إدارة المركزى للدولار مؤلمة ولكن صحيحة - عمرو عادلى - بوابة الشروق
السبت 20 أبريل 2024 4:24 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

إدارة المركزى للدولار مؤلمة ولكن صحيحة

نشر فى : الخميس 1 أكتوبر 2015 - 4:15 ص | آخر تحديث : الخميس 1 أكتوبر 2015 - 4:15 ص

تعيش مصر أزمة عملة غير معلنة منذ عدة شهور. فعلى الرغم من نجاح إجراءات المركزى القاضية بوضع سقف للإيداع اليومى والشهرى فى تضييق الخناق على السوق السوداء، وتوحيد السعر الفعلى للصرف إلا أن هناك مشكلة ملموسة يواجهها المستوردون والمصنعون والمنتجون بشكل عام فى توافر الدولار من الأساس، خاصة فى ظل اقتصار تمويل البنوك لعمليات استيراد السلع الأساسية من غذاء وقود، وعدم توفير الدولارات اللازمة لاستيراد السلع التى لا تعد «ضرورية»، وهو أمر انعكس بالفعل على النشاط الاقتصادى فى قطاع حيوى كالصناعة خاصة إذا أخذنا فى الاعتبار أن أكثر من ثلثى الواردات المصرية التى تقدر بنحو ٦٠ مليار دولار سنويا من مدخلات الإنتاج سواء من الخامات أو السلع الوسيطة والرأسمالية.

إن سياسة البنك المركزى فى إدارة سعر الصرف والاحتياطيات الدولارية ولا شك مؤلمة، ومنعكسة سلبا على خطط الحكومة لإعادة إطلاق الاقتصاد، وذلك لأنها من ناحية ترفع تكلفة الوصول لمدخلات الإنتاج، إذا كان من الممكن توفيرها أصلا، ومن ناحية أخرى تخلق حالة عامة من الترقب حول مستقبل سعر الصرف ما يرفع المخاطر المتعلقة بتحويل العملة فى ظل تكهنات بتخفيضات مستقبلية لسعر الجنيه فى مقابل الدولار كما تردع إجراءات المركزى فى إدارته لأزمة النقد الأجنبى المستثمرين الأجانب الذين يخشون من مواجهة أزمة عملة تحول دون توفير مدخلات الإنتاج اللازمة أو مواجهة مشكلات فى تحويل أرباحهم للخارج. ومن هنا فالانتقادات التى وجهها وزير الاستثمار خلال مؤتمر اليورومونى الأخير لسياسة المركزى الدولارية على أساس أنها تمضى بشكل معاكس لجهود الحكومة لجذب الاستثمارات الأجنبية وإطلاق معدلات النمو فى محلها، إذ إن هذه السياسة بالفعل مؤلمة ولكنها سليمة فى التوقيت الحالى وينبغى فهم هذا.

***
تقوم سياسة البنك المركزى على الحفاظ على الاحتياطيات الدولارية لديه بتخفيض الإنفاق منها قدر الإمكان، وقد اشتمل هذا على عدة خطوات بدءا من تخفيض الجنيه التدريجى ولكن المتسارع فى مواجهة الدولار، واتخاذ إجراءات من شأنها تحويل السيولة الدولارية من السوق السوداء إلى القطاع المصرفى مع إصدار تعليمات للبنوك بقصر تمويل الواردات على السلع الأساسية من وقود وغذاء، وهو ما صب فى اتجاه المركزى لإدارة سياسة مصر التجارية على نحو فعلى بكبس الواردات والتقليل من معدلات نموها المتسارعة، والتى تترجم إلى عجز فى ميزانى التجارة والمدفوعات ومن ثم ضغط على الاحتياطيات الدولارية. وهنا تقع تماما مشكلة أن سياسة المركزى تدفع الاقتصاد نحو الانكماش فى حين تعلن الحكومة أن سياستها ترمى إلى التوسع فى تمويل المشروعات القومية الكبرى بجذب رءوس أموال أجنبية ومحلية ترفع معدلات النمو والاستثمار.

تقوم سياسة البنك المركزى على قراءة معينة للظرف الاقتصادى العالمى والإقليمى مفاده أن الاقتصاد العالمى قد بدأ جولة جديدة من التباطؤ، علما بأن الاقتصاد العالمى لم يتعاف قط من صدمة الأزمة المالية فى نهاية ٢٠٠٨ وحتى يومنا هذا، ولكن هذه المرة يشهد العالم تباطؤا فى الصين، وهى السوق التى قادت الاقتصاد العالمى بعيدا عن الركود منذ ٢٠٠٩ ورفعت أسعار المواد الخام العالمية وقتها وخاصة البترول والغاز الطبيعى، ومع تفاقم أزمة الديون السيادية فى أوروبا، وقد انعكست توقعات التباطؤ هذا على انهيار أسعار البترول العالمية بمقدار الثلثين تقريبا دون وجود توقعات فى المدى القريب لمعاودة الارتفاع، وقد انعكس انخفاض أسعار البترول على الصادرات المصرية، والتى لا يزال يمثل الزيت الخام منها نحو ٤٠٪، وعلى قدرة البلاد على جذب استثمارات أجنبية فى قطاع الاستخراج، علما بأن نصيب قطاع البترول والغاز من الاستثمارات الأجنبية فى العقدين الماضيين وقف عند الثلثين من الإجمالى، ومن المتوقع أن ينعكس انخفاض أسعار البترول كذلك على قدرة البلدان الخليجية الحليفة على تمويل معونات أو استثمارات فى مصر، وهى المعول عليها كثيرا منذ مؤتمر شرم الشيخ فى مارس الماضى، وأخيرا وليس آخرا من المنتظر أن يؤثر انخفاض أسعار البترول والتباطؤ فى الاقتصاد العالمى على صادرات مصر الخدمية التقليدية والمتمثلة فى إيراد قناة السويس وتحويلات العاملين بالخارج.

***
وقد ظهر بالفعل مطلع السنة الميلادية الحالية أن الواردات تنمو بمعدل أعلى من الصادرات، وأن الفجوة التمويلية التى يواجهها الاقتصاد المصرى فى اتساع، وأن القدرة على إعادة بناء الاحتياطيات الدولارية مشكوك فيها مع عدم معاودة قطاع السياحة للنمو (وجزء من هذا نتيجة انخفاض أسعار البترول وأثرها على السياح الروس وهم أصحاب أكبر نصيب من السياحة الوافدة فى مصر بالإضافة لأزمة الديون السيادية فى أوروبا)، ومن هنا فإدارة المركزى كانت إدارة لأزمة مصدرها هو استشراف لتباطؤ عالمى يستوجب الحفاظ على احتياطيات مصر الدولارية لتمويل الأساسيات.

وسواء صدق حدس البنك المركزى وطالت الأزمة العالمية أم خاب ظنه، ونأمل جميعا ذلك، فإن حزمة القرارات التى اتخذها المركزى فى محلها من منظور حكومى، وإن كانت تخالف توقعات القطاعات الإنتاجية، وتخلق درجة من التناقض فى سياسات الدولة، إلا أن لها ما يبررها، ولعل النقد الأساسى الذى يوجه لإدارة البنك المركزى تنصب على أمرين: أولهما هو غياب استراتيجية للعلاقات العامة والإعلام تشرح للجمهور وخاصة فى القطاع الخاص مخاوف البنك المركزى ومنطق السياسة التى يتبعها، وهو أمر سيكون له أثر التخفيف من المخاطر وعدم اليقين الذى يكتنف سياسة مصر النقدية، وثانيهما هو المزيد من الشفافية حول سياسة سعر الصرف بما يقلل من مخاطر تحويل العملة، مع مراعاة بالطبع ألا يكشف المركزى أوراقه أمام المضاربين على نحو يفاقم من أزمة الدولار.

 

التعليقات