4 فبراير 1942 - بشير عبد الفتاح - بوابة الشروق
الخميس 25 أبريل 2024 7:15 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

4 فبراير 1942

نشر فى : الإثنين 6 فبراير 2023 - 7:35 م | آخر تحديث : الإثنين 6 فبراير 2023 - 7:35 م

تاريخية هى التداعيات، التى خلفها حادث الرابع من فبراير عام 1942، على مسارات ومآلات المشهد السياسى المصرى، فيما تلاه من وقائع وأعوام. فبكثير من الإثارة والتسارع، واصلت التفاعلات تطورها، حتى عرجت بمصر والمصريين، وجهة مغايرة. تجلت ارهاصاتها مع أفول الحقبة الملكية من تاريخ البلاد، باندلاع حركة الضباط فى 23 يوليو 1952، ثم إعلان الجمهورية فى العام التالى مباشرة.

تنوعت الآراء، وتعددت الروايات، بشأن تشكيل، الملك فاروق، لأخطر تنظيم سرى مسلح، اصطلح على تسميته قوات أو «جمعية الحرس الحديدى الملكى». حيث يروق لبعض المؤرخين، كما للدكتور، يوسف رشاد، الذى كلفه الملك بتأسيس وتسيير الحرس الحديدى، إرجاع الأمر إلى حادثة القصاصين، التى وقعت فى 15 نوفمبر 1943، أى بعد عام وتسعة أشهر على الضربة القاصمة، التى تلقاها، فاروق، فى فبراير 1942. 

فوفقا لما أورده، كريم ثابت، مستشار الملك الصحفى، فى مذكراته؛ كان، فاروق، يقود سيارته بسرعة جنونية فى طريقه إلى الإسماعيلية، فاصطدمت بمقطورة تابعة للجيش البريطانى. وأصيب الملك، على إثرها، إصابات بالغة، وتم نقله إلى المستشفى العسكرى بالاسماعيلية، وإسعافه، وإخضاعه لعلاج شامل. وأعجب الملك بطبيب ضابط من سلاح البحرية، كان يتولى علاجه اسمه، يوسف رشاد، فأمر بنقله للعمل فى القصر، رفقة زوجته ناهد. وبعدما تعمقت ثقته فيهما، عهد إليهما بتشكيل الحرس الحديدى. وتتلاقى تلك الرواية، مع دراسة، مصطفى عبيد، عن المذكرات التى كتبها، فاروق، بخط يده؛ وأورد فيها أن «حادثة القصاصين» كانت من تدبيرالانجليز، بغية اغتياله؛ عقابا له على اتصالاته الاستخباراتية بالألمان، إبان الحرب العالمية الثانية. 

دونما انتقاص من دقة السردية آنفة الذكر، يمكن القول إن «حادث القصاصين» قد عجل بتنفيذ مخطط، كان يعتمل بخلد الملك منذ حادث 4 فبراير 1942، لجهة إنشاء الحرس الحديدى. فبعدما حاصرت قوات الاحتلال البريطانى قصر عابدين بالدبابات والمدافع، والمدرعات، كى تجبر الملك، ذا الإثنين وعشرين ربيعا، وقتذاك، على تكليف، مصطفى النحاس، بتشكيل ورئاسة الحكومة. نظرا لما يتمتع به الأخير من شعبية جارفة، وعداء، لا يقبل التشكيك، للألمان، الذين وصلت جحافلهم مدينة العلمين. شعر، فاروق، حينئذ، أن عرش آبائه وأجداده يترنح، وأنه تحول إلى مجرد واجهة، منزوعة النفوذ والصلاحيات، ومعدومة التأثير فى مجريات السياسة المصرية. كيف لا؟! وقد وجه السفير البريطانى لدى القاهرة، مايلز لامبسون، إنذارا شديد اللهجة للملك الغَر، جاء فيه: «إذا لم أعلم قبل الساعة السادسة من مساء اليوم أن، النحاس باشا، دُعى إلى تأليف الوزارة، فستتحمل تبعات ما يحدث». وتحت وطأة حصار مهين ومروع، خيَر، لامبسون، فاروق، بين التوقيع على إحدى وثيقتين؛ تضمنت أولاهما، تكليفا للنحاس بتشكيل ورئاسة الحكومة. فى حين طوت ثانيتهما قرار تنحيته عن عرش مصر، هو وأولاده من بعده. الأمر الذى حمل، الملك الشاب المذعور، على الرضوخ للإنذار البريطانى، قبيل دقائق من انقضاء مهلته.

توسلا للحيلولة دون تكرار مأساة اجتراء الدبابات البريطانية على محاصرة القصر، عزز الملك من جهود الاستعانة بالجيش وتسخيره لحمايته. كما طفق يحشد المعدات والأسلحة والذخيرة، لتقوية الحرس الملكى، فى خطوة فاقمت قلق سلطات الاحتلال، كما أثارت حفيظة باقى أفرع ووحدات الجيش، خصوصا الوطنيين المستاءين من وصفه بـ«جيش المحمل» والرافضين لاختزال دوره فى تقوية شوكة الملك، والذود عن عرشه فى مواجهة صلف سلطات الاحتلال. بموازاة ذلك، وتجنبا لما أثير من لغط، انبرى، فاروق، مع بداية العام 1944، فى تأسيس الحرس الحديدى الملكى.

