فى مكان الآخر - أحمد الصاوى - بوابة الشروق
الجمعة 17 مايو 2024 2:32 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

فى مكان الآخر

نشر فى : الخميس 30 مايو 2013 - 8:00 ص | آخر تحديث : الخميس 30 مايو 2013 - 8:00 ص

اسمح لى أن أقول لك كلاما مختلفا فيما يخص السد الإثيوبى وقضية مياه النيل.

 

هل تعرف معنى كلمة الآخر؟ إذا كنت تعرف، هل تدرك وجوده؟ إذا كنت تدرك، هل وضعت نفسك يوما مكانه؟

 

أريد أن أعود بك إلى الجارة الجديدة لأثيوبيا، دولة جنوب السودان.. هل تعرف كيف انفصل الجنوب عن السودان الأم؟ المؤكد أنك ستستغرق فى الحديث عن المؤامرة الصهيونية الاستعمارية لتقسيم السودان وإنشاء دولة جديدة تتحالف مع إسرائيل لخنق مصر، والأرجح أنك تعتقد كما تقرأ هذه الأيام أن سد النهضة الإثيوبى مؤامرة جديدة ومحاولة إسرائيلية لخنق مصر والتحكم فى شريان حياتها.

 

دأب مثقفون عرب كبار على التعاطى مع الجنوبيين الذين ناضلوا لإقامة دولتهم باعتبارهم طابورا خامسا لإسرائيل ليس إلا، قطعا انت تتعجب من وصفى لهم بالمناضلين، تحب أن أقول عليهم متمردين، كما كرس ذلك النموذج الثقافى الرسمى، والحقيقة أنهم مناضلون كما يقتنعون بأنفسهم وكما يراهم شعبهم، وكما يمكن أن تراهم لو وضعت نفسك لحظة مكان رجل فيهم.

 

لأننا مجتمع أحادى التفكير فقد تعاملنا طوال سنوات وسنوات مع قضية جنوب السودان باعتبارها مجرد تمرد انفصالى من عملاء لإسرائيل يرغبون فى ضرب السودان ومشروعه الإسلامى، ومصر وشريانها المائى.

 

لم نقتنع لحظة ان لهؤلاء قضية عادلة وآمال وطنية، وخصوصية دينية وثقافية تستحق الاحترام، ونصيب مفترض فى الوطن يستحق أن يرونه أمامهم فى صورة تنمية عادلة، لم نر بوضوح حقيقة معاناتهم فى وطن يزدريهم ثقافيا وعرقيا ودينيا، ويتركهم للفقر والبدائية، ونظرنا لهم وكأنهم كانوا غارقين فى النعيم وتركوا كل هذا وهرولوا خلف الأجندات الغربية لتنفيذها بالوكالة.

 

عندما لم نر الآخر فى جنوب السودان واستسهلنا حديث المؤامرات، فقدنا أرضية الحوار المناسبة واللازمة ومهدنا الأرض للانفصال، ولنجاح اى مؤامرات.

 

كذلك فى مواجهة السد الإثيوبى، لم يتحدث أحد عن التطلعات المشروعة للشعب الإثيوبى فى التنمية والرفاة، ولا عن اتفاق مجحف فرضه الاستعمار على دول حوض النيل كما ترى ذلك، ولا عن تطلعات وطنية لهذه الشعوب،

 

فقط اختزلنا الأمر فى المؤامرة وكأن دولة كبرى مثل إثيوبيا ستبنى سدا ضخما بمعونات واستدانات ومنح، فقط لتخدم إسرائيل وتحقق لها مصالحها فى المواجهة مع مصر، وكأن الإثيوبيين مجرد تابعين بلهاء لإسرائيل.

 

عندما تضع نفسك مكان الآخر ربما تجد إجابات لمعنى السد بالنسبة لإثيوبيا اقتصاديا وتنمويا ووطنيا، ستعرف انه ينظر لك باعتبارك وصاية استعمارية كما كنت تنظر أنت للاستعمار من قبل، وستعرف أنه له تطلعات تخصه هو وتخص شعبه ولا تخص إسرائيل ولا غير إسرائيل، وعندما تتفهم كل ذلك ستصل الى الأرضية المشتركة التى ينطلق منها الحوار، سيكون بإمكانك تبديد إحساس الوصاية المتكرس هناك الى حالة شراكة تنطلق من تقدير طموحات الشعوب والدراسة المشتركة لأفضل السبل لبلوغها دون إضرار بالآخرين.

 

أنت تراه مجرد تابع لإسرائيل.. وهو يراك معوقا لتطور شعبه، وحجر عثرة أمام مستقبل ٨٠ مليونا يعيشون حيث تأتيك ٨٥٪ من حصتك المائية، والحل أن تتفهم دوافعه وتقدر وطنيتها دون أن تربطها بأجندات أخرى، وتقنعه أنك لا تكره له الخير ولا تعرقل له النمو، وأن لك مخاوف، كما أن له مخاوف، وأنك لا تنوى أن تعيش على حساب آمال وتطلعات وأحلام شعوب أخرى، لكنك لن تسمح أن يبنى أحد أحلام عيشه على حساب حقك فى الحياة.

 

الاستعلاء لن يجلب حلا.. والخيار العسكرى قد يعطل ما يجرى لسنوات، لكنه سينتج أجيالا جديدة من الإثيوبيين لديهم إصرار أكبر فى المرة القادمة، يتمترس فى داخلهم إحساس الظلم ولا يرونك سوى فى صيغة وصى استعمارى متجبر تستحق كل مقاومة وتنغيص.

 

العيش المشترك العادل هو الحل دائماً.. داخل الوطن وعلى ضفاف النهر أيضاً.

أحمد الصاوى كاتب صحفي
التعليقات