الرئيس القادم - خالد الخميسي - بوابة الشروق
الإثنين 6 مايو 2024 11:02 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الرئيس القادم

نشر فى : الأحد 4 مارس 2012 - 8:00 ص | آخر تحديث : الأحد 4 مارس 2012 - 8:00 ص

يسألوننى من سوف يربح فى الانتخابات؟ فيكون ردى دائما «من يمتلك أكبر قدر من الأموال لحملته الانتخابية». هكذا تم ضبط نظام الديمقراطية التمثيلية من أئمة المؤسسات المالية التى تدير دفة الحكم فى العالم لكى تستمر فى سيطرتها على مقدرات الكوكب. هكذا تم تطوير العمل السياسى ليصبح عملا تسويقيا بحتا، مثله مثل تسويق أى سلعة، هكذا نوجد بكفاءة تزاوج المال والسلطة السياسية، هكذا يصبح البترودولار فى المنطقة العربية صاحب السيادة فى فرض السياسات الوهابية، وتصبح الجزيرة هى سيدة الأمر والنهى. هكذا يصبح الساسة تحت أمر من يدير البنوك وشركات التأمين وشركات البترول والشركات عابرة القارات.


هذا ما حدث فى الانتخابات التشريعية المصرية، وهذا ما سوف يحدث فى الانتخابات الرئاسية القادمة. وهذا ما يحدث فى العالم. فعلى سبيل المثال تكلفت حملة أوباما الانتخابية عام 2008 أربعة مليارات وأربعمائة مليون جنيه (أقوم بعملية تحويل العملة بسعر صرف اليوم)، وتكلفت حملة جون ماكين منافسه الجمهورى مليارين واثنين وثمانين مليون جنيه. أى أن أوباما صرف أكثر من ضعف ما صرفه منافسه ففاز أوباما فى الانتخابات. وتوقع الخبراء أن تتكلف حملة أوباما هذا العام أكثر من ستة مليارات جنيه. وفى روسيا يدخل فلاديمير بوتين فى شهر مارس من هذا العام سباق الانتخابات الرئاسية الروسية وعلى الرغم من عدم توفر أرقام دقيقة لتكلفة حملته الانتخابية أو تكلفة حملة منافسيه إلا أن الخبراء يتوقعون ارتفاعا كبيرا جدا فى تكاليف الحملات الرئاسية هذا العام، ويدخل بوتين السباق فى أجواء معادية، ولذلك من المتوقع أن يتم صرف مبلغ يتخطى بأرقام فلكية تكاليف الحملات الرئاسية الروسية السابقة.

 

وفى ألمانيا (ووفقا لمصادر عام 2006) تبلغ الميزانية السنوية للحزب الديمقراطى الاجتماعى مليارا وأربعمائة مليون جنيه. كما تبلغ الميزانية السنوية لحزب الاتحاد المسيحى الديمقراطى مليارا ومائتين وأربعين مليون جنيه. ثم وبعيدا جدا عن هذه الأرقام يأتى الحزب الثالث بميزانية سنوية تبلغ ثلاثمائة وثمانية وعشرين مليون جنيه. فماذا تكون النتيجة؟ يحصد الحزبان اللذان يمتلكان أكثر من خمسين فى المائة من إجمالى ميزانيات الأحزاب مجتمعة على نسب تراوحت من خمسة وخمسين فى المائة إلى تسعين فى المائة من نتائج الانتخابات التشريعية الألمانية منذ عام 1949 وحتى الآن.

 

وفى فرنسا يخوض المتسابقون على منصب الرئاسة هذا العام السباق وهم مقيدون بما حدده القانون الفرنسى كحد أقصى لتكلفة الحملة الانتخابية الرئاسية للمرحلتين الأولى والثانية بقيمة مائة وستة وسبعين مليون جنيه للمتسابق الواحد. وتقوم «اللجنة الوطنية لحسابات تكاليف الحملات الانتخابية وميزانيات الأحزاب الفرنسية» (التى تعتبر سلطة إدارية مستقلة) برقابة تكلفة حملة كل متسابق. ولكن هناك تأكيدات أن المتسابقين على الرئاسة يحصلون على أرقام مالية غير معلنة تساهم فى فوز مرشح دون الآخر. ويدور الحديث عن الدعم المالى الذى تلقاه ساركوزى من ليليان بيتونكور مالكة شركة «لوريال» فى الانتخابات السابقة.

 

●●●

 

سوف يشهد عام 2012 حملات انتخابية رئاسية فى العديد من دول العالم. ولسوف تختلف السياسات التسويقية لهذه الحملات الرئاسية حسب كل مكان. فالتسويق قائم على دراسة «الزبون» وكيفية التعامل معه. فما سوف يتم فى فرنسا هذا العام لا يمكن تطبيقه فى الولايات المتحدة أو فى روسيا أو فى مصر. ولكن تظل المنهجية التسويقية هى الحاكمة. أما فى مصر فلسوف يعلو صوت البروباجاندا أثناء الحملات الرئاسية. والبروباجاندا تعنى سياسيا «الترويج»، واقتصاديا «الدعاية»، ودينيا «التبشير». وتنطبق الكلمات الثلاث على ما سوف نتجرعه خلال الشهور القادمة من عذابات. والترويج والدعاية والتبشير لهؤلاء الذين سوف يقتحمون حلبة السباق يحتاج إلى ميزانيات ضخمة لإقناع الشعب المصرى ـ الذى أدرك المهزلة السياسية المتكاملة الأركان التى نعيشها ـ للذهاب إلى صندوق الاقتراع. فبعد أن أقبل المصريون على الانتخابات التشريعية، امتنعوا عن الذهاب إلى انتخابات مجلس الشورى. أدرك عدد كبير من المصريين أن لا جدوى للاشتراك فى انتخابات فى ظل عدم وجود لقوانين منظمة للحياة السياسية. كيف يمكن انتخاب رئيس جمهورية دون دستور يحدد نظام الحكم الذى سوف يمارس هذا الرئيس الحكم فى إطاره؟ بديهيات لأبجديات السياسة يتم التلاعب بها وفقا لقاعدة ذهبية، وهى قاعدة نشر الفوضى الفكرية والإعلامية. وداخل هذه الفوضى كل الأصوات سواسية. فنحن ليس لدينا القدرة أصلا على الاستماع إلى أى صوت إلا صوت الفوضى العارمة.

 

●●●

 

تذكرت كل هذا وأنا فى قاعة نقابة الصحفيين هذا الأسبوع أثناء إعلان «خالد على» نيته فى الترشح لانتخابات الرئاسة. كانت القاعة مليئة بعمال وفلاحين وطلبة وموظفين. كان صوته مختلجا وقويا ومؤثرا وهو يعلن عن ملامح برنامجه الانتخابى. وخالد على لمن لا يعرف هو محامٍ، مدافع عن حقوق الإنسان، وبالذات الحقوق الاقتصادية والاجتماعية. انتصر فى عدد كبير من القضايا لصالح الطبقات المهضوم حقها. معروف بوطنيته وشرفه. ووقف أمامه مؤيدوه يهتفون: «فلاح فقير.. ريس من التحرير». نعم خالد على فلاح وفقير. فهل سوف يتمكن هو أو غيره من المدافعين عن حقوق فقراء مصر من جمع الميزانيات الفلكية للقيام بسياسات تسويقية لبيع أنفسهم فى سوق نخاسة البنوك والمؤسسات المالية وأصحاب المصالح الكبرى؟ أم أنه يحلم بتغيير قواعد اللعبة؟ لا أعرف فيما يفكر. ولكننى أشك تماما فى سلامة قواعد اللعبة، أو فى إمكانية تغييرها اليوم. أدعو الجميع إلى التفكير فى كيفية تغيير القواعد. هذا حلم الثورات الذى يجب أن نحققه.

خالد الخميسي  كاتب مصري