أورهان باموق فى كتابه «ألوان أخرى» يشرح كيف تخلص من بعض كتبه؟ - بوابة الشروق
الإثنين 29 أبريل 2024 11:06 ص القاهرة القاهرة 24°

الأكثر قراءة

قد يعجبك أيضا

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

أورهان باموق فى كتابه «ألوان أخرى» يشرح كيف تخلص من بعض كتبه؟

شيماء شناوى
نشر في: الجمعة 12 أبريل 2019 - 11:28 م | آخر تحديث: الجمعة 12 أبريل 2019 - 11:28 م

الشعور بالملل حتى الجنون يجعلنى أكتب جيدًا

 

«الأدب هو موهبة أن نحكى حكايتنا الخاصة كما لو كانت تخص آخرين، وأن نحكى حكايات الآخرين كما لو كانت حكايتنا الخاصة»، صاحب هذه العبارة هو الكاتب التركى العالمى أورهان باموق ــ «1952» ــ والفائز بجائزة نوبل فى الأداب عام «2006»، والذى كُتب عنه: «سطع نجم جديد فى الشرق.. جاء ليعلمنا فن كتابة الرواية الحقيقية»... إنه «باموق» صاحب العدد الكبير من المؤلفات المهمة والممتعة فى آن واحد، ومنها: «جودت بيك وأبناؤه» و«اسمى أحمر» و«ثلج» و«غرابة فى عقلى» و«الكتاب الأسود» و«متحف البراءة» و«إسطنبول الذكريات والمدينة»، و«ذات الرداء الأحمر»، و«البيت الصامت»، وغيرها من المؤلفات الأخرى، التى تُرجمت إلى أكثر من 63 لغة حول العالم، كان من بينها اللغة العربية وصدرت عن «دار الشروق»، وباعت أعماله فوق 11 مليون نسخة.
وكما لاقت روايات «باموق» شهرة واسعة، نال كتابه النثرى «ألوان أخرى.. قصة جديدة ومقالات» شهرة مماثلة، بعدما قدم «باموق»، من خلاله شذرات من حياته، ومقالات متفرقة تتضمن مشاهدات وانطباعات من حياته الشخصية، حيث يبدأ الفصل الأول من كتابه بمقالة أسماها «الحياة والقلق»، وفيها يتحدث عما يمكن تسميته بـ«كواليس الكتابة»، قائلا: «لكى أكتب جيدا، لابد أولا أن أشعر بالملل حتى الجنون، ولكى أشعر بالملل حتى الجنون، لا بد أن أدخل فى الحياة، فعندها أستسلم بلا وعى لرياح الكتابة، التى أبحر فيها، وقد وضعت خططا وأقساما لرحلتى، وقررت أية موانئ ستزورها سفينتى، وأية أحمال ستحملها، وما هو وقت رحلتى، ورسمت بيانا بمسارها، ليتابع: ولو أن الريح هبت من مناطق غير معلومة وملأت أشرعتى، وقررت تغيير اتجاه قصتى، فلن أقاوم، ففى النهاية سوف تهدأ الريح وأنا سوف أجد نفسى وقد هدأت فى مكان لا يتحرك فيه شىء، لكنى سوف أشعر بأن هناك أشياء فى هذه المياه الهادئة والضبابية سوف تدفع ــ إن تحليت بالصبر ــ الرواية إلى الأمام».
ومن مقالته «الحياة والقلق» يصطحب «باموق» قارئه ليعرفه على جزء آخر من حياته، وفيه يحكى له عن والده، مختارا أن يبدأ الحديث من حيث النهاية وهى لحظة الرحيل، ليخبره: أن تلك اللحظة كانت أول طعنة حقيقة للألم يتلقاها، وليعود به بعد ذلك بتقنية الـ«فلاش باك» حول صفات والده ووسامته وتفاؤله الدائم، ولحظات نجاحه وإخفاقاته المهنية، وكيف كان الآخرون يرون فى «باموق» الابن الأكثر شبها بوالده، ثم تمرده الدائم على تلك الصورة، حتى لا يجد نفسه نسخة مكررة من والده، وأنه دائما ما كان يقول لنفسه «من فضلك لا تجعلينى مثله»، لكنه فى النهاية يعترف بالحقيقة وأنه أصبح يشتاق لأن يكون أكثر شبها به.
يستكمل «باموق» أحاديثة الخاصة فى الكتاب فنجده يتحدث عن ابنته «رؤيا» ومدى ارتباطه بها، كما يتحدث عن ذكرياته فى مدينته «إسطنبول»، وعن نشاطه السياسى، والاتهامات التى وجهت إليه بإهانة تركيا علنا، وإهانة «مصطفى كمال أتاتورك» وهى الشخصية شبه المقدسة عند الأتراك، والتهديدات بالقتل التى تلقاها، بعد تصريحه بأن هناك «مليونا من الأرمن وثلاثين ألفا من الأكراد قد قتلوا فى تركيا»، كما يتحدث عن نوارس الشاطئ، وعن كيفية إقلاعه عن التدخين، وعن علاقته بساعة اليد وارتباطه بها منذ الصغر للدرجة التى يشعره فيها أنها جزء من جسده، وكيف يمكن للإنسان أن يعيش سعيدا، وغيرها من الانطباعات الخاصة حول المكان والزمان والأشياء والأشخاص.
وفى مقالته بعنوان «الكتب والقراءة» يصف صاحب نوبل، كيف كانت قراءة الكتب هى سبيل عزائه فى اللحظات التعسة، ووسيلة للتخلص من اليوم المدرسى الممل، وكيف أنها صارت طريقه إلى المتعة، التى تنتابه لمجرد إحساسه أن هناك كتابا بالقرب منه، وأن هذا الكتاب سيساعده على التخلص من اللقاءات المضجرة التى كانت تفرض عليه، لتمنحه نوعا من «الهروبية» من واقعه إلى عالم أكثر رحابة وسعادة فى الخيال، كما يضم الفصل حديثا عن مكتبة «باموق» الشخصية وانطباعاته عن بعض المؤلفين والنصوص الأدبية، والكتب التى عَلِقَتْ بذهنه واستحوذت عليه بدءا من «ألف ليلة وليلة» وروايات الأيرلندى «لورنس ستيرن» فى روايته «حياة وآراء تريسترام شاندى»، والروائيين الآخرين أمثال «فيكتور هوجو»، و«دستويفسكى» و«نابوكوف»، و«ألبير كامو»، والنمساوى «توماس برنهارد»، والإسبانى «خورخى ماريو بيدرو فارجاس يوسا» و«سلمان رشدى» وآياته الشيطانية، « وآرثر ميللر»،و «أندريه جيد»، وغيرهم، وكذلك مدى تأثير هذه الكتب وعوالمها عليه، ليؤكد أن المؤلفات العظيمة هى التى تفتح عين القارئ على أشياء هو يعرفها بالفعل لكنه لا يستطيع قبولها ببساطة، وذلك لأنه لا توجد مؤلفات عظيمة قد فتحت عينك عليها بعد.
كما يسرد «باموق» قدرة القراءة على جعله يكتشف نفسه ويعى ذاته، وبأن الكلمات مثلها مثل المياه أو النمل، لا شىء يمكنه أن يتخلل الشقوق والحفر والفجوات الخفية للحياة بسرعة وبعمق كما تفعل هى، مشيرا إلى أن المتعة التى يشعر بها ممتزجة دائما بالكتاب كشىء مادى، وحمله كما لو كان تميمة يمكن أن تجلب له السعادة، فيقول عن ذلك: «عندما كنت أذهب إلى أماكن لن يكون لدى وقت للقراءة فيها، كنت أفتح كتابى على صفحة عشوائية، وأقرأ فقرة، فأشعر بالهدوء، واليوم تمنحنى صفحات الكتاب وغلافه سعادة بقدر الكلمات نفسها، لقد منحنى الكتاب كثيرا من السعادة مثلما منحتنى قراءته، ففى النهاية الكتاب المدهش جزء لا يتجزء من حياتنا ومن العالم حولنا، يقربنا من معنى الحياة؛ فهو يمنحنا السعادة التى لا نجدها أبدا فى الحياة، ليقدم لنا فرحة مستمدة من معناها».
وعلى الرغم من عشقه للكتب، يتحدث صاحب نوبل، فى مقالته بعنوان: «كيف تخلصت من بعض كتبى» ليروى أن الأمر الضرورى بالنسبة له ليس فى امتلاك الكتب الجيدة، وإنما فى كتابتها، واصفا كيف تخلص من بعض كتبه بوعى تام، وكأنه سلطان يسير بين حشد من العبيد، يختار منهم الأفراد الذين سيتم جلدهم، أو كأنه مثل رأسمالى يشير إلى الخدم الذين سوف يتم التخلص منهم، ليحكى كيف كان يقوم بعمل اختيار بسرعة وبلا إبطاء، مشيرا إلى أن هذا الفعل أشعره بالتحرر مستشهدا بقول «فلوبير» وهو: «أن من يقرأ 10 كتب باهتمام كافٍ سوف يصبح من الحكماء»، وليعترف أن من بين 12000 إلى 15000 كتاب بمكتبته فهو يحب من 10 إلى 15 كتابا فقط.
وعن مؤلفاته وكواليس كتابتها، يفرد باموق فصلا فى كتابه بعنوان «كتبى هى حياتى» يتحدث فيها عن تلك الكتابات، وبداية خيط الحكاية، وإلى أين قادته الشخصيات الروائية فى النهاية، وكم استغرق من الوقت لاستكمالها، وفى أى مكان بدأها وفى أى بناية أنهاها، ليعرج من الحديث عن كتبه إلى الحديث عن مشاهد من عاصمة العالم، يصف فيها كيمياء المدن العظيمة، والدراما المثيرة لشوارعها.



قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك