غائم جزئيا! - خالد سيد أحمد - بوابة الشروق
السبت 20 أبريل 2024 5:47 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

غائم جزئيا!

نشر فى : الجمعة 23 ديسمبر 2022 - 8:35 م | آخر تحديث : الجمعة 23 ديسمبر 2022 - 8:35 م
يطوى هذا العام أوراقه الأخيرة على وقع وضع عام «غائم جزئيا»، جراء عمق الأزمة الاقتصادية الراهنة، التى تدفع دفعا نحو تبنى خيارات، كان يراها البعض حتى وقت قريب من «التابوهات» أو المحرمات التى يستحيل التفكير فيها نظرا لخطورتها المحتملة على السيادة والأمن القومى، مثل إنشاء صندوق قناة السويس، أو استدراج عروض خارجية لإدارة الموانئ المصرية!!
فمنذ موافقة مجلس النواب يوم الإثنين الماضى من حيث المبدأ، على مشروع قانون مقدم من الحكومة، بهدف إنشاء صندوق مملوك لهيئة قناة السويس، يمكنها من «شراء وبيع وتأجير واستئجار واستغلال الأصول الثابتة والمنقولة والانتفاع بها»، و«مساهمته بمفرده أو مع الغير فى تأسيس الشركات، أو فى زيادة رءوس أموالها، والاستثمار فى الأوراق المالية»، هبت عواصف عاتية من الرفض والانتقادات من جانب أحزاب وقوى سياسية ومواطنين عاديين وشخصيات عامة لها وزنها الثقافى والقانونى، تحذر من مخاطر هذه الخطوة التى قد تفتح الباب أمام عودة السيطرة الأجنبية على هذا المرفق الحيوى الذى ضحت مصر شعبا وجيشا بالغالى والنفيس فى سبيل عودته للسيادة الوطنية.
فى المقابل شحذت الدولة كامل أسلحتها واستنفرت كافة مؤسساتها وأحزابها المؤيدة وإعلامها الموالى، للدفاع عن هذا الصندوق، والتأكيد على أنه لا يمس سيادة القناة وأن التخوفات المشروعة لبعض المواطنين تجاه هذا الأمر «تؤججها ادعاءات ومغالطات»، وأن القناة لن يقترب منها أحد، كونها «من أموال الدولة العامة، ولا يجوز التصرف فيها أو بيعها»، وأن الهدف من وراء ذلك الأمر هو «زيادة قدرة هيئة قناة السويس على المساهمة فى التنمية الاقتصادية المستدامة للمرفق وتطويره من خلال الاستغلال الأمثل لأمواله وفقا لأفضل المعايير والقواعد الدولية لتعظيم قيمتها» وكذلك «تمكين الهيئة من مجابهة الأزمات والحالات الطارئة التى تحدث نتيجة أية ظروف استثنائية أو قوة قاهرة أو سوء فى الأحوال الاقتصادية».
الهجمة المرتدة من جانب المؤيدين والمدافعين عن فكرة إنشاء الصندوق، لم تؤتِ أوكلها تماما، ولم تهدئ من المخاوف المتزايدة على «مصير القناة»، لأسباب كثيرة منها ما يعود بالقطع إلى الماضى القريب، عندما تمت الموافقة على نقل السيادة على جزيرتى تيران وصنافير إلى المملكة العربية السعودية فى ظرف لم تكن فيه الأوضاع الاقتصادية، أشد وطأة وقسوة وحدة من الوضع الراهن الذى تواجهه البلاد، وفى ظل ظروف اقتصادية دولية شديدة التعقيد، جراء تداعيات جائحة كورونا والحرب الروسية الأوكرانية.
كذلك ترديد المؤيدين لإنشاء الصندوق أن قناة السويس مال عام لا يجوز التصرف فيها أو بيعها، وأن عملية البيع ستكون لأصول الصندوق وليس للهيئة، يرفع من منسوب القلق والخوف لدى الكثير من المواطنين، الذين ينظرون إلى قناة السويس على أنها جزء من إقليم الدولة المصرية، وليست مجرد شركة أو مشروع استثمارى، قابل للربح أو الخسارة، أو عرضة للمزايدة فى البورصة من جانب من يملكون المال الوفير.
أيضا ما يقلل من تحمس الكثيرين لفكرة إنشاء الصندوق وتخوفه منها، أنها جاءت بعد أيام قليلة على موافقة صندوق النقد الدولى على قرض جديد لمصر بقيمة ثلاثة مليارات دولار، وفق شروط رأى البعض أنها مجحفة ومقدمة للتخلى عن الأصول التى تملكها الدولة المصرية من أجل توفير العملة الأجنبية، حيث قال الصندوق نصا فى بيان له بعد إقرار القرض: إن «موافقته على البرنامج الجديد لمصر، ستشجع على إتاحة تمويل إضافى لها بقيمة 14 مليار دولار تقريبا من شركائها الدوليين والإقليميين، شاملا موارد تمويلية جديدة من دول مجلس التعاون الخليجى وشركاء آخرين من خلال عمليات طرح عدد من الأصول والشركات المملوكة للدولة للمستثمرين الأجانب».
هذه الأسباب وغيرها تجعل من عملية «هضم» الشعب لفكرة إنشاء صندوق القناة غير واردة بشكل كبير، كما أن تمسك الحكومة بتمرير هذا المشروع، سيزيد من تعقيد المشهد الذى لا يحتاج إلى مزيد من صب الزيت على النار.. فالغضب والألم يعتصران الجميع، جراء الزيادات الحادة فى أسعار جميع السلع الأساسية، والحياة الكريمة أضحت حلما يراود الغالبية العظمى من أفراد الشعب، الذين يأنون من قسوة الظروف المعيشية.
ما زال الوضع «غائما جزئيا»، لكن حتى لا يتحول إلى «غائم تماما»، فينبغى على الحكومة الاستماع لشركاء الوطن ممن يهمهم استقرار البلاد، والالتفات إلى إشارات الخطر، عبر سحب مشروع قانون صندوق قناة السويس من أروقة البرلمان، والتفكر والتدبر بحكمة فى معالجة الأوضاع الاقتصادية الراهنة التى تهدد الاستقرار فى البلاد، وهذا لن يتحقق بالطبع، إلا إذا قامت بـ «تعديل المسار» وتصحيح بعض السياسات الخاطئة التى انتهجتها فى السنوات الأخيرة، وأسقطت البلاد فى مستنقع الديون من أجل مشاريع غير ذات عائد على المدى القصير، والنظر بجدية فى كيفية دعم الصناعة الوطنية للحد من فاتورة الاستيراد الهائلة، وإعطاء الفرصة كاملة للقطاع الخاص وعدم مزاحمته فى كل مشروع.
التعليقات