ملاحظات مقلقة على مشهد سياسى مضطرب - أحمد يوسف أحمد - بوابة الشروق
الإثنين 6 مايو 2024 11:13 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

ملاحظات مقلقة على مشهد سياسى مضطرب

نشر فى : الخميس 6 أكتوبر 2011 - 9:30 ص | آخر تحديث : الخميس 6 أكتوبر 2011 - 9:30 ص

كان للكاتب الكبير الراحل فكرى أباظة مربع ينشر على الصفحتين اللتين يكتب فيهما مقاله الأسبوعى فى مجلة «المصور»، وكان عنوان هذا المربع «مناظر مؤذية» ربما لم أكن أقرأ سواها بحكم صغر سنى فى هذا الوقت، فقد كان يركز على سلوكيات اجتماعية مرفوضة. أما «المناظر» التى أتناولها الآن فتتعلق بمستقبل وطن وأمة، وقد تأدبت فاخترت وصف «مقلقة» لوصف «مناظر» المشهد السياسى المضطرب فى مصر الآن، غير أن الواقع أخطر من الوصف بكثير.

 

أبدأ ملاحظاتى بالمشهد السياسى الحالى فى أعقاب «جمعة استرداد الثورة»، وهو اسم غير دقيق، لأننا لم نعرف «ثورة» حقيقية حتى الآن وإلى حين إشعار آخر، وكل ما حدث أن «رأس» السلطة قد تغير، دون أن يتبع ذلك أى تغير جذرى آخر. وبغض النظر عن هذا فإن السؤال يثور: ممن تسترد الثورة؟ والإجابة بداهة: من المجلس العسكرى والحكومة الحالية، وعلى الرغم من الانتقادات المبررة والكثيرة لأدائهما فإن سؤالا آخر يتداعى على الفور: من تراه يكون المسترد للثورة؟ والإجابة البديهية أيضا: قوى الثورة. لكن قوى الثورة باتت موزعة بين عشرات الائتلافات والأحزاب، ودخل فيها انتهازيون حقيقيون يجيدون «الرطانة الثورية» والثورة منهم براء، ولا يبدو فى صدارة المشهد السياسى أو حتى خلفيته تلك الوجوه الشابة النضرة التى كانت تتحدث بحكمة لا تتناسب مع سنوات عمرها، والتى كان كل منهم ينكر ذاته ودوره فيما وقع وينسب الأمر كله إلى «العمل الجماعى». وأذكر فى تلك الأيام أننى تفاءلت كما لم أتفاءل من قبل بمستقبل هذا الوطن. لكن هذه الوجوه لم تعد تظهر فى التحركات الجماهيرية إلا لماما، ويصعب على المرء أن يتذكر أسماء الائتلافات والجبهات والتحالفات التى ورثتهم، فهل يكون الأمر فى هذه الظروف استردادا للثورة من قبل قادتها الحقيقيين وجماهيرها العظيمة؟ أم