بتأسيسه ذلك التنظيم، ابتغى، فاروق، التأسى بحكام كثر حول العالم، فضلا عن مواكبة النموذج الألمانى الذى كان مولعا به، وميالا للتعاون معه فى مواجهة خصومه الإنجليز وحلفائهم. ويطيب لمؤرخين الإشارة إلى دور شخصيات ألمانية كانت تقيم بمصر، حينها، فى تكوين وتدريب جمعية «الحرس الحديدى». تلك التى اعتبرتها الاستخبارات النازية، إحدى أهم القواعد المؤهلة لدعم وتلبية احتياجات منصتها المتمركزة فى مصر، وأفضل السواتر لتغطية أنشطتها. الأمر الذى أكده لاحقا، مايلز كوبلاند، رئيس شعبة الاستخبارات المركزية الأمريكية بالقاهرة، خلال الفترة نفسها، فى كتابه الشهير «لعبة  الأمم». حيث ذكر فيه أن الاستخبارات الألمانية رأت فى «جمعية الحرس الحديدى» نقطة ارتكاز مفصلية، لكبح جماح جنوح الملك الخطير لدول المحور. فلقد كانت عالمية بامتياز، ظاهرة الحرس الحديدى الموالى للحاكم. فرغم نشأتها فى ألمانيا النازية، لوحظ ظهور تشكيلات بنفس التسمية فى فلسطين، وكان زى أفرادها مطابقا للزى الألمانى النازى. كما تشكلت مجموعة باسم الحرس الحديدى لدى الزعيم الأسبانى الراحل، فرانشسكو فرانكو، وكانت مدعومة من ألمانيا النازية. واعتبر مؤرخون نشوء الحرس الحديدى المصرى، محاكاة لتنظيم الحرس الفولاذى، الذى أنشأه، الملك كارول، ملك رومانيا وحليف ألمانيا النازية فى ذلك الوقت، لحمايته من خصومه. وهى الفكرة التى اقتبسها، عمر فتحى، قائد الحرس الملكى وقتها، لتأسيس تنظيم مسلح مماثل، للدفاع عن الملك فاروق. 

بأمر ملكى مباشر، وتدبير من طبيب الملك الخاص، يوسف رشاد، وزوجته، وأصدقائهما، تم إنشاء الحرس الحديدى؛ بمشاركة عناصر من الجيش، كان من أشهرهم، محمد أنور السادات. وقد مثّل ذلك التنظيم ذروة العنف السلطوى الملكى تجاه المعارضة والمخالفين فى الرأى، بلغ مستوى الاغتيال والتصفية، بزعم الولاء للملك وحماية العرش. وذكر، سيد جاد، أحد أعضاء التنظيم، فى مذكراته، التى حملت عنوان «الحرس الحديدى»، أن الملك فاروق، كلفهم باغتيال، مصطفى النحاس، زعيم الأمة وحزب الوفد، وأمين عثمان، وزير المالية فى الحكومة الوفدية. وقام أعضاء الحرس بعدة عمليات لقتل، وترويع شخصيات سياسية وعامة لصالح الملك. وكانت التكليفات تأتى مباشرة من يوسف رشاد وأحيانا من زوجته. وقد لجأ الحرس الحديدى إلى عمليات قتل لجنود بريطانيين، بقصد إضفاء مسحة وطنية على ممارساتهم، وكانت تحظى بمباركة الملك وإطرائه. واستطاع الحرس الحديدى تجنيد النساء فى صفوفه، وكانت تشرف على أعمالهن ناهد رشاد، التى تنامى نفوذها لدى القصر. حتى تداولت الصحف قصة العربة السوداء، التى باتت تحكم مصر.

خلافا لتنظيمات مسلحة سرية مشابهة، حاول الملك فاروق استنساخها أو التأسى بها، افتقد «الحرس الحديدى الملكى» للمعايير المهنية والاعتبارات التنظيمية. حيث كان عشوائيا، اعتمد فى تكوينه على الشللية والزبائنية، واستقطاب عناصر انتهازية متطرفة، غير مؤهلة، محدودة الخبرة، ومتناقضة الأفكار والتوجهات والولاءات. الأمر الذى أدى إلى إخفاقهم فى تنفيذ جل المهام الموكلة إليهم، على الصعيدين الداخلى والخارجى؛ بل وتحولهم إلى«مرتزقة» يقتلون نظير المال. ومن أبرز العمليات التى أوكل إليهم الملك تنفيذها، لكنهم خذلوه؛ تهريب أمين عثمان عبر البحر، وإعادة الملكة الأم، من الولايات المتحدة أمريكا، بعدما قامت بتزويج ابنتها هناك من دبلوماسى مصرى، يدين بغير دينها.

كنتيجة منطقية لذلك، تدهورت، فى غضون سنوات قلائل، علاقة التنظيم بالملك. حتى بلغ الأمر، بعضو فيه مصطفى كمال صدقى، مناشدة رفقائه اغتيال الملك نفسه، بدعوى أنه مجنون، وأرعن، ويقود الوطن نحو الهاوية. وعلى وقع التطورات السياسية المتلاحقة، محليا وإقليميا ودوليا، بدأت طائفة من أعضاء التنظيم تعيد حساباتها. إذ آثر البعض الاعتزال والانزواء، فيما التحق آخرون بتنظيم حركة الضباط الأحرار، مثل أنور السادات. وبحلول نهاية أربعينيات القرن الماضى، انقلب التنظيم على الملك كلية. فبينما كلفه الأخير باغتيال حسن البنا، مرشد جماعة الإخوان، أقدم أحدهم على تحذير المستهدف. الأمر الذى اضطر الملك إلى تأسيس تنظيم جديد من ضباط الشرطة، بقيادة الأميرلاى، محمد وصفى، وعهد إليه بتصفية حسن البنا فى فبراير 1949، كما بعض أعضاء الحرس الحديدى. بيد أن تفجر حركة الضباط، ليلة 23 يوليو 1952، قد طوى صفحة ذلك العبث. حيث أسدل الستارعلى حقبة الحكم الملكى، ومغامراته السرية العنيفة، إلى غير رجعة.

التعليقات