الميزان المُنصِف فى بناء الموقف - سيف الدين عبدالفتاح - بوابة الشروق
الإثنين 6 مايو 2024 7:02 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الميزان المُنصِف فى بناء الموقف

نشر فى : السبت 2 نوفمبر 2013 - 7:00 ص | آخر تحديث : السبت 2 نوفمبر 2013 - 7:00 ص

من القضايا المهمة فى وضع الالتباس والذى ترسخ وتراكم فى وضع الاستقطاب والانقسام مما أدى لتشوه إدراكات الناس بشكل عام، وقام الإعلام المصرى فى كثير من أوعيته بدور ليس فقط فى مزيد من صناعة الكراهية ولكن كذلك فى تراكم حالة الالتباس وما ترتب عليها من بناء مواقف تتناقض فى مبناها وتتنافر فى معناها لتشكل حالة من الازدواجية المقيتة، والتى تجمع فى الشخصية الواحدة بين الرأى ومضاداته والحجة ونقيضها، ومن المؤسف حقا أن يحدث ذلك الانفصام إلى الدرجة التى تتعدد فيها المعايير وتختلف المواقف فى ظل اختفاء الميزان الذى يحقق معانى الإنصاف والعدل فى الحكم على مسار الأحداث وعالم الأشخاص وكذلك عالم الأفكار، وربما فى هذا المقام نتذكر مقولة للإمام على بن أبى طالب «لا تعرف الحق بالرجال، اعرف الحق تعرف أهله»، حينما يكون هذا الالتباس بعد الحالة الانقلابية بما امتلكته من خطاب أرادت أن تشيعه رغم ضعف الحجة فيه بل وتناقضها.

وفى هذا المقام اختلطت الرؤى وتناقضت المواقف على صعيد واحد، وبدت الأمور فى حالة من التماهى بين أهداف الثورة الحقيقية فى الخامس والعشرين من يناير ومقولات الخطاب الانقلابى فيما بعد الثالث من يونيو، وفى هذا المقام يكون علينا أن نحدد وفق معايير محددة تتمثل فى مثلثين يشكلان مضمون «الثورى» الحقيقى الذى يقف مع ثورة 25 يناير وأهدافها ومكتسباتها ومصر الجديدة التى نريدها على قاعدة من هذه الثورة المباركة فى استعادة كرامة المواطن ومكانة الوطن.

المثلث الأول وهو مثلث «لا»: وتتكامل فى أضلاعه ثلاث «لاءات» تشكل بناء الموقف السلبى الذى يحمل معنى الدفاع عن المدنية والذى يشير إلى مقولة أساسية «لا لحكم العسكر، الجيش يعود إلى ثكناته، مجال السياسة لا يصلح للجيش ولا يصلح الجيش له» هذا الأمر يشير إلى قاعدة أساسية تتعلق بالتزام القوات المسلحة بوظيفتها وأدوارها الحقيقية فى حماية الحدود والوجود.

أما «لا» الثانية: فإنها تتعلق بلا لعودة نظام مبارك المخلوع بكل ما يحمله ويمثله من شبكات الاستبداد والفساد التى طالت الدولة وأحكمت ما يمكن تسميته بعناصر الدولة الأمنية القمعية؛ إن كل من شارك فى إرساء شبكات الفساد والاستبداد لا يمكنه أن ينتسب لثورة قامت فى أهدافها لمقاومة هذا النظام فى تحالفاته الاجتماعية ومصالحه الأنانية التى ارتبطت بهذه المنظومة، لا يعقل أن من ينتمى إلى الثورة المضادة ومصالحها أن يكون جزءا من ثورة حقيقية وأهدافها.

أما «لا» الثالثة: فإنها تتعلق بـ«لا» لاستدعاء الخارج، أو استعدائه، أو الاستقواء به؛ ذلك أن هذه الثورة المباركة فى الخامس والعشرين من يناير قد أكدت من خلال الثمانية عشر يوما وفى تلاحم نخبة من قاموا بها وعليها، لم يتمكن الخارج من أن يكتب سطرا واحدا فى كتاب هذه الثورة، وغاية الأمر فى هذا المقام أن نؤكد على سنن ماضية فى علاقة الداخل بالخارج؛ ذلك «أن الخارج لا يتمكن من الداخل إلا بمقدار ما يمكن له الداخل»؛ قواعد أساسية وقوانين مرعية لا بد أن نعتبر بها ونعمل من خلالها، إن أى استدعاء للخارج لا يعنى إلا انتقاصا من هذه الثورة التى قام بها هذا الشعب العظيم استنادا إلى إرادته الذاتية وقدراته وإمكاناته الداخلية، أُسقط مبارك المخلوع رغم تحالفاته الإقليمية والدولية التى ارتكن إليها لكن هذه الثورة أجبرته على التنحى.

المثلث الثانى يحمل بناء الموقف الايجابى يحمل معانى «نعم» فيما يتعلق بالتأكيد على ضرورة الدفاع عن حقوق الإنسان الأساسية والتأسيسية وحريات التعبير والاحتجاج والحقوق الأساسية فى حرمة النفوس فى مواجهة إزهاق الأرواح واعتقال الأشخاص وتكميم الأفواه؛ إنه معيار حقيقى يتعلق بالدفاع عن حق الإنسان بكونه إنسانا من غير صفة أو تصنيف أو عنوان، إن حقوق الإنسان لا تفرق فى هذا المقام بين وصف هذا بالإخوانى أو وصفه بالليبرالى أو وصفه بالقومى أو اليسارى فكلها أوصاف حادثة تأتى بعد الحفاظ على كيان الإنسان وممارسته لحقوقه الأساسية فى الحفاظ على حياته وعلى معاشه وعلى كرامته وحريته وحقه فى التعبير عن آرائه وأفكاره.

أما المعنى الثانى الذى ينطلق إلى «نعم الإيجابية» فإنه يتعلق بحق الشهيد والقصاص والذى يعبر عن حق أساسى يتعلق بعموم الناس، كما يتعلق بحقوق المجتمع ونظامه العام (ولكم فى القصاص حياة)، إن حق القصاص لا يجوز التنازل عنه من أى كائن كائنا من كان القصاص كحق للدم ليس إلا لولى الدم، الرؤية التى تتعلق بحق الشهداء يجب أن تكون منتظمة فى سلك استراتيجية للعدالة الانتقالية التى تنتصف للحقوق وتؤكد على إصلاح المؤسسات التى انتهكت شأن العدالة وجوهرها.

أما «نعم» الثالثة فإنها تشير إلى مشروع الجماعة الوطنية الذى يحافظ على تماسك هذه الجماعة، يرسخ لها معانى اللحمة والتماسك ويدفع عنها أضرار الفرقة والانقسام والاستقطاب وأى أمر ما من شأنه أن يفتت هذه الجماعة أو يؤدى بها إلى حافة الاحتراب الأهلى الذى يشكل خطورة كبيرة على بنية المجتمع وشبكة علاقاته الاجتماعية والمجتمعية فضلا عن العلاقات بين مؤسسات المجتمع وسلطاته، وتأمين مستقبل مصر السياسى الذى يقوم على قاعدة من مسار يحترم التعددية ويؤصل معنى إدارة التعدد والاختلاف، ضمن قاعدة ذهبية تتعلق بفن الخروج من الاختلاف إلى الائتلاف.

كما بدأنا فى صدر هذه المقالة بمقولة للإمام على بن أبى طالب عن ميزان معرفة الحق بالجوهر الذى يشير إليه لا بالشخوص التى يظن الناس أنها تمثله له، فإننا نؤكد على تلك المعايير المتنوعة والتى ترتبط بثورة 25 يناير وأهدافها والتى حددناها فى «مثلث لا» و«مثلث نعم»، أن البعض فى مقام الالتباس هذا قد يدس فى هذا الشأن البعض ممن لا يلتزم بهذه المعايير فيدخله فى مشهد تلك الثورة والتى كانت الحالة الانقلابية كاشفة فارقة فى هذا الشأن، حتى لو ظن البعض قلة هؤلاء الذين يلتزمون بمعايير هذين المثلثين؛ نقول لكل هؤلاء «لا تستوحشوا طريق الحق لقلة سالكيه»؛ إنه «الميزان المنصف فى بناء الموقف».

سيف الدين عبدالفتاح أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة
التعليقات