بتاريخ حضارتها الممتد لآلاف السنين، واحتضانها وتفاعلها مع الثقافات المحيطة الأخرى، أصبحت مصر أشبه بلوحة فنية بديعة من مكونات عمرانية وعادات أصبحت تشكل تراثًا ثريًا وأصيلًا.

وراء ذلك عقول بشرية صنعتها، ليكون من الجدير بها أن يطلق عليها لقب "اللي بنى مصر"، وتحت هذا العنوان، سنعرض في حلقات مسلسلة بعض ملامح سيرة من شكّلوا لمصر وجهها الحضاري العظيم وتراثها الملهم، وذلك على مدار أيام شهر رمضان المبارك.

وإلى الحلقة الثامنة..

تفرد معظم الصحف المحلية والعالمية صفحة مستقلة للرياضة، يتابعها الكثيرون من محبي ومشجعي الرياضة بوجه عام، وكرة القدم بوجه خاص.

وعند الحديث عن "صفحة الرياضة" في تاريخ الصحافة المصرية، لا يغيب ذكر رائدها "نجيب المستكاوي"، الذي بدأ حبه للرياضة بممارسته كرة القدم في مدارس طنطا، ثم بفريق كلية الحقوق جامعة القاهرة، ليعمل بعد تخرجه في وزارة الشؤون الاجتماعية، بحسب وكالة أنباء الشرق الأوسط.

وعند بداية موهبة الكتابة الرياضية لدى المستكاوي، يقول الكاتب عمر طاهر في كتابه "صنايعية مصر"، إن "المستكاوي كان يحضر صالون عميد الأدب الدكتور طه حسين، رفقة زوج شقيقته المترجم جودت عثمان؛ ما ساهم في بناء محصلة أدبية كبيرة لديه، ومن تلك، أسس المستكاوي مهنة جديدة تماما على المجتمع المصري، هي (النقد الرياضي)، تم صب قواعدها على خرسانة أدبية متينة، وسُقيت بذائقة فنية رفيعة".

وعن ظروف توجهه للعمل بالصحافة، يروى طاهر، أن "المستكاوي كان مسؤولا عن اللجنة الرياضية داخل وزارة الشؤون الاجتماعية، وكان يتلقى باستمرار أسئلة مندوبي الصحف، وكان تكرار الإجابات يصيبه بالملل الشديد؛ ما دفعه لفكرة أن يكتب بيانا بكل المعلومات التي من الممكن أن يتلقى أسئلة بشأنها، ووزعه على الصحفيين".

ومن هنا لعب القدر دورا في ميلاد "صفحة الرياضة" بالصحافة المصرية؛ إذ كان من بين الصحفيين الذين تلقوا بيان المستكاوي، كمال نجيب (المسؤول عن المربع الصغير المخصص للرياضة بالأهرام)، الذي أُعجب بأسلوب المستكاوي، ليسحبه من يده ويقدمه لـ"بشارة تقلا" صاحب جريدة الأهرام وقتها.

وأُعجب تقلا هو الآخر بأسلوب وفكرة المستكاوي، ليقول له: "من الآن، معك صفحة كاملة فانظر ماذا ترى"، ويرى المستكاوي أن "النجاح لا يمكن أن يتم بشكل فردي"، ويقرر أن يشكل فريق عمله بنفسه، الذي كان في نظره يجب أن يضم الرياضيين ويتعلموا الصحافة، وشكّل فريق تحريره من حكم الكرة والملاكمة وبدأ العمل.

ويتابع طاهر، أن "الفكرة لاقت نجاحاً كبيراً، وبدأت الإعلانات تغزو صفحة الرياضة، ونقلت بقية الصحف التجربة، لتصير من بعدها عرفا إلى يومنا هذا، كانت بدايته على يد نجيب المستكاوي، الذي ورثه في المهنة، ابنه الناقد الكبير حسن المستكاوي (أحد كتاب جريدة الشروق وعضو مجلس تحريرها)".

وغداً نلتقي في حلقة جديدة..