تحقيق النجاح لعمليات الخصخصة - ماجدة شاهين - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 1:54 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

تحقيق النجاح لعمليات الخصخصة

نشر فى : السبت 27 أغسطس 2022 - 7:35 م | آخر تحديث : السبت 27 أغسطس 2022 - 7:35 م

مرة أخرى، تتصدر عملية التحول إلى القطاع الخاص أولويات الإصلاح فى إطار مفاوضاتنا الجارية مع صندوق النقد الدولى جنبا إلى جنب مع إضفاء مزيد من المرونة لسعر الصرف واستقرار مؤشرات الاقتصاد الوطنى. لقد وضعت الدولة أهدافا محددة ومؤشرات واضحة للسنوات الثلاث القادمة وسارعت فى الالتزام بتنفيذها، غير أننا على يقين من أن الطريق شاق أمامها، خاصة وأن أهدافها الطموحة تتطلب بالضرورة اصطحابها بسلسلة من الإجراءات الصعبة والمتشابكة. وتشمل هذه الأهداف مضاعفة دور القطاع الخاص فى الأنشطة الإنتاجية وإحداث طفرة فى صادراتنا تصل إلى 100 بليون دولار سنويا بحلول عام 2025 وزيادة الاستثمارات الأجنبية المباشرة بمقدار 40 بليون دولار. وترتبط الأهداف الثلاثة ارتباطا وثيقا ببعضها البعض، ولا يمكن تحقيق أحدها دون الآخر، مما يجعل تحقيقها ليس سهلا.
ويشعر رجال الأعمال أنه طالما نجحت الحكومة فى رسم خطط مدروسة جيدًا وأهدافًا تبدو جيدة على الورق، إلاّ أنها سرعان ما تصطدم بجدار التنفيذ. فإن رجال الأعمال فى مختلف القطاعات يريدون تغييرات فعلية على أرض الواقع. ولذا لا يمانعون أهدافا أكثر تواضعا ــ إن لزم الأمر ــ ولكن قابلة للتنفيذ المضبوط. ولذا فهم يؤكدون على ضرورة مشاركتهم الفعّالة مع الحكومة فى وضع الأهداف والشروع معا فى تحقيقها تغلبا على المشكلات التى قد تواجههم عند التنفيذ.
ولنذّكر بداءة أن هذه ليست المرة الأولى التى تخوض فيها مصر معركة الخصخصة. فقد سبق أن كانت الخصخصة بالفعل ضمن مطالب الصندوق فى مفاوضات عام 1991، وكان يُنظر إلى الموجة الأولى من الخصخصة على أنها حجر الزاوية فى برنامج الإصلاح الاقتصادى فى ذلك الوقت. وقد لا نستغرب أنه بعد ثلاثين عاما نشهد مرة أخرى تكرار نفس المطلب، ولنا أن نتساءل هل أخفقنا فى المرة الأولى فى التحول إلى القطاع الخاص؟ فلماذا نجد أنفسنا بعد 30 عامًا فى ذات الموقف. وكان من المفترض أن يؤدى إصدار القانون 203/1991 إلى تحول شركات القطاع العام إلى كيانات اقتصادية مستقلة ووضع إطار لإدارتها يضاهى نظيرتها فى القطاع الخاص. فلماذا لم تنجح هذه التجربة؟ ولما نجد أنفسنا مرة أخرى أمام كيانات غير كفء ولم تنهض بالصناعة المصرية على النحو الذى كان متصورا لها. وإذا كنا قد أخفقنا بالفعل، فكيف يمكننا تصحيح مسار عمليات الخصخصة حتى لا نواجه الصندوق فى غضون عقدين أو ثلاثة عقود أخرى برفضه هيمنة القطاع العام والحكومة على الحياة الاقتصادية والمطالبة بعودة الأخيرة مرة أخرى إلى معقلها كمنظم للاقتصاد الوطنى وليس كرجل أعمال للأنشطة الاقتصادية؟.
• • •
إزاء الوضع الصعب الذى يمر به القطاع الخاص بسبب الظروف الاستثنائية على المستويين الداخلى والخارجى والتى تعيق نشاطه وتفرض عليه تكاليف باهظة سواء من حيث ارتفاع أسعار النقل أو الإجراءات الإدارية واللوجستية وغيرها، فإن القطاع الخاص لا يبدو مقبلا على هذه الدعوة بالقدر المتوقع بل يتخذ مواقف مشوبة بالحذر. فعادة ما تشتد موجة الخصخصة عندما يعانى القطاع العام من خسائر وتحتاج الحكومة بشكل عاجل إلى موارد مالية إضافية وهى تسعى إلى برنامج الإصلاح الاقتصادى مع الصندوق، وهذا هو حالنا اليوم. وتطالب الحكومة، فيما أطلقته بمسودة وثيقة سياسة ملكية الدولة، بالتخلص تمامًا من جميع استثماراتها وملكياتها فى نحو 79 نشاطًا فى مختلف الصناعات خلال السنوات الثلاث المقبلة كجزء من خطط إعادة هيكلة الاقتصاد لصالح القطاع الخاص. وإن حرصت الحكومة على التأكيد على التدرج فى عملية الانتقال إلى القطاع الخاص.
وكان نتاج عمليات الخصخصة فى التسعينيات ــ وهو الأمر الذى يتعين علينا تفاديه هذه المرة ــ النمو التضخمى للقطاع غير الرسمى والذى نعانى منه حتى يومنا هذا. فبحلول عام 2000، كان جليا أن القطاع غير الرسمى، بكل عيوبه ومزاياه هو الذى يتحكم فى الاقتصاد الوطنى. وانخفضت حصة القطاع الخاص فى الناتج المحلى الإجمالى بشكل كبير من أكثر من 70% إلى ما لا يزيد على 60%، واستوعب القطاع غير الرسمى 75٪ من العمالة الجديدة. فإذا أردنا أن تنجح عمليات التحول إلى القطاع الخاص وأن يكتب لها النجاح والدوام هذه المرة، يجب أن نوفر مسبقا الشروط اللازمة للقطاع الخاص ووسائل الاستدامة.
فيجب تمكين القطاع الخاص من المنافسة العادلة قبل الوثوق به لتولى مشاريع وأنشطة القطاع العام. فإن الهدف لا يقتصر فقط على تحصيل موارد مالية إضافية وعاجلة للحكومة بقدر ما هو ترسيخ دور وقيادة القطاع الخاص للأنشطة الاقتصادية فى المدى الطويل. فإن الهدف هو أن تتحول هذه الشركات إلى صناعات ناجحة وقادرة على المنافسة والتصدير وجذب رأس المال الأجنبى والاندماج فى سلاسل القيمة المضافة، الأمر الذى يتطلب بالضرورة وضع القواعد والقوانين التى ينبغى أن تعمل على دعم القطاع الخاص وتعزيز وتثبيت دوره فى النمو الاقتصادى. فيجب أن يكون لدى الحكومة والقطاع الخاص رؤية شاملة لعمليات التحول إلى القطاع الخاص، وعدم تنفيذها كعمليات قائمة بذاتها، مما يؤدى إلى فشلها فى النهاية وألاّ تحقق النتائج المتوقعة لها.
وبمتابعتنا الحوار الوطنى فى مجال عمليات الخصخصة، نشعر جديا بتردد القطاع الخاص وتراجعه أكثر من تحمسه والإقدام على هذا الدور الجديد الذى توكله له الحكومة. فنسمع أصواتا تطالب الحكومة بعدم التنحى عن دورها والالتزام بتوفير الضمانات اللازمة بأن الخصخصة ستؤدى إلى نجاح الصناعات التى تشملها وتمكين رأس المال الخاص من النجاح. ولن يحدث هذا إلاّ بتضافر جهود الحكومة والقطاع الخاص. ولن يكون هذا ممكنا إلاّ من خلال وضع أنظمة محفزة للقطاع الخاص تسمح له بالعمل بحرية وبكفاءة عالية وتبسيط الإجراءات الإدارية وعمليات التخليص الجمركى وتقليل التكاليف الإضافية، بما يساهم فى خلق بيئة مواتية لنجاح القطاع الخاص. ومن جانبه، على القطاع الخاص أن يتبنى سياسات طويلة المدى ولا يسعى إلى تحقيق الربح السريع، فإن رأس المال الخاص هو الأكثر قدرة على الابتكار والمخاطرة والخوض فى المنافسة تحقيقا للنجاح.
• • •
إننا اليوم متفائلون ويمكن لنا الجزم بأن الحكومة على الطريق الصحيح هذه المرة بالنسبة لعمليات الخصخصة، وتسعى إلى تحقيق الرؤية الشاملة بعيدة النظر. فقد أقرنت إعلان تخلصها من 79 نشاطا بتخفيض الرسوم الجمركية على العديد من مدخلات الإنتاج وذلك تعزيزا لعمليات التصنيع والمنافسة فى إطار عمليات الخصخصة، فضلا عن تخفيضات جمركية إضافية للمصنعين بناءً على نسبة المكون المحلى فى صناعاتهم، وهذا مشروع ومطلوب لتشجيع الصناعة الوطنية. كما يعتبر إجراء خفض التعريفة الجمركية مهما أيضا بالنسبة للمستثمرين وحافزا لهم أخذا فى الاعتبار انخفاض تكلفة الإنتاج. وإذا كانت هذه خطوة كبيرة وملموسة فى الاتجاه الصحيح، فإنها ليست سوى أحد الإجراءات اللازمة على طريق خفض التكاليف للمصنعين والمستثمرين. وما هو أهم هو تبسيط الإجراءات المشوهة للتجارة والتى تعرقل الاستيراد والتصدير والتى يشكو منها المصدرون والمستوردون على حد سواء. الأمر الذى يعنى بالضرورة أن عمليات التحول إلى القطاع الخاص لا تقف عند حد عمليات منفردة قائمة بذاتها، ولكنها الآن جزء لا يتجزأ من إصلاح أكثر شمولا لتعزيز الإنتاج والتصدير.
وميزة أخرى تضاف إلى توجهات الحكومة لدعم عمليات التحول إلى القطاع الخاص هو ما نقرأه فى الصحف ويصرح به رجال الأعمال من إصدار «الرخصة الذهبية» لكافة مشروعات القطاع الخاص كرخصة واحدة تمنح للمشروعات الجديدة بهدف تسريع بدء النشاط الإنتاجى والاستثمارى دون الحاجة إلى موافقات من جهات مختلفة، الأمر الذى من شأنه منح التراخيص اللازمة دون تلكؤ أو تكلفة إضافية لا يقابلها خدمة مناسبة. وسوف يعتبر ذلك حافزا لضخ مزيد من الاستثمارات ومشاركة فعلية من القطاع الخاص إذا تحققت، والله أعلم.

ماجدة شاهين مساعد وزير الخارجية للعلاقات الاقتصادية الدولية (سابقاً)
التعليقات