سارقة الكتب وراوية الأفلام - منى أبو النصر - بوابة الشروق
السبت 4 مايو 2024 10:01 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

سارقة الكتب وراوية الأفلام

نشر فى : السبت 5 أغسطس 2017 - 9:20 م | آخر تحديث : السبت 5 أغسطس 2017 - 9:20 م

حظ سعيد ذلك الذي جمعني بتلك الفتاتين في أسبوع واحد، فتاتين لهما ملامح مشتركة وكثير من النُبل، الأولى من إحدى القرى الصغيرة بتشيلي والثانية ألمانية تعيش في قلب الحرب العالمية الثانية.
عبورهما لم يكن سهلا أبدا، الأولى هي "راوية الأفلام" والأخرى هي "سارقة الكتب"، الأولى بطلة رواية والثانية بطلة فيلم، قادني حسن الحظ أن أقرأها وأشاهده خلال أسبوع واحد مُخلفين لديّ انطباعا حادا بأن "الحكاية أصلها واحد".

-أما الأولى فهي طفلة تروي الأفلام، تنضج مع تقدم الرواية وتصبح "الحورية ديلسين" التي تشملها الفلسفة لتقول:إن رواية حياة هي مثل رواية حلم أو فيلم.

الحورية ديلسين أو "راوية الأفلام" هي بطلة رواية لمؤلف من تشيلي كانت هي تجربتي الأولى مع قلمه، رواية تلتهمها خلال ساعات وتأسف على أنها انتهت سريعا..هي لإيرنان ريبيرا لتيلير، تتابع بشغف مسيرة الطفلة "ماريا مارجريتا" الطفلة التي تنتمي لبيت فقير ولكنه مُحب للسينما، فما كان فيلم جديد يصل إلى سينما المعسكر المنجمي القريب منهم حتى يجمع كل فرد من أفراد العائلة قطعة نقود حتى تُجمع بالكاد ثمن تذكرة واحدة ، وترسل العائلة "ماريا مارجريتا" لمشاهدة الفيلم لتعود لتروي الفيلم لهم في غرفة المعيشة.
• لن يطيل عليك "ريبيرا لتيلير" في معرفة أسباب اختيار العائلة لماريا لتكون هي صاحبة شرف دخول السينما دونا عن أخوتها الآخرين، وسيجعلك تتقافز فرحا وأنت تشاهد أهل الحي والجيران جميعا يجتمعون في نفس غرفة المعيشة لمشاهدة حكي "راوية الأفلام" للفيلم الجديد، حتى من كان يمتلك منهم ثمن تذكرة السينما كان يفضل الاستمتاع بفقرة "راوية الأفلام" الحكائية المدهشة.
تختار "ماريا مارجريتا" لنفسها اسم شهرة على غرار "نورما جين" التي أصبح اسمها "مارلين مونرو" فأسمت نفسها " الحورية ديلسين" هكذا اختارت أن يكون لاسمها الفني الجديد، كأشهر راوية أفلام في منطقتها، مذاقا فرنسيا.

• تتابع "الحورية" بكل تطورات موهبتها في الحكي، حتى تحولت غرفة معيشتهم لصالة سينما محكية صغيرة، وتتتبع تنامي شهرتها حتى أصبحت تروي الأفلام في بيوت الميسورين مقابل أجر "والفن يا أصدقائي له ثمن"حسب الرواية ، تنتشي وأنت تتابع سلم مجدها الذي يتزامن مع أوج مجد السينما اللاتينية، وتنفطر وأنت تشهد على سقوطها منه تزامنا مع دخول جهاز التلفزيون البيوت ممهدا لنهاية بانورامية لرحلة "راوية الأفلام"، التي تترك الحكي جبرا لعدم اهتمام جمهورها وعزوفهم عن فقراتها، ويستسلم في المقابل للصندوق "التلفزيون"، ينتهى بها الأمر كـ "عاملة تغليف بقالة"، وسط أحداث إنسانية وعائلية تغلف قلبها بالحزن.

• توحدك مع موهبة "الحورية راوية الأفلام" يلازمك بعد الانتهاء من قراءة الرواية لأيام، حتى ترتطم بموهبة أخرى في "الحكي" ولكن هذه المرة لدى "ليزلي" ذات التسع سنوات، الفتاة الشقراء التي تجلس في القطار تغني وإلى جانبها والدتها وشقيقها الصغير الذي يتوفى أثناء الرحلة، فتقوم الأم بدفنه، وأثناء ذلك تنتبه ليزلي إلى كتاب فتقوم بأخذه على الرغم من عدم إجادتها القراءة، لتتصاعد معه أحداث فيلم "سارقة الكتب".
الفيلم مأخوذ عن رواية تحمل الاسم نفسه للكاتب الأسترالي ماركوس زوساك، وإن كنت لم أقرأ النص الروائي.

• صوّر الفيلم بطلته على أنها إحدى ضحايا هتلر، ضحية النازية التي كانت وراء قرار أمها بالتخلي عنها وعرضها للتبني لملاحقة حزب هتلر لها، وبعد ذلك كانت سببا في هروب "ماكس" الشاب اليهودي الذي علمها القراءة، وكانت أسرتها بالتبني تخفيه في قبو البيت بسبب ملاحقة النازيين وتفتيشهم للمنازل، وفي خضم الموت المحلّق في كل مكان ،الذي جسده المؤلف وجعل منه راويا للفيلم، تتابع شغف الصغيرة ليزلي بسرقة الكتب من مكتبة إحدى الضباط الألمان لتعلم القراءة التي أصبحت تجيدها بمساعدة من "ماكس" الذي يُنمي لديها قدرتها على الكتابة والتعبير، وكان يحثها على عدم استعمال الكلمات التقليدية في الوصف، ويحرضها على ترك العنان للوصف والتعبير بأسلوبها الخاص.
تمارس ليزلي الشغف نفسه أثناء غارات الحرب، كانت تقابل صافرات الإنذار بأريحية وهي تقص وتروي على جيرانها في المخابئ القصص التي كانت تقرؤها في الكتب التي كانت تسرقها أو "تستعيرها" على حد قناعتها، وكانت قصصها تخفف من وطأة الرعب الذي يحاصر المكان.

• "سارقة الكتب" و"رواية الأفلام" لقبين لبطلتين احترفتا بالفطرة صناعة المعجزات، سحر مشترك كان يتطاير من تأثير حكيهما على هؤلاء المنتظرين لسماع الحكايات، حكايات تحررهم ولو افتراضيا من الفقر والعجز والحرب.

اختلف سياق البطلتين وكذلك الزمن والمصير، وحتى نصيبهما من الحظ، ف"رواية الأفلام" ذاقت النجاح وانتهى بها الأمر للنسيان، و"سارقة الكتب" عاشت ضحية الفقد وانتهى بها الحال ككاتبة شهيرة ومُقدرة، ووحدهما اللوذ بالكتب والسينما كسبيل للتحرر من نكباتهما الإنسانية، والاستسلام لعالم أفضل..

منى أبو النصر صحفية مصرية
التعليقات