العرب ومستقبل الاتفاق النووى الإيرانى - محمد المنشاوي - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 6:15 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

العرب ومستقبل الاتفاق النووى الإيرانى

نشر فى : الخميس 26 أبريل 2018 - 9:20 م | آخر تحديث : الخميس 26 أبريل 2018 - 9:20 م

سيحدد الرئيس الأمريكى دونالد ترامب قبل الثانى عشر من الشهر المقبل إذا ما كانت الولايات المتحدة ستنسحب من الاتفاق النووى الذى وقعته إيران معها إضافة للدول الخمس الكبرى الأخرى، وهو الاتفاق الذى لم يتوقف ترامب عن وصفه مرات عدة بأنه أسوأ صفقة فى التاريخ، وأنه اتفاقية معيبة سخيفة يعتزم إلغاءها. ولا توافق الدول الأخرى الموقعة على الاتفاق وهى روسيا والصين وبريطانيا وفرنسا وألمانيا على النهج الأمريكى، ولا تقف فى صف ترامب سوى دولتين بصورة علنية وبصورة محرضة، وهما إسرائيل والسعودية. وخلال زيارته الأخيرة والطويلة للولايات المتحدة، كرر محمد بن سلمان ولى العهد السعودى موقف بلاده الداعى لإلغاء الاتفاق أو تعديله والتشدد مع إيران. وأكد بن سلمان فى لقاء له مع صحيفة نيويورك تايمز أن الاتفاق النووى سيؤخر إيران لكن لن يمنعها من الحصول على أسلحة نووية. وأضاف كذلك «أن تأجيل الحصول على القنبلة النووية، ومشاهدة حصول إيران عليها يعنى أنك تنتظر وصول الرصاصة إلى رأسك». ونصح بن سلمان الأمريكيين باستبدال الاتفاق النووى الحالى بآخر يضمن ألا تحصل إيران مطلقا على سلاح نووى فى الوقت الذى تتناول فيه أيضا أنشطة إيران الأخرى فى الشرق الأوسط. ولم يتوقف التحريض السعودى على إيران على موضوع الملف النووى، بل ذكر بن سلمان فى حوار مع مجلة «ذى أتلانتيك» أن المرشد الأعلى للثورة الإيرانية على خامنئى يشبه أدولف هتلر! وقال بن سلمان «أعتقد أن الزعيم الإيرانى الأعلى يجعل هتلر يبدو جيدا... إن هتلر لم يفعل ما يحاول المرشد الأعلى القيام به، لقد حاول هتلر إخضاع أوروبا. هذا سيئ، لكن المرشد الأعلى يحاول غزو العالم، فهو يعتقد أنه يملك العالم. كلاهما من الأشرار».
***

عندما وقعت الإدارة الأمريكية السابقة بقيادة باراك أوباما الاتفاق النووى مع إيران فى صيف 2015، جمع أوباما ملوك وأمراء دول مجلس التعاون الخليجى فى اجتماع قمة فى البيت الأبيض ومنتجع كامب ديفيد الرئاسى بهدف طمأنة حلفائه الخليجيين من بواعث القلق لديهم بشأن الاتفاق النووى مع إيران. وجوهر الاتفاق هو وقف برنامج إيران النووى العسكرى مقابل رفع للعقوبات المفروضة عليها. ويعتقد الكثيرون فى العاصمة الأمريكية أن أحد أهم وسائل طمأنة حلفاء واشنطن من العرب هو بيعها المزيد من الأسلحة الأمريكية، إلى جانب دعم الوجود الأمريكى العسكرى فى هذه الدول. ويبدو أن هذه الترتيبات لا تكفى لإقناع قادة هذه الدول الذين يسعون من جانبهم فى محاولة صعبة لتوقيع نوع ما من أنواع اتفاقيات الدفاع المشترك التى توثق لالتزام الولايات المتحدة بحماية دول الخليج حال تعرضها لأى تهديدات خارجية.

تؤمن الرياض بوجود قلق متزايد معلن يتخطى مخاطر حصول إيران على سلاح نووى. وتعد تطورات الأوضاع الجيو ــ استراتيجية فى الشرق العربى ردة للدول العربية ولمصالحها الحيوية. ويؤمن العرب أن إيران هى اللاعب الأهم والقوة المهيمنة لكل ما جرى ويجرى فى سوريا واليمن، ويؤمنون أيضا أن إيران تدير المشهد السياسى فى العراق، ولا يختلف الحال كثيرا فيما يتعلق بلبنان عن طريق الرعاية الإيرانية لحزب الله. وتعتقد القيادة السعودية أن استمرار الاتفاق النووى سيؤدى لزيادة القوة الإيرانية بما يهددها، وتستشهد على ذلك بدعم إيران للحوثيين فى اليمن رغم إدراكها الكامل أن هذا يمثل تهديدا مباشرا للدولة السعودية. وقد أدى الاتفاق النووى من جهة، وما تشهده دول مجلس التعاون الخليجى من انشقاقات غير مسبوقة وعداء بين السعودية والإمارات، ومعهما البحرين ومصر، من جانب وقطر من جانب آخر، لارتفاع نفقات التسليح لدى بلدان الخليج العربى رغم التراجع الحاد لأسعار النفط. إلا أن تعقيدات وخطورة خرائط الصراع فى المنطقة تستدعى أكثر من شراء المزيد من الأسلحة، وهو ما لا يبدو متوافرا عن الأطراف العربية حتى الآن.
***

خلال مؤتمره الصحفى مع الرئيس الفرنسى ماكرون يوم الثلاثاء الماضى بالبيت الأبيض، لم ينس ترامب إهانة حكام الدول الخليجية الغنية مرة أخرى، تضاف إلى قائمة طويلة من مسلسل إهانات لهم، منذ ظهوره على الساحة السياسية قبل أقل من ثلاثة أعوام. وشدد ترامب على بلدان المنطقة الثرية بالشرق الأوسط بالتكفل بالمصاريف الكبيرة التى تنفقها بلاده لحمايتها. وأضاف ترامب أن واشنطن أنفقت 7 تريليونات دولار على حماية بلدان ثرية، مشيرا إلى أن إدارته ستستبدل جنودها بالمنطقة بجنود تلك الدول. وقال ترامب إن دولا بالمنطقة لم تكن لتبقى أسبوعا دون الحماية الأمريكية.

قبل خمسة أشهر أعلن ترامب الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل وبدء إجراءات نقل السفارة الأمريكية للمدينة المقدسة، وما تبعه من ردود أفعال عربية رسمية هزيلة عكست واقعا جديدا تخيلت بموجبه بعض الأنظمة العربية الحاكمة أن تجاهلها لفلسطين وعدم اكتراثها بحقوق الشعب الفلسطينى كفيل بنيل الثناء من حاكم البيت الأبيض غريب الأطوار، وأنه السبيل الأقصر والمباشر لنيل الرضاء الأمريكى والإسرائيلى معا خدمة لأهداف ضيقة لا تراعى أى مصالح استراتيجية لشعوبهم أو لمستقبل حكمهم.

لا يعرف حكام العرب واشنطن على الرغم من تكرار زياراتهم لها، ولا يعرفون ترامب رغم لقاءاتهم المتكررة المصحوبة بمصافحات حارة. ولا أحد يعرف تحديدا من قصد ترامب عندما تحدث عن دول المنطقة الغنية، قد يكون قصده السعودية وحدها أو قد يكون قصده كل دول مجلس التعاون الخليجى، لا نعرف. لكن ما نعرفه أن واشنطن يحكمها رئيس يسعى لاغتنام ما يستطيع من ثروات العرب. وما نعرفه أيضا أن إيران هى أحد دول المنطقة، وإنها تواجدت فى الماضى، وستوجد فى المستقبل، وليس من الحكمة تسخين أمريكا ومنحها الغطاء السياسى اللازم لتنفيذ أجندات لا تكترث بمصالح ولا بدماء العرب.

محمد المنشاوي كاتب صحفي متخصص في الشئون الأمريكية، يكتب من واشنطن - للتواصل مع الكاتب: mensh70@gmail.com
التعليقات