احمِ نفسك، احمِ أهلك وجيرانك.. كورونا يتحدى قدرة الإنسان على حماية حياته - طلال سلمان - بوابة الشروق
الخميس 25 أبريل 2024 2:58 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

احمِ نفسك، احمِ أهلك وجيرانك.. كورونا يتحدى قدرة الإنسان على حماية حياته

نشر فى : الثلاثاء 24 مارس 2020 - 9:10 م | آخر تحديث : الثلاثاء 24 مارس 2020 - 9:10 م

فجأة، ومن دون سابق إنذار، انتبه الناس فى العالم أجمع، بدوله القوية والضعيفة، لا فرق، إلى أن الإنسان الجبار، المحلق فى الأجواء بالطائرات عابرة القارات، والذى أوفد بعثات التبشير بعقله الذى لا يقهر إلى القمر وبعض النجوم مخترقا السماوات السبع.. ثم استعادها ليؤكد سقوط المستحيل..
انتبه الناس إلى أنهم لا يعرفون أنفسهم بالقدر الكافى، ولا يعرفون ما تختزن أجسادهم من أسباب الأمراض والعلل التى تفاجئهم، بين الحين والآخر، فى تحدٍّ خطير لعقولهم وأبحاثهم العلمية واجتهاداتهم فى قراءة التحولات فى أرضهم وفى محيطهم، بدءا بالهواء، مرورا بالمناخ، وصولا إلى الطبيعة وتحولاتها بفعل تأثير الشمس أو الصقيع.
... وانتبه الناس إلى حقيقة أن العالم صغير بحيث أن جراثيم لا ترى بالعين المجردة ولا بالإحساس المرهف، ولا بيقظة التنبه والحيطة، يمكنها أن تقطع الأجواء والمحيطات وتتجاوز القمم المثلجة التى لم يصل إلى ذرواتها أحد بعد، يمكنها أن تصل إليهم ولو كانوا فى عز النوم، أو يسمرون مع الحسناوات أو يختلون بأنفسهم وهم يراجعون حسابات الربح والخسارة فى تجارتهم أو مصانعهم أو الفنادق أو مزارع الأغنام والأبقار والدجاج والديوك ذات الأعراف.
انتبه الناس، حتى الانبهار، إلى التقدم العلمى فى الصين ذات المليار نسمة، التى كانت أول من اكتشف الفيروس القاتل وأول من اكتشف العلاج لوقف انتشاره ثم القضاء عليه بالعلاج المناسب.. ولو طال زمن الاستشفاء.
واكتشفوا، بالمقارنة، «تخلف» أوروبا التى فتك الوباء بأهالى عواصم السياحة ومدن الفن العريق وموسيقى الفرح والرقص المبهج: إسبانيا وإيطاليا وفرنسا وسويسرا والنمسا وصولا إلى النروج وروسيا حتى حدود المحيط المتجمد الشمالى.
بهرتهم «عدالة» هذه الجرثومة المدمرة التى لا تميز بين الأغنياء والفقراء، أو بين «الصفر» و«السمر» و«البيض»، ولا بين الأجناس ذكورا وإناثا، أطفالا أو راشدين: أطباء ومهندسين وعمالا وفلاحين وفقراء بلا معيل.
الكل سواء فى نظر الوباء.. العادل!
***
ما يُلفت فى هذا المجال طريقة تصرف الدول مع شعوبها ومدى شجاعتها أو ترددها أو جبنها ومخاتلتها، قبل إبلاغهم بوصول الوباء إليها، وكيفية التصرف مع من يصيبهم وأسباب العلاج وقبلها ومعها طرق الوقاية من العدوى التى قد تميت من «تضربه» من رعاياها.
البعض تعامل مع الوباء وكأنه فضيحة تمس شرف السلطة وتفضح تخاذلها إلى حد «التواطؤ» مع الجرثومة القاتلة..
وبعض آخر تصرف وكأن الوباء الوافد سر حربى لا بد من التكتم عليه منعا «للشماتة» أو اتهام الدولة بالتقصير والإهمال والاستهتار بصحة رعاياها..
ثم اضطرت الدول جميعا إلى الاعتراف بالحقيقة ولو بالتدريج والتلاعب بأرقام المصابين وتوفر العلاج.. ثم إنها انتبهت إلى أن كبريات الدول وأغناها، بدءا بالصين وصولا إلى الولايات المتحدة، مرورا بأوروبا المنكوبة بمختلف دولها وعواصمها الجميلة التى كانت دوما مقصد السياح ومنبت الشعراء وقصائد الغناء والطرب والرقص: باريس، مدريد، فيينا، روما، نابولى، ثم لندن وستوكهولم إلخ... قد اعترفت، بشجاعة، بانتشار الوباء فيها وتنبيه الناس إلى طرق الوقاية وأسباب العلاج.
وهكذا أخذت العواصم العربية، جمهورية وملكية وإماراتية تعترف، بخجل بداية، ثم تشجعت فباشرت مصارحة رعاياها بالحقيقة تدريجيا، ومعها إرشادات الوقاية ومراكز العلاج..
وفى حين انبرت واشنطن للتشكيك بصحة الرواية الصينية عن الوباء وأرقام المصابين، برغم أن الرئيس الصينى ذهب بنفسه إلى المدينة التى ضرب الوباء أهاليها فى بداية انتشاره، فإنها سرعان ما بلعت لسانها عندما انتشر الوباء فى أنحائها... وصولا إلى بعض مساعدى الرئيس الأمريكى ترامب فى البيت الأبيض.
وعلى عكس ما فعل الرئيس الصينى فإن الرئيس الأمريكى ونائبه قد امتنعا عن عيادة بعض من أصيب من أعوانهما فى البيت الأبيض للاطمئنان إلى سلامتهم.
***
المسألة تتعلق ببعض المبادئ والمسلمات:
أولها: حق الشعوب بأن تعرف ما يهددها للتحوط فى مواجهة وباء لا يرحم ولا يعترف بالتراتبية فى المناصب والمسئوليات.
ثانيا: أن الوباء ليس فضيحة يفضل طمسها أو إخفاؤها والسكوت عنها، خصوصا إن سرها لا يمكن كتمانه، ومع تعذر ضبطه فإن التستر عليه سيحوله من وباء قابل للعلاج إلى فضيحة وطنية تشابه تحالف السلطة معه على شعبها.
ثالثها: إن التستر يشكل انحيازا إلى الوباء ضد الشعب بل ضد الشعوب جميعا، خصوصا أن الوباء قد أسقط الحواجز بين الدول فى مختلف القارات فضرب الغرب كله بعواصمه المزدهرة، والشرق كله بعواصمه ومدنه الناهضة، وإيران الجمهورية الإسلامية المحاصرة والتى تمنع عنها إدارة ترامب الأدوية وأسباب العلاج، ودول إفريقيا الفقيرة والتى قد لا يملك رعاياها ثمن العلاج.
***
بين الدروس المستفادة من انتشار هذا الوباء انكباب العلماء فى أربع رياح الأرض على دراسة أسبابه وكيفية منع انتشاره فضلا عن النجاح فى ابتكار أسباب العلاج.. لكى يمكن الارتياح إلى محاصرته تمهيدا للقضاء عليه.
فالناس شركاء فى الصحة وأسباب السلامة، والإهمال قاتل، والتقاعس قاتل، ولا مجال للشماتة أو لادعاء الحصانة، والناس إخوة: تحمينى فأحميك..
وختاما: لا نملك إلا الدعاء بشفاء من ضربه هذا الوباء، وعسى تستطيع البشرية أن تبتدع أسباب حماية حياتها وحماية أطفالها ضمانا لمستقبلها الأفضل.
حماكم الله، حيثما كنتم، من الكورونا وسائر الأوبئة.

طلال سلمان كاتب صحفي عربي بارز، مؤسس ورئيس تحرير جريدة السفير اللبنانية، كما أنه عضو في مجلس نقابة الصحافة اللبنانية - المدونة: www.talalsalman.com
التعليقات