هامش للديمقراطية ــ شروط المشاركة السياسية - عمرو حمزاوي - بوابة الشروق
الإثنين 29 أبريل 2024 2:02 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

هامش للديمقراطية ــ شروط المشاركة السياسية

نشر فى : الخميس 29 أغسطس 2013 - 8:00 ص | آخر تحديث : الأربعاء 20 نوفمبر 2013 - 7:18 م

نعود إلى البدايات: للمشاركة فى السياسة الديمقراطية شروط أساسية ملزمة للمواطنات وللمواطنين كأفراد وللكيانات الجماعية أى الأحزاب وقوى الضغط والمصالح. ولا يستقر التنظيم الديمقراطى للدولة وللمجتمع إلا بتصاعد درجة تفعيل هذه الشروط وترجمتها إلى واقع معاش.

من جهة أولى، يدفع الاهتمام بالشأن العام والانحيازات القيمية والرؤى السياسية المواطنات والمواطنين إلى التصويت فى الاستفتاءات والانتخابات واكتساب عضوية الأحزاب والمشاركة فى الانتخابات كمرشحين حزبيين أو مستقلين والسعى إلى الوصول إلى المناصب التنفيذية المنتخبة. ويتعين على المواطن فى كافة السياقات هذه، وفى إطار التزام صريح بكون مشاركته تأتى فى إطار الدولة الوطنية وتعمل على رفعتها وتحقيق الصالح العام لمجتمعها، احترام الشروط التالية: ١) بالسلمية ونبذ العنف وعلنية المشاركة السياسية واحترام القواعد القانونية المنظمة لذلك، ٢) الامتناع الكامل عن توظيف المشاركة السياسية وآليات الديمقراطية للترويج لأفكار أو ممارسات تتناقض مع الحرية والمساواة والمواطنة ورفض التمييز إن على أساس النوع أو العرق أو الدين أو المذهب أو القناعة السياسية، ٣) الابتعاد عن إقصاء المنافسين السياسيين إن بالتشويه أو التنكيل أو استدعاء فهم أحادى للدين أو للأخلاق أو للمصلحة الوطنية لاستبعادهم، ٤) احترام القواعد القانونية للمشاركة السياسية التى تقضى بالشفافية لجهة الأموال الموظفة فى الحملات الانتخابية وبعدم استغلال احتياجات الناس المعيشية للحصول على تأييد شعبى، ٥) قبول مبدأ الرقابة والمحاسبة القانونية والشعبية لكل مشارك فى الحياة السياسية وهو ما يمهد لتداول المواقع والمناصب وفقا للأداء ووفقا لقناعات الناس وتقييماتهم.

من جهة ثانية، يتعين على الأحزاب السياسية، وهى الكيانات الجماعية الموكول إليها فى التنظيم الديمقراطى وفى إطار الدولة الوطنية السعى للوصول إلى السلطة والتنافس فى الانتخابات (عبر قوائم أو عبر نظم فردية) وصياغة الرؤى والبرامج بشأن السياسات العامة وإدارة العلاقات الإقليمية والدولية، الالتزام بمجموعة من الشروط التى تضمن أن لا تنقلب الديمقراطية فى الممارسة إلى ديكتاتورية أغلبية أو ديكتاتورية أقلية أو إلى تفتيت لكيان الدولة والمجتمع أو إلى استبداد مقنع: ١) السلمية والعلنية ونبذ العنف والتحريض عليه فى إطار قبول مبدأ تعددية الحياة السياسية وكون تفضيلات المواطنات والمواطنين هى الفيصل فى تحديد حظوظ الأحزاب ومواقعها فى السلطتين المنتخبتين التشريعية والتنفيذية، ٢) سيادة القانون المتمثلة فى احترام استقلال السلطة القضائية ومبادئ المساواة والعدالة وحيادية الدولة وضمانات الحريات وحقوق الإنسان التى تنص عليها كافة الدساتير والقوانين فى الديمقراطيات والعمل على تفعيلها وترجمتها إلى واقع معاش، ٣) حظر تكوين الأحزاب السياسية على أسس تفرق وتميز بين المواطنات والمواطنين كالعرق والدين والمذهب (وفى الماضى كانت هناك بعض الأحزاب المؤسسة للرجال أو للنساء فقط) وحظر توظيفها للمشاركة فى الحياة السياسية للترويج لذلك، ٤) الشفافية الكاملة لجهة مصادر التمويل وأوجه النشاط والامتناع عن الزج بغير السياسى (الدينى مثلا) إلى السياسة أو بالسياسة إلى غير مساحاتها (دور العبادة مثلا)، ٥) ممارسة الديمقراطية الداخلية عبر الانتخابات الدورية والتجديد المرتبط بها لدماء النخب الحزبية، ٦) الامتناع عن الاستقواء بالخارج ومن ثم تهديد الدولة الوطنية والصالح العام وكذلك الامتناع عن الاستقواء بمؤسسات القوة الجبرية فى المجتمع وبالمصالح الاقتصادية والمالية الكبيرة بغية البقاء فى الحكم بعيدا عن ممارسة ديمقراطية حقيقية، ٧) قبول مبدأ الرقابة والمحاسبة القانونية والشعبية وهو ما يؤسس لإنزال عقوبات جزئية أو كلية بالأحزاب التى يثبت عليها مخالفة شروط المشاركة الديمقراطية، وتننوع العقوبات هذه من الغرامات المالية إلى الحظر المؤقت أو الدائم.

من جهة ثالثة، يقضى التنظيم الديمقراطى بالتزام قوى الضغط وجماعات المصالح، اقتصادية ومالية ونقابية ومجتمع مدنى وجمعيات فكرية وثقافية ودينية، أيضا ببعض الشروط وهي: ١) السلمية والعلنية ونبذ العنف والامتناع عن الترويج للمصالح الخاصة على حساب الصالح العام، ففى هذا نهاية للديمقراطية وتحول لها إلى ديكتاتورية المصالح المسيطرة والأخيرة ترتبط دوما بالقلة، ٢) سيادة القانون التى تحول بين أصحاب المصالح وبين التدخل لإدارة شئون الدولة والمجتمع وفقا لرؤاهم هم السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ولعل هذا هو من أخطر الانحرافات التى تواجه الديمقراطيات فى الممارسة العملية (فى العلوم السياسية دراسات كثيرة تتناول تأثير جماعات المصالح العسكرية ــ الصناعية على الديمقراطية فى الولايات المتحدة وغيرها من الدول الغربية)، ٣) الامتناع عن توظيف شبكات التأثير والنفوذ للترويج لقيم أو ممارسات تتناقض مع الديمقراطية إن على صعيد رفض التمييز أو الزج بالدين إلى السياسة أو تجاوز إطار الدولة الوطنية أو تبرير انتهاكات الحريات والحقوق أو تسخير السياسة لحساب المصالح الخاصة.

فى السياقات الثلاثة، مشاركة المواطن والأحزاب وجماعات الضغط والمصالح لها شروط يتعين علينا التفكير بها والإفادة منها فى مصر لكى لا نكرر كافة أخطاء الماضى البعيد والقريب.

غدا هامش جديد للديمقراطية فى مصر.

عمرو حمزاوي أستاذ علوم سياسية، وباحث بجامعة ستانفورد. درس العلوم السياسية والدراسات التنموية في القاهرة، لاهاي، وبرلين، وحصل على درجة الدكتوراة في فلسفة العلوم السياسية من جامعة برلين في ألمانيا. بين عامي 2005 و2009 عمل كباحث أول لسياسات الشرق الأوسط في وقفية كارنيجي للسلام الدولي (واشنطن، الولايات المتحدة الأمريكية)، وشغل بين عامي 2009 و2010 منصب مدير الأبحاث في مركز الشرق الأوسط لوقفية كارنيجي ببيروت، لبنان. انضم إلى قسم السياسة العامة والإدارة في الجامعة الأميركية بالقاهرة في عام 2011 كأستاذ مساعد للسياسة العامة حيث ما زال يعمل إلى اليوم، كما أنه يعمل أيضا كأستاذ مساعد للعلوم السياسية في قسم العلوم السياسية، جامعة القاهرة. يكتب صحفيا وأكاديميا عن قضايا الديمقراطية في مصر والعالم العربي، ومن بينها ثنائيات الحرية-القمع ووضعية الحركات السياسية والمجتمع المدني وسياسات وتوجهات نظم الحكم.
التعليقات