«لصوص المقابر»... اكتشاف البشر قبل الآثار! - محمود عبد الشكور - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 11:06 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

«لصوص المقابر»... اكتشاف البشر قبل الآثار!

نشر فى : السبت 4 فبراير 2023 - 9:30 م | آخر تحديث : السبت 4 فبراير 2023 - 9:30 م

هذا الكتاب المترجم عن الألمانية مهم من عدة زوايا، شكلا ومضمونا، فموضوعه عن لصوص المقابر فى الأقصر، وتاريخ أشهر اكتشافات المقابر الفرعونية، من خبيئة الدير البحرى، فى نهاية القرن التاسع عشر، التى استلهم وقائعها فيلم «المومياء» لشادى عبدالسلام، إلى اكتشاف مقبرة توت عنخ آمون فى العام 1922.
ولكن هذه التفاصيل التاريخية تسرد فى قالب روائى بسيط، يجمع بين الوقائع والصور النادرة، وبين بعض الخيال، والمشاعر والأحاسيس، والرؤية الذاتية لعين أجنبية، مفتونة بسحر الشرق.
عنوان الكتاب الصادر عن دار العربى هو «لصوص المقابر... رحلتى إلى وادى الملوك»، من تأليف الصحفية والمصورة السويسرية فرانسين مارى دافيد، وقامت بترجمته عن الألمانية د.سمر منير، وقدّم له أشرف العشماوى، الروائى المعروف، وصاحب أحد أبرز الكتب عن سرقة الآثار، والذى لاحظ بذكاء فى مقدمته أن المؤلفة أبرزت صراعا للثقافات على أرض مصر، وجعلت من السرقات الأثرية عبر التاريخ خلفية لذلك الصراع.
الحقيقة أن هذا الشكل الذى أخذته حكاية فرانسين يجعلنا أمام مزيجٍ مختلف، لأن فيه من التاريخ الموضوعى، بقدر ما فيه من السيرة الذاتية المروية، وفيه أيضا ملامح البناء الروائى، رغم أنه بناء متواضع للغاية، ومن هنا أهمية الكتاب من حيث الشكل، فى حيوية الانتقال بين الذات والتاريخ، وبين الماضى والحاضر، حيث تبدأ الحكاية بزواج الساردة، بالشاب طايع، حفيد أسرة عبدالرسول الشهيرة، التى ارتبطت بالمقابر الفرعونية، والتى كانت شاهدة جيلا بعد جيل على أشهر الاكتشافات الأثرية.
منحت هذه العلاقة المعاصرة الفرصة لأن تكون الرحلة فى اتجاهين: اكتشاف البشر بقراءة تاريخ أسرة عبدالرسول، الذين استوطنوا القرنة، وعاصروا فترات مهمة وخطيرة، كانت فيها تجارة الآثار شرعية، ثم صارت مجرمة قانونا، وصولا إلى اكتشاف أشهر المقابر الفرعونية، لأن كل رحلة تنقيب أو سرقة، هى بالضرورة نظرة أعمق على الماضى القريب والبعيد، وبالحديث أيضا عن مغامرين وعلماء ومكتشفين أجانب، جاءوا سعيا وراء البحث عن المقابر المجهولة، والكنوز المختفية، أو التماسا لاستكمال الحلقات الناقصة فى التاريخ.
هكذا تتجاور على صفحات الكتاب أسماء مثل بلزونى الإيطالى، ومارييت وشامبليون الفرنسيين، وبروجش الألمانى، وهوارد كارتر البريطانى، مثلما نقرأ عن أسماء شهيرة فى تاريخ عائلة عبدالرسول، من الجدة فندية، إلى الأبناء أحمد ومحمد، وصولا إلى الأحفاد حسين وعلى، ولكل شخصية حكاية ارتبطت بوقائع مهمة، كما أن هناك صورا نادرة للغاية لأفراد هذه الأسرة، أهمها صورة الجدة فندية، التى ترجع إلى العام 1907.
اللافت أن المؤلفة التى تبدو منبهرة بالشرق، وبالمكان، وببساطة الحياة، والتى تغلف علاقتها بأسرة عبدالرسول، بغموض وسحر الفراعنة، تقدم صورة متعاطفة مع أسرة استفادت بالتأكيد من كنوز المقابر، ولكنها لم تكن وحدها فى الصورة، إذ لولا وجود مغامرين أجانب، بعضهم من المحتالين والتجار، مثل بلزونى، لما راجت هذه التجارة فى الماضى، بل إن الكتاب يسجل حقيقة مهمة ومعروفة، وهى وجود رعاية مباشرة للمغامرين الأجانب، من القنصل البريطانى، والقنصل الفرنسى، اللذين يصح وصفهما أيضا بتجار الآثار، كما أن عنصرا أساسيّا ساهم فى رواج تجارة الآثار، هو تسابق المتاحف الأوروبية على شراء القطع النادرة.
فى قلب الحكايات أيضا هدايا أثرية قدمها محمد على لحكام أوروبا، ورحلات للتنقيب عن الآثار تمت بموافقةٍ وتصريحٍ شخصى من محمد على، وخلفائه، وصولا إلى لحظة حاسمة ومهمة، بتجريم تجارة وتهريب والآثار، وتأسيس متحف مصرى، يضم قطع الآثار المكتشفة.
ولكن ظل أفراد أسرة عبدالرسول فى قلب الصورة، ولعب أفرادها أدوارا مهمة فى أهم الاكتشافات، وتحديدا فى اكتشاف خبيئة الدير البحرى، التى خرجت منها 40 مومياء لأهم الملوك الفراعنة، والكتاب يوثِّق لدور محمد عبدالرسول فى البوح بسر الخبيئة، وهذه الشخصية هى الأصل، الذى استلهم منه شادى عبدالسلام، شخصية ونيس، التى لعبها باقتدار أحمد مرعى، فى فيلم «المومياء».
يمكن قراءة الكتاب كذلك باعتباره تاريخ علم المصريات، الذى اختلط فيه العلماء باللصوص، والسرقات بالنهب العشوائى، وانتقل من التدمير والتجارة، إلى الحفظ والتوثيق وفك رموز اللغة.
حتى لصوص المقابر، تغيرت الظروف فصاروا حراسا لها، بل يمكن قراءة الرحلة كلها باعتبارها تاريخ قرية القرنة الشهيرة، من التأسيس والصعود، إلى التراجع والأفول.
المعروف أن سكان القرنة رفضوا الانتقال إلى القرنة الجديدة التى بناها المهندس حسن فتحى، والفصل الأخير من الحكاية يتناول إزالة بعض المنازل القديمة، تمهيدا لمشروع يجعل من المنطقة متحفا مفتوحا، وكأنه عصر قديم ينتهى، ليفسح المجال لعصر جديد.
ورغم أن المؤلفة تسمى الأشياء بمسمياتها، فالسرقة سرقة، والاكتشاف اكتشاف، فإنها تضع كل حكاية فى ظرفها التاريخى، ودون أن تشغلها الأحداث المثيرة عن رؤية البشر من الأعماق، سواء كانوا من المصريين والأجانب، وإن كانت منبهرة مقدما بالشرق وسحره على الطريقة الاستشراقية السطحية، فقد حضرت أصلا لاكتشاف آلهة مصر، أما الزواج من حفيد أسرة عبدالرسول فيتم بسرعة عجيبة، وكأنها أسيرة لسحر قديم، انتقل من الفراعنة أنفسهم، إلى حفيدهم المصرى الوسيم.
ورغم هذا الانبهار بالبساطة والسحر الشرقى، ورغم هذا التأكيد على المشاعر الإنسانية، ونقل تفاصيل الحياة اليومية للناس فى القرنة، ماضيا وحاضرا، فإن العلاقة بين طايع، وبين المصورة والصحفية الباحثة عن آلهة مصر، وتاريخ لصوص المقابر، ظلت لقاء بين عالمين مختلفين تماما، فقد عادت المصورة إلى جبال سويسرا، ولم يستطع طايع أن يعيش هناك.
هنا نظرة رومانتيكية تماما، تضع الشرق والغرب فى مكانهما. الرؤية إنسانية، والتوثيق ممتاز حقا فى التأريخ لاكتشاف مقابر الفراعنة، سرقة وتنقيبا مشروعا. ولكنه نفس الغموض الذى تجده فى كتب المستشرقين، والذى يجعل مصر سحرا خارقا، أكثر منها حقيقة موضوعية ومعقولة.

محمود عبد الشكور كاتب وناقد سينمائي وأدبي مصري
التعليقات