فتاة عيد الميلاد - داليا شمس - بوابة الشروق
الجمعة 26 أبريل 2024 2:30 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

فتاة عيد الميلاد

نشر فى : السبت 4 يونيو 2022 - 7:35 م | آخر تحديث : الأحد 5 يونيو 2022 - 9:34 ص

الخدان المنتفخان للسيدة التى جلست قبالتها، على منضدة مجاورة، جذبا انتباهها. كستهما الحمرة فازداد بروزهما وتكورهما. واضح أن هذا الشكل من الخدود هو المفضل لدى العائلة، فابنتها التى تصغرها بسنوات عدة حين انضمت إليها بدت وكأنها نسخة كربون من السيدة الوالدة، مع الفارق أنها صبغت شعرها بلون أشقر فاقع واحتفظت بطوله، فى حين قصرته الأم وجعلته قرمزيا.
أخذت تحملق فيهما وفى خدودهما المنحوتتين لدى أطباء التجميل المتتالين وتسأل نفسها: لماذا بذلتا كل هذا المجهود لتظهرا بسن أقل مما هما عليه، حتى لو جاءت النتائج عكسية أحيانا؟ لماذا يخاف الناس من علامات الكِبَر إلى هذا الحد؟ يخافون من ألا يكون لهم مكان فى سوق الحب والعمل، فى هذا الزمن الذى اختلطت فيه الأعمار، وصار معظم الأفراد يحاولون الظهور بغير حقيقتهم طمعا فى أن يظلوا أكثر إغراءً، فلم تعد شبوبية الرجال تقاس بقدرتهم على العمل والقتال، وطزاجة النساء تحكمها قدرتهن على الإنجاب.
مد التقدم العلمى فى معدلات الأعمار وأصبح الخوف من الطعن فى السن يسبق بخطوات ضعف الجسم الفعلى وعجزه عن أداء مهامه السابقة. لأننا فى مجتمع قائم على الفردانية والمنفعة، وبالتالى وجود الأشخاص فى حد ذاته مرتبط بالمظهر ومستوى الأداء والإنجاز فى كل شىء، وإلا يتقاعس عزهم وتذهب أيامهم الحلوة. وهنا تكمن المفارقة، الإحساس بالكبر فى السن والعجز تأخر بيولوجيا وتقدم اجتماعيا، صار التوجس من الكهولة يلح على النساء والرجال مبكرا.
• • •
كانت فتاة عيد الميلاد على وشك أن تطفئ شمعات سنة جديدة من عمرها، حين شغلتها كل هذه الأفكار وهى فى انتظار المزيد من الأصدقاء لكى يحتفلوا معا. بعد ثوانٍ ستجد نفسها أمام التورتة المستديرة المزينة بالفواكه، تستحضر روح مارلين مونرو التى ولدت فى الشهر نفسه وهى تغنى «هابى بيرث داى» أو «سنة حلوة يا جميل» للرئيس الراحل جون كنيدى قبل ثلاثة أشهر من انتحارها عام 1962. تتكرر الأغنية على ألسنة الملايين من البشر بكل لغات العالم منذ أن وُضعت كلماتها فى بداية عشرينيات القرن الماضى، بعد ظهور اللحن لأول مرة بعبارات أخرى إنجليزية تتمنى يوما سعيدا للجميع، عام 1893.
تقف أمام التورتة المستديرة التى قرر الأقدمون أن تكون على هذا الشكل تشبها بالقمر، مثل إلهة الصيد والبرية والخصوبة لدى الإغريق، آرتميس، ابنة زيوس وأخت أبولو. تغمض عينيها وتتمنى فى سرها أن يظل قلبها شابا وروحها حلوة وأن تتضاعف سعادتها مع السنين. تتلألأ أنوار الشموع فى التورتة قبل أن يتم تقطيعها واقتسامها مع المقربين، طقس مستمر استلهم من الكنيسة التى عارضت بشدة فى القرون الوسطى بأوروبا الاحتفال بأعياد الميلاد واعتبرته تقليدا وثنيا رومانيا، بل وفضلت عليه إحياء ذكرى الموتى وتكريمهم.
تضحك فتاة عيد الميلاد وتنفخ فى الشمع، وتقول لنفسها: فى كل العصور هناك من يخاف الفرح، من يخشى التأثيرات الخارجية وتبادل العادات وتراكمها، لكن فى النهاية ينتصر حب الحياة والاحتفال. وهو ما كان، فقد انتقلت الطقوس الدينية من دار العبادة إلى محيط الأسرة والمعارف، صار الناس يغنون ويضيئون الشموع ويقدمون الهدايا للمحتفى به الذى أضيفت سنة إلى رصيده فى الدنيا.
• • •
لا يهمها من اخترع الاحتفاء بيوم الميلاد، المصريون القدماء، الإغريق، الرومان، الصينيون مثلما روى ماركو بولو فى القرن الثالث عشر الميلادى... نصوص الشاعر الألمانى جوتة ذكرت احتفاله بعيد ميلاه الثالث والخمسين عام 1802، كما أورد آخرون ارتباط الاحتفال بالاهتمام بالفلك والطالع فى وقت من الأوقات، فحرص الملوك أولا، ثم العامة، على معرفة تاريخ وساعة وصولهم إلى العالم للتنبؤ بالمستقبل.
ما يشغلها الآن هو كيف ستظل المرأة الباسمة التى لا تنفخ خديها ويزيد ميراثها من الحب والرضا. لا تريد أن تتحول إلى دمية مكانها متحف مدام توسو لعرائس الشمع، بل ترغب فى عقد اتفاق دائم ومتصالح مع العمر، تضحك وتغامر وتتأمل بموجبه مدى الحياة ولا تكف عن الدهشة. تفهم أن ما مر قد مر، وما هو آتٍ أحلى وأعمق. تفرح وتقرأ وتتعلم وتغنى وترقص وتتريض متى استطاعت لذلك سبيلا، وحين لا تقدر على أشياء معينة بحكم الزمن والصحة تبدلها بأشياء أخرى ممتعة أيضا، دون قطيعة مُرة مع ما فات، بل تواؤم وتخارُج مستمرين. هذه هى اللعبة وهذا هو الميزان. تنفخ الشموع وتتمنى تحقيق الأمنيات.

التعليقات