●●أنتجت السينما العربية آلاف الأفلام، واتسم 90 % منها بسيناريو متشابه، وبنهايات واحدة.. بطل وبطلة يتقابلان بالصدفة، وهى ليست صدفة، وعليك أن تصدق يا مشاهد أنها صدفة. ويقعان فى الحب. ولا يهم أن تكون البطلة أطول من البطل، ولا يهم أيضا أن تكون البطلة مثل نفرتيتى جميلة الجميلات، بينما البطل ليس وسيما إطلاقا. لا شىء يهم. وهكذا افتقد هذا الفن الرفيع لأهم عناصر التشويق وهو المفاجأة، وبطبيعة الحال يفتقد المنطق. لا يهم المنطق.. وتبدو لقاءات الكرة العربية شبيهة بأفلام السينما. فلو فتحت ألف صفحة رياضة وموقع تصدر من الخليج إلى الميحط، ستجد ما يلى:
ــ الأهلى سيلعب مهاجما دون التخلى عن الحذر الدفاعى، والمفاجأة أنك ستقرأ غالبا أن حسام البدرى طالب لاعبيه بتحقيق الفوز (حسنا فعل حسام البدرى فقد كنت أخشى ألا يطالب لاعبيه بذلك وينصحهم بشىء آخر ).
ــ الترجى حضر إلى القاهرة للخروج بأفضل نتيجة.. (هذا دون تعريف شفاف لأفضل نتيجة. وأظن أن أفضلها هو الفوز. فهل سيلعب الترجى للفوز؟ فى الجملة التالية تجد الإجابة: سيلعب الفريق التونسى مدافعا من أجل ذلك على أمل تحقيق الفوز فى رادس..
ــ هذا هو السيناريو الذى يكتبه الجميع فى ذهنه، من واقع عشرات التجارب السابقة بين الفرق العربية. فمن النادر أن نرى مباراة مفتوحة، يتبادل فيها فريقان عربيان الهجمات بأسلوب واحد (تحرك الفريق ككتلة واحدة هجوما ودفاعا). وفى مباريات فرق الشمال الإفريقى هناك سيناريو معروف ومكتوب عند اللعب داخل الأرض وخارجها. فيهاجم الفريق صاحب الأرض بشراسة، وبسرعة هى فى الأصل تسرع. وتبدو هجماته صاخبة، هادرة، وجماهيره صارخة، غاضبة، إلى أن يسجل هدفا. فيما يمارس الفريق الضيف لعبة الإبطاء، وقتل اللعب، واستهلاك الوقت، مع الهجوم المضاد.. هذا هو الجزء الأول من الفيلم العربى الكروى، والطريف أن الجزء الثانى يأتى غالبا مطابقا للأول. باستثناء موقع التصوير.
●● الأهلى والترجى فريقان كبيران. ويملك كلاهما العديد من النجوم، والمهم بالنسبة للأهلى صاحب الأرض أن يمنح صانع ألعابه أبوتريكة إذا بدأ أو من يحل محله لو لم يبدأ فرصة تعدد خيارات التمرير عند استحواذه على الكرة، فيجد أمامه مساحات ينتشر فيها بركات وعبدالله السعيد وفتحى ووليد سليمان ومتعب وجدو.. وقد يبدأ البدرى بالفعل بقناوى أو عبدالفضيل فى الشمال وأمامه وليد سليمان لإيقاف خطورة هاريسون أفول.. وأخطر ما يهدد الأهلى هو وجود مساحات خلف خط الوسط المندفع ومسافة كبيرة بين خطى الوسط والدفاع.. لكن قد يكون حسام البدرى متأثرا برائد الواقعية فى السينما المصرية المخرج صلاح أبوسيف، فيعتمد الواقعية أسلوبا، ويهاجم بمغامرة محسوبة..
●● ومن المعروف أن أهم ما يميز الترجى هو قدرته على نقل الكرة إلى ملعب المنافس بأقل عدد من التمريرات، وهو يفتقد المساكنى صانع ألعابه وأحد مفاتيح الهجوم فى الجبهة اليسرى. بينما يقابل ذلك اعتماد الأهلى على كثرة التمرير ليس من أجل التحضير وإنما فى إطار البناء الهجومى.. الترجى أيضا يتميز بتمركز خط ظهره الدربالى والشمام ومنصور والهيشرى ويعوض هذا التمركز بديناميكية خط وسطه وتحركاته الجيدة وبقوة مهاجمه نياينج.. وستكون المباراة فيلما أوروبيا لو فاجأ المخرج التونسى الشهير نبيل معلول الأهلى بالضغط المتقدم أو من وسط الملعب وببناء هجمات مركبة وليست مضادة.. خاصة أن هدفا واحدا هنا يساوى الكثير هناك..
●● فى أفلام السينما العربية يدرك المنتج، ويعلم المخرج أهمية إرضاء المشاهد العربى الطيب. فيتزوج البطل من البطلة على الرغم من الصعاب والمستحيلات. لكن فى أفلام الكرة العربية لا يستطيع أجدع مؤلف أو مخرج ترتيب إرضاء المشاهد.. فتكون النتيجة أحيانا (لن أقول كثيرا) إن الجمهور يرفض النهايات التى لا تعجبه، ولذلك تجد مشجع كرة القدم العربى يرى فريقه ولا يرى أى فريق آخر. يرى فريقه يلعب وحده ويرى الحكم له وحده. يرى أن ناديه هو الأول دائما، ويراه البطل السابق والبطل القادم والبطل الوحيد.. ويرى فريقه على حق بدون وجه حق، ويراه مظلوما مجبونا مغبونا مهما نال من حقوق ويراه دائما منتصرا حتى لو كان مهزوما، ومباريات الكرة العربية لها وجهان هما: الفوز أو الفوز. ولذلك يرتب المشجع العربى زواجا بالعافية بين البطل وبين البطلة.. وهذا هو عنصر الإثارة الأول فى أفلام الكرة العربية.. وهل هناك إثارة أكثر من ذلك؟