شجرة المشكلات فى القطاع الصحى - علاء غنام - بوابة الشروق
الجمعة 26 أبريل 2024 3:05 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

شجرة المشكلات فى القطاع الصحى

نشر فى : الخميس 3 نوفمبر 2022 - 8:30 م | آخر تحديث : الخميس 3 نوفمبر 2022 - 8:30 م

لقد تعلمت فى وقت مبكر استخدام مقاربة شجرة التشخيص. وتطبيق مفهوم شجرة التشخيص على دراسة القطاع الصحى، بمعنى تحليل أسباب الأسباب لفهم أى تحدٍ أو مشكلة صحية نعانى منها وكان ذلك مبكرا تقريبا ــ عام 1999 ــ عندما أُرسلت من وزارة الصحة مع مجموعة من قيادات الإصلاح الصحى إلى كورس مكثف فى السياسات الصحية والتمويل واقتصاد الصحة فى الجامعة الأمريكية ببيروت كلية الصحة العامة؛ وتعلمت وزملائى الكثير فى هذا الكورس المكثف المكون من 12 موديولا؟؟؟ تقريبا على يد أنبغ الأساتذة عالميا فى السياسات العامة الصحية أمثال مارك روبرتس، إضافة إلى التمويل من الجامعات العريقة مثل هارفارد وكمبردج... إلخ. كان الكورس مخصصا لمنطقة الشرق الأوسط لقيادات صحية من مصر والسعودية واليمن وفلسطين ولبنان وتونس وكان أبرز هؤلاء المحاضرين مارك روبرتس، لروحه السلام والرحمة، فقد توفى بعد ذلك بعقد. وقد أصبحنا أصدقاء فى نهاية الكورس الممتد لعامين تقريبا.
الدرس الأهم فى مقاربة شجرة تشخيص المشكلة الصحية التى لا يمكن فهمها بمعزل عن النظم الأخلاقية والسياسية والاقتصادية العامة لأى بلد من البلدان فى العالم وفى المنطقة، مما يؤكد أن الإصلاح عملية تنموية شاملة فى السياسة والاقتصاد والتعليم والصحة والبحث العلمى وخلافه، ويصعب إصلاح المنظومة الصحية دون العمل على إصلاح الجوانب الأخرى فى المجتمع ودون تبنى أسس أخلاقية لعدة مدارس معروفة منها النفعى والمجتمعى والليبرالى والحقوقى وغيرها من مدارس التحليل. كان هذا الدرس الأهم فى شجرة التشخيص التى توصلك لجذور المشكلة.
تحديد الجوانب السلبية للوضع الحالى مع دراسة الأسباب والآثار التى نتجت، دراسة أسباب المشاكل ووضع هدف لكل مشكلة واتخاذ قرار بما يتعلق بنطاق كل مشكلة من خلال خطط وبرامج عمل بجداول زمنية.
فى هذا السياق، هناك عدة تساؤلات حول إدارة السياسة الصحية فى البلاد:
الأول هو: من الذى يضع أو يصنع السياسات الصحية فى مصر؟ وبناء على أى معايير؟
الثانى: ما معنى حوكمة القطاع الصحى وما هى آليات تطبيق هذه الحوكمة؟
الثالث هو: ما هو دور وزارة الصحة الأساسى الآن وكيف يتم إعادة هيكلتها؟ أسئلة هامة تستحق الإجابة عليها.
وفى سياق تحليل توصيات المؤتمر الاقتصادى الأخير عن قطاع الصحة، تعرضت التوصيات إلى تشجيع القطاع الخاص الصحى على المشاركة أو الاستثمار فى الصحة وهى كالتالى وفقا لتوصيات المؤتمر:
1ــ تسهيل إجراءات استخراج التراخيص للقطاع الخاص.
2ــ إعطاء حوافز تشجيعية لهم لإقامة منشآت صحية فى المدن الجديدة والحدودية.
3ــ تسهيل الحصول على قروض من البنوك لتمويل مشروعات صحية خاصة فى المجتمعات الجديدة.
4ــ تسهيل إجراءات الشراكة مع الدولة فى المستشفيات العامة للإدارة بنظام الانتفاع.
5ــ أخيرا، وهذا ما لفت اهتمامى، تشجيع القطاع الخاص على بناء مراكز ووحدات رعاية أساسية. وهذه التوصية مثيرة للانتباه لأن القطاع الخاص تاريخيا لم يدخل أبدا لمجال الرعاية الأولية لأنها غير مغرية ماليا بالنسبة له فلا أرباح سريعة وخيالية فيها كما هو الحال فى الرعاية المتقدمة المتخصصة التى يجدها القطاع الخاص أكثر أهمية بالنسبة له.
ويبدو من صياغتها وعرضها أنها توصيات شديدة العمومية، وأيضا لا غبار عليها نظريا، ولكنها تحتاج مزيدا من الحوار الدقيق التفصيلى حول مفهوم أساسى أكبر لمعنى الشراكة مع القطاع الخاص الصحى، وتحديدا آليات الشراكة فى إطار منظومة التأمين الصحى الشامل، التأمين الصحى الجديد أقصد. بدلا من هذه التوصيات العمومية، يجب أن يكون هناك مفاهيم دقيقة وسياسات واضحة لكل جوانب هذه الشراكة.
ولمزيد من التوضيح، فإن إشراك القطاع الخاص ينبغى ألا يكون الهدف منه هو التخلص أو الاعتقاد بأن ذلك قد يخفف المطالبة بمزيد لمخصصات الصحة المالية، فالمتعارف عليه حتى من توصيات البنك الدولى نفسه أنه فى الصحة والتعليم تحديدا أن التمويل العام (الحكومى) ضرورى للبلدان لإحراز تقدم «مستدام» نحو التغطية الصحية الشاملة. مع التشديد على استخدام هذه الأموال بكفاءة وتوجيهها إلى الفئات السكانية والخدمات ذات الأولوية لضمان الوصول العادل إلى الخدمات الصحية الجيدة والحماية المالية للجميع.
حسب منظمة الصحة العالمية ينبغى للبلدان أن تستفيد من جميع الموارد المحلية كجزء من جهودها لتحقيق التغطية الصحية الشاملة. القطاع الخاص هو لاعب بالغ الأهمية لعمل البلدان فى مجال التغطية الصحية الشاملة، ولكن يجب إدراك مخاطر إشراك القطاع الخاص بشكل واعٍ وواقعى. فالحكومات (الجهات التنظيمية الإدارية الحكومية) هى المشرفة على أنظمتها الصحية ويجب أن تتخذ خطوات لضمان إدارة القطاع الخاص وإخضاعه للضوابط التنظيمية التى تمنع السلوك السلبى للقطاع الخاص، و«خطر فشل السوق» بلغة البنك الدولى فى حالة ترك القطاع الصحى دون تنظيم جيد.
فى الخلاصة، فإن أساس أى حوار سليم عن القطاع الصحى يأتى بعد الاعتراف بأن هناك مشكلة ألا وهى تحديد أسباب الوضع وأساس المشكلة.

علاء غنام مسئول الحق فى الصحة فى المبادرة المصرية للحقوق الشخصية وخبير فى إصلاح القطاع الصحى
التعليقات