أرض التناقضات! - خالد سيد أحمد - بوابة الشروق
السبت 27 أبريل 2024 1:23 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

أرض التناقضات!

نشر فى : الجمعة 26 أغسطس 2022 - 6:50 م | آخر تحديث : الجمعة 26 أغسطس 2022 - 6:50 م

أسوأ وأخطر ما يمكن أن تقدم عليه حكومات الدول فى أوقات المحن والأزمات الوجودية المهددة لحياة شعوبها واستقرارها ومستقبلها، هو إيصال الرسائل المتضاربة والمتناقضة يوميا إلى مواطنيها، الأمر الذى يؤدى فى الغالب إلى خلق حالة من الارتباك والحيرة والتشتت وغياب اليقين المطلوب لتجاوز تلك الأزمات.
لا يخفى على أحد أن مصر تواجه فى الوقت الراهن تحديات اقتصادية صعبة، جراء التداعيات الهائلة التى خلفتها جائحة كورونا، ثم الحرب الروسية الأوكرانية، وما نجم عنها من زيادة كبيرة فى أسعار السلع الغذائية والمواد الأولية والوقود، الأمر الذى ضاعف من حجم فاتورة الاستيراد، وبالتالى كان عليها تغطية ذلك عن طريق رفع أسعار السلع والخدمات وفرض الضرائب على المواطنين واللجوء إلى الاقتراض من الخارج وطرح شركات أمام المستثمرين العرب والأجانب، لتغطية احتياجاتها التمويلية الهائلة، وتسديد فواتير الديون المستحقة عليها، والتى تضاعفت فى الأعوام الأخيرة، جراء التمدد فى المدن الجديدة.
وشهد الدين الخارجى لمصر ارتفاعا جديدا فى الربع الأول من 2022 حيث سجل 157.8 مليار دولار فى نهاية مارس الماضى، مقابل 145.592 فى نهاية ديسمبر الماضى، وبلغت نسبة الارتفاع فى الدين الخارجى لمصر فى الأشهر الثلاثة الأولى من العام الجارى، نحو 8.4 بالمائة، وفقا لبيانات البنك الدولى.
إذن.. بلغة الأرقام المجردة فإن مصر «دولة فى أزمة» شديدة القسوة اقتصاديا، لكنها فى الوقت ذاته، تبدو للجميع ــ داخليا وخارجيا ــ على عكس ذلك تماما، سواء من ناحية أولويات الإنفاق أو المشروعات المنفذة أو التوجهات الاقتصادية المختلفة، وكأنها «أرض التناقضات»، التى لا يستطيع العقل البشرى استيعابها وتفسيرها وفهمها أو حتى التعامل معها بأريحية.
فمصر المطالبة بتدبير نحو 30 مليار دولار حتى نهاية العام، لتسديد فواتير الديون المستحقة وتلبية احتياجاتها الأساسية، وفقا لخبراء الاقتصاد، نجدها تنفق ببذخ لا حدود له فى العاصمة الإدارية والعلمين، وتشعل الألعاب النارية لتضىء الساحل الشمالى.
مصر التى تقر حكومتها خطة كبيرة لترشيد استهلاك الكهرباء وتقليل استخدام الطاقة بمختلف أنواعها، وتطفئ أنوار الميادين والشوارع الرئيسية فى المدن المزدحمة، وتصادر غلايات المياه الكهربائية «كاتيل» فى المصالح الحكومية التى يستخدمها الموظفون لعمل«كوباية شاى»، هى نفسها التى تترك الإضاءة ليلا فى المبانى وأماكن العبادة «الخاوية» فى العاصمة الإدارية!!
مصر التى تحذر مواطنيها عن طريق إعلامييها المشهورين بأن هناك «ارتفاعات فى أسعار الغذاء من شهر سبتمبر المقبل، قد تصل إلى 30% فى بعض الدول والجميع سوف يتأثر بما فيها مصر»، هى نفسها التى يخرج فيها إعلاميون آخرون لينصحوا الناس بـ«اللى عنده دولار يطلعه ويوديه البنك.. الحقوا نفسكم قبل 15 سبتمبر» فى إشارة إلى إمكانية تحسن الأوضاع الاقتصادية!!
أيضا مصر التى يوجه رئيسها بالاستمرار فى نهج الانضباط المالى والحفاظ على المسار الآمن للموازنة العامة، وصياغة استراتيجية متوسطة المدى لاستهداف أكبر قدر ممكن من خفض لنسبة دين أجهزة الموازنة العامة للناتج المحلى، تواصل حكومتها خطب ود صندوق النقد الدولى منذ شهر مارس الماضى، للحصول على حزمة تمويلية جديدة وكبيرة، تكبل الاقتصاد بقيود جديدة وتزيدمن أرقام الديون المستحقة على البلاد!!
هذه الرسائل المتناقضة والمتضاربة من جانب الحكومة، والتى تشبه مقولة «نفتح الشباك أم نغلقه؟»، أضحت غير مطلوبة أو مقبولة على الإطلاق، خصوصا فى أوقات الأزمات العاصفة كالتى نعيشها الآن، لأنها تساهم فى رفع منسوب الارتباك والحيرة والشك لدى المواطنين، وتضعف من ثقتهم فى قدرتها على العبور بالبلاد إلى بر الأمان خلال المرحلة المقبلة.
إذا كانت الحكومة جادة بالفعل فى عبور هذه الأزمة الطاحنة، فعليها توحيد وترشيد الرسائل التى تقدمها للرأى العام، قبل مطالبة شعبها بالدعم والمساندة والصبر على التحديات الناجمة عن التطورات العالمية، كما عليها اعتماد التخطيط العلمى السليم فى معالجة المشكلات التى تواجه البلاد، وتنفيذ المشروعات التى تحتاجها بالفعل.. عليها العمل كما لو أنها «حكومة حرب»، وهذا يعنى أنه لا مجال للخطأ أو التخبط أو الارتباك، وكذلك عليها اتخاذ قرارات تقشف حقيقية «تقيل عثرات» اقتصادنا الكثيرة، وتبنى سياسات رشيدة ترفع العبء عن كاهل الفقراء وتنتصر للطبقات الكادحة فى هذا البلد، مثل قرارها الأخير باعتماد حزمة الحماية الاجتماعية الاستثنائية، التى تمثل بلا شك خطوة مهمة ينبغى البناء عليها حتى تستطيع الغالبية العظمى من المواطنين، مواجهة متطلبات الحياة المعيشية الصعبة.

التعليقات