الشعب.. ما عاد يُريد - امال قرامى - بوابة الشروق
الأربعاء 24 أبريل 2024 10:22 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الشعب.. ما عاد يُريد

نشر فى : الثلاثاء 27 نوفمبر 2012 - 12:45 م | آخر تحديث : الثلاثاء 27 نوفمبر 2012 - 12:45 م

أضحت كلمة «الشعب» من أكثر الكلمات تداولا فى خطابات القياديين التونسيين، والسياسيين واللاهثين وراء السلطة، وغيرهم، وهى أيضا من أكثر الكلمات توظيفا، تُنتزع من سياق لتقترن بآخر، تُقطع من دلالتها الأصليّة لتشحن بدلالات جديدة...

 

وعلى مرّ الشهور تغيّرت ملامح الشعب التونسى وتشكّلت صورته من جديد. فبعد أن كان شعبا أبيّا عظيما جسورا حضاريّا...، دكّ عرش بن علىّّ، وأسقط النظام، واستطاع أن ينتزع اعتراف الأمم وإعجاب الجميع، وبعد أن حقّق ثورة تاريخيّة، وفرض إرادته، وعلّم الحكومات درسا... أضحى الشعب اليوم، فى وضع إشكالىّ، فهو فاقد للأهليّة، يعوزه الرشد، يفتقر إلى قدرة التمييز بين الخير والشرّ، بين الصواب والخطأ، غير مؤهّل لتقرير مصيره، عاجز عن فهم خفايا الأمور، غير ملمّ بالتدابير، غير قادر على إدراك المصالح والتوازنات ولذلك : 

 

الكلّ يتحدّث باسم الشعب.

 

الكلّ يُنصّب نفسه للنطق نيابة عن الشعب.

 

 مَن أعوزته الحجّة والبرهان يزعم أنّ الشعب يريد.

 

من أراد تزييف الوعى وقلب الحقائق يدّعى أنّ الشعب يريد.

 

من رغب فى إزاحة عدوّ لدود عن طريقه يرفع شعار الشعب يريد.

 

من رام امتلاك مفاصل الدولة والتغلغل فى كلّ أجهزتها يدّعى أنّه لا يفعل ذلك من تلقاء نفسه بل باسم الشعب الذى اختاره وفوّض له الأمر، ومنحه الشرعيّة المطلوبة.

 

من طمح فى تحويل الجمهورية والدولة المدنيّة إلى خلافة إسلاميّة تطبّق فيها الشريعة يزعم أنّه ينفّذ إرادة الشعب المسلم. من أراد تبكيت الخصوم وسدّ المنافذ أمامهم صرخ بأعلى صوته أنّه ابن الشعب والأعلم بمعاناته وهو إذ يتحدّث إنّما يفعل ذلك بتفويض من الشعب.

 

من أراد أن يعفى نفسه من المسئولية وأن يتنصّل من التزامات ووعود وأن يستمتع بأبّهة منزلة رفيعة تعلّل بأنّه نائب الشعب.

 

من رغب فى تحصين قلاعه من رياح عاتية، وإزاحة الخصوم عن طريقه، استبعد، وأقصى وكفّر واستأصل، و«طهّر» باسم الشعب.

 

من هاب كشف الحقائق الخفيّة، وسقوط الأقنعة، وعمليات النبش والحفر والبحث فى الدفاتر المنسية، شوّه صورة الآخر، ودعا إلى إبادته فى الساحات العامة وعلى منابر المساجد باسم الشعب.

 

انتفضت يا شعب وأردت أن تمشى منتصب القامة وأن تأخذ زمام أمورك وأن تمتلك حقّ تمثيل ذاتك ولكن سرعان ما اغتصبت إرادتك وصاروا قوّامين عليك... فباسمك يا شعب تفرض علينا الوصاية من جديد، يُنصّبون أنفسهم أولياء، يُقرّرون مصير العباد، يرفعون الدعاوى،يقرّرون، يعبثون بالوقت، ينكثون العهود ، يتجاهلون أسباب كسر جدار الصمت ومواجهة المستبدّ، يتغاضون عن المصالح الجوهرية: الفقر، الخصاصة، الحرمان،الظلم، التهميش، الفساد، احتقار الناس وتحويلهم إلى رعايا لا مواطنين. وباسمك يا شعب يستشرى العنف وتسرق الأحلام. الشعب التونسى يجوع، يتعرّى، يُحبط، يشكّ، يفقد الثقة فى أصحاب اليمين واليسار على حدّ سواء، يشمئزّ يٌصاب بالقرف، وما عاد يتحمّل فقليلا من الحياء.. لا تتكلّموا باسم الشعب فى المطلق، بل نسّبوا الأمور وعدّلوا أوتاركم. ففئة من الشعب ثارت ونزلت إلى الشارع، وفئة من الشعب انتخبت واختارت، وفئة من الشعب تظاهرت، وفئة من الشعب احتجّت.

 

حين يغدو التنسيب قيمة تحكم الخطاب تسقط البطولات المزعومة، تخفّ أصداء النرجسيّة، وتتضّح الصورة أكثر. فلتنزلوا من علياء سماء شيّدتموها، ولتغادروا أسطورة نسجتموها دون أن تكونوا طرفا فاعلا فيها ولتفارقوا أوهامكم حتى يتسنّى لكم التأمّل فى الواقع والتحديق فيه بملء العين. فما من أحد يمتلك حقّ التعبير عن إرادة الشعب وما من أحد يحقّ له الكلام باسم الإسلام، ولا أحد يحقّ له النطق نيابة عن الله.

التعليقات