هذا ما كان فى رمضان زمان! - إيهاب الملاح - بوابة الشروق
الأربعاء 24 أبريل 2024 12:54 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

هذا ما كان فى رمضان زمان!

نشر فى : الجمعة 24 أبريل 2020 - 9:55 م | آخر تحديث : الجمعة 24 أبريل 2020 - 9:55 م

(1)
رغم الجائحة الكونية، ورغم ثقل وطأة الوباء والبلاء والعزلة الإجبارية التى فرضها «كورونا» اللعين، ها هو رمضان يطل بحضوره المبهج، وأنفاسه المباركة، وانتظاره السعيد، واستعادة حنين غامض خفى، يومئ برنين مكتوم لقِطَعٍ عزيزة من ذكرياتنا على النفس والروح والقلب، ومن منا لم يمض أوقاتا حلوة فى هذا الشهر الكريم؛ متنعما بطقوسه المفرحة، ومستظلا بروحانياته الغامرة، ومبتهجا بإيقاعاته السارية اللا مرئية، وراء مظاهر النشاط والحياة اليومية المعيشة.
عن الشهر الفضيل أحب أن أتحدث؛ وأستعيد هنا، طوال أسابيع حضوره وبهجته، عبر مساحتى المحببة هذه، مزيجا من النوستالجيا الذاتية (الحنين إلى الماضى) ولونٍ من ألوان الرصد الحر لمظاهر وظواهر ثقافية واجتماعية وفولكلورية، فى سبيلها إلى التبدد والتبخر والاندثار كأنها لم تكن، وسبحان من له الدوام!
كانت جدتى لأبى رحمها الله تردد على مسامعى وأنا صغير «رمضان ثلاث عشرات: عشرة مرَق، وعشرة حلَق، وعشرة خَلَق»؛ أى إنهم يعتنون فى العشرة الأولى بالأكل وإعداد كل أشكال وصنوف الطعام اعتناء فائقا، وفى العشرة الثانية التحضير والاستعداد لعمل الكحك وما يلازمه من أصناف أخرى، وفى العشرة الثالثة بتحضير ثياب العيد. وكان هذا أول حضور بهيج ومفرح لكلمة «رمضان» فى ذاكرتى.

(2)
كنت فى الخامسة تقريبا، أتذكر ظلالَ أول حضور لرمضان أَعيه فى حياتى. نحن فى الصيف، شهر يونيو الساخن اللافح، ومع ذلك فلا يهمنى حر ولا غير حر، يهمنى فقط البهجة المضاعفة التى تغمرنى بحلول هذا الذى يسمونه «رمضان»، ثمة نظام مختلف عن أيامى العادية ونشاطى الاعتيادى! مواعيد الأكل وأصنافه مختلفة، الحلوى أشكال وألوان؛ مشروبات ومأكولات وفواكه، السهر مسموح حتى الفجر، أتولى مسئولية شراء فول السحور فى الطبق القعر (وليس فى أكياس أو عبوات بلاستيكية مثل الآن)، أتابع بانبهار المسلسل التاريخى «لا إله إلا الله» (أو ربما «محمد رسول الله».. لا أذكر بالدقة!) الذى أشاهده للمرة الأولى، وأنا أحبس أنفاسى من الانبهار والدهشة والمتعة! تقريبا كل تفاصيل المسلسل انطبعت فى ذاكرتى كأنها محفورة حفرا!

(3)
وكأن القدر لم يرد أن أتمرغ فى نعيم جنة رمضان فقط، بكلِ ما ذكرت، بل غمرنى ببهجة أخرى لا تُعوض ولا تنسى!
إسبانيا فى العام 1982، البطولة الأولى التى أشهدها لمنافسات كأس العالم، أحب كرة القدم جدا، الخطيب «بيبو» هو أسطورة الكرة المحلية والإفريقية، لا ينازعه أحد، هو المثل الكروى الأول لعبا ومهارة وموهبة وأخلاقا لكل أبناء جيلى بلا منازع، لكن أبطال كرة القدم فى كأس العالم شىء آخر!
نجوم العالم يلتقون، ويتألقون على استادات الماتادور الإسبانى؛ رومنيجه الألمانى، وبلاتينى الفرنسى، وتيمومى المغربى، وباولو روسى الإيطالى الذى سطع كالشهاب فى مباريات البطولة، خرج من السجن ليقود منتخب الأزورى للفوز بالبطولة، ويحصد لقبى أحسن لاعب وهداف البطولة برصيد 6 أهداف! ولا ينسى أبناء جيلى أن المنتخب الجزائرى (وكنا نشجعه بحرارة كبيرة) أُقصى من الأدوار الأولى بمؤامرةٍ لا أخلاقية بين ألمانيا والنمسا اللذين لعبا على التعادل!
أقيمت بطولة كأس العالم لكرة القدم 1982، وهى البطولة رقم 12 فى تاريخ بطولات كأس العالم لكرة القدم، فى إسبانيا فى الفترة من 13 يونيو وحتى 11 يوليو، حيث تم إختيار إسبانيا لاحتضان البطولة بعد انسحاب ألمانيا التى استضافت منافسات بطولة كأس العالم لكرة القدم 1974.

(4)
لكن ذلك كله «كوم»، والمنتخب البرازيلى الأسطورة الذى لعب للمجد والشهرة «كوم آخر»، إنهم سحرة البرازيل المهرة يا سادة، نجوم السامبا، أصحاب أحلى وأمتع مهارات كروية فى الدنيا، وأجمل أهداف رأيتها فى حياتى حتى اللحظة.
فى هذه البطولة نصب البرازيليون السيرك، واكتسحوا كل الفرق التى واجهوها بالثلاثة والأربعة، أهداف من كل زاوية وعلى كل شكل ولون، باليمنى واليسرى والرأس!.. يا سلام على فريق الأحلام والأساطير بنجومه الكبار: زيكو، وسقراطوس، وفالكاو، وإيدر، وجونيور.. فريق لم يحصل على كأس البطولة فى هذا العام، لكنه لعب للخلود والمجد وكان له ما أراد!
وكان هذا أول عقد بهجة بلا حدود ينعقد بينى أنا الطفل ذو السنوات الخمس، وبين هذا الـ «رمضان» الذى اجتمعت فى رحابه كل المباهج والمسرات التى يحلم بها طفل صغير!
(وللحديث بقية)