتعنيفها وضربها بقوة على وجهها!
سريعا عرفت القصة من خلال الفتاة نفسها، صاحبة القصة وهى من مستخدمى تطبيق الـ «تيك توك» تقول إنه تم استدراجها بواسطة صديقاتها إلى شقة أحدهم وأنه تم اغتصابها وضربها وتصويرها بغير رغبتها انتقاما على ما يبدو من طبيعة الفيديوهات التى تقوم بها على التطبيق المذكور، مطالبة الحكومة بأن تقبض على الجناة الذين ذكرت أسماءهم! لم تتوقف القصة هنا، بل والفيديو المذكور متاح على العديد من المواقع تحت عنوان «شاهد... فى شقة دعارة» وهو مزيد من الإمعان فى الإذلال والتشويه للفتاة الضحية.
لا أستطيع أن أحكم بدورى على حقيقة القصة وتفاصيلها، لكن أطالب وزارة الداخلية بالتحقيق الفورى فى الأمر وتعقب الجناة وتقديمهم للعدالة حال ثبوت الاتهامات فى حقهم، لكن الموضوع بالفعل أكبر بكثير من هذه القصة.
قبل نحو أسبوعين، قامت إحدى طالباتى العزيزات النابهات بسرد قصة تحرش تعرضت له فى مدخل السكن الخاص بها فى عز النهار من شاب مجهول وجه لها الإهانات على لبسها ثم قام بالتحرش، وحينما استمع الجيران أخيرا إلى استغاثتها كان المجرم قد هرب فى الشوارع الجانبية ولم يتم الوصول إليه حتى الآن!
وبالإضافة إلى القصتين الأخيرتين، هناك مئات القصص عن فتيات ونساء يتعرضن للتحرش أو الاعتداء الجسدى واللفظى والمعنوى فضلا عن الإهانات فى الشارع ووسائل المواصلات العامة، ورغم أن الدولة وعلى رأسها رئيس الجمهورية سبق وتدخل بنفسه وطالب بعقاب المتحرشين والمعتدين على السيدات بل وقام بزيارة إحدى ضحايا هذه الحوادث بنفسه فى المستشفى فى إشارة واضحة من القيادة السياسية إلى الاهتمام بالموضوع، لكن للأسف لا يبدو أن كل هذه الإجراءات كافية وما زال المجرمون يكملون مسلسل الاعتداءات على بنات وسيدات مصر غير عابئين بالقانون أو الدستور أو حتى قيم المجتمع التى يدعون دائما أنهم يعاقبون من يخالفها!
***
لابد أن تعود قضية التحرش والاعتداء الجسدى والمعنوى واللفظى على السيدات إلى بؤرة اهتمام الدولة والمجتمع مرة أخرى ولابد من تشديد العقاب وعدم التهاون أبدا مع أى جريمة من هذه النوعية. لكن وقبل أن تعود القضية إلى بؤرة الاهتمام مرة أخرى فلابد من تقديم إجابات عن ثلاث أسئلة جوهرية متعلقة بالقضية:
من هو المجرم تحديدا؟ ما هو تعريف الأخلاق العامة وقيم الأسرة؟ ما هو تحديدا دور الدولة والمجتمع لمواجهة هذه الجرائم البشعة؟
أولا: المجرم ليس فقط من يقوم بالجريمة، ولكن يشاركه الإجرام فريقان، الفريق الأول يضغط على الضحايا للتنازل عن المحضر أو حتى مجرد الحديث تحت دعوى عدم الفضيحة والجرسة والسمعة السيئة أو الحفاظ على مستقبل المجرم مع وعود فى منتهى العمومية بعدم تكرار الجريمة! والفريق الثانى هو كل من يبرر هذه الجرائم بلوم الضحية كون أن ملابسها مثيرة أو غير محتشمة أو غير مطابقة «للكود الأخلاقى» للمجتمع! هؤلاء شركاء، فالفتاة حينما تقع ضحية للتحرش أو الاعتداء فهى ليست مذنبة ولا علاقة لما حدث بسمعتها، بل سمعة المجرم هى السيئة والفضيحة له هو لا لها بأى حال من الأحوال، صحيح أن هناك تزايد وعى بخصوص هذه النقطة عند بعض الفتيات المتعلمات من أبناء الطبقة فوق الوسطى، لكن وبكل أسف فما زالت الفتيات والسيدات فى الطبقات الأقل تخشى من السمعة وترضخ للأمر الواقع!
أما عن اتهام الفتيات أنهن السبب تحت دعوى الملابس أو المظهر، فالحقيقة أن هذا هو أسخف تبرير يمكن أن يقال حيال هذه الجرائم، فالمجرم يظل مجرما أيا كانت الظروف والمبررات، وإلا بررنا السرقة لأنها ترتكب ضد لصوص أكبر! أو بررنا القتل تحت دعوى أن الضحية مجرم سابق! أو بررنا الاختلاس وسرقة المال العام بالفقر أو العوز! كلها مبررات مرفوضة، علما بأن المقارنة أصلا غير جائزة، فالمظهر واللبس لا يعد جريمة أيا كان رأينا فيه، علما بأن لكل شخص معاييره الخاصة بالاحتشام والعرى!
هناك من يتحرش بغير المحجبات لأن هذا بالنسبة له عرى وإثارة! وهناك من يتحرش بالمحجبات تحت دعوى أنهن ممن يلبسن الضيق! وحتى المحجبات اللاتى يلبسن الفضفاض قد يتم التحرش بهن لأنهن لسن منتقبات وهكذا سلسلة لا تنتهى من المعايير النسبية! فكل من يعتقد أن ابنته أو زوجته أو أخته أو حتى أمه فى أمان لأنهن محتشمات، فقطعا هناك شخص ما مستعد للتعرض لهن لأن معايير الحشمة لديه مختلفة، وهكذا ندور فى حلقة مفرغة من يبررها اليوم سوف يقع ضحية لها غدا!
أما عن تعريف الأخلاق العامة وقيم الأسرة وهو ما يتم استخدامه لعقاب بعض السيدات على ملابسهن، فأتحدى أى شخص أن يأتى لنا بتعريف محدد لهذه الكلمات! لأن معاييرها الدقيقة غير موجودة وتختلف باختلاف الطبقات أو أماكن السكن أو الجغرافيا! من يقوم بقضاء الصيف فى منتجعات الساحل الشمالى وليس لديه أى مشكلة فى عرض صوره الخاصة أثناء الاستجمام والاستمتاع بالبحر لديه معايير تختلف عمن يذهب إلى مصايف الطبقات المتوسطة وتحت المتوسطة أو من ليست لديه القدرة على الذهاب إلى أى من هذه الأماكن أصلا!
طبيعة لبس الناس فى المدن الساحلية أو القرى السياحية مثلا تختلف عن المناطق الريفية! ولأنه يستحيل وضع «كود» للبس على كل الناس كما فعلت طالبان أو داعش أو تفعل إيران الآن، فمن غير المقبول أيضا أن يتم العقاب على معايير متغيرة ونسبية!
أما عن دور الدولة، فله ثلاثة أبعاد، بعد التشريع والذى يجب أن يغلظ العقوبات بقوة على المتحرشين والمغتصبين، والبعد الثانى هو أن يتم إنفاذ القانون وأن يعطى السيد وزير الداخلية تعليمات واضحة لكل أقسام الشرطة بالتعامل الحازم مع المتهمين وحماية الضحايا، أما البعد الثالث والأخير وهو أن يتم حملات توعوية تشرف عليها الدولة والمجلس القومى للمرأة ووزارة الشباب والإعلام وغيرها من الجهات المسئولة.
أما المجتمع فعليه دور لا يقل أهمية عن دور الدولة، التوقف التام عن تبرير التحرش، التوقف عن إدانة الضحايا والتواطؤ المخزى لحماية المجرمين، كما على الأسر والمدارس تربية بناتهم على الثقة بالنفس والوقوف بقوة وبلا خجل أمام أى اعتداء غير مرغوب على أجسادهن والحديث عما يتعرضون له دون خوف أو تردد!
ولا حاجة طبعا للتذكير بأن بعض من يدعون أنهم دعاة للدين يقدمون وبكل أسف التبرير الشرعى لاتهام الفتاة واعتبارها مجرمة وهو أمر مسىء لهم وللدين وللمؤسسات التى يمثلونها، فعليهم التوقف الآن!
***
لا أستطيع أن أمنع نفسى من تذكر تجاوزات ذات طبيعة جنسية ارتكبها أحدهم فى معسكر المنتخب الوطنى لكرة القدم العام الماضى وكيف تم الضغط من أجل مسامحته وإعطائه فرصة ثانية بحسب أحدهم! بل وكيف دافع باقى زملائه عنه برفع رقم التيشرت الخاص به فى المباراة اللاحقة وكأنه بطل يحتذى به، وكيف وقفت فئات كثيرة من المجتمع تبرر له ما فعل، ومقارنة كل ذلك بالعقاب الفورى والإدانة الشديدة حال كون مصدر الفعل فتاة أو سيدة حتى لو لم يتأذَ غيرها تحت دعوى أن ملابسها أو مقاطعها على التطبيقات المرئية تضرب قيم المجتمع بعرض الحائط وكأن مصدر العيب والشر والإغواء هو النساء فقط دون الرجال!
أستاذ مساعد زائر للعلاقات الدولية بجامعة دنفر.

أحمد عبدربه مدير برنامج التعاون الدبلوماسي الأمريكي الياباني، وأستاذ مساعد العلاقات الدولية بجامعة دنفر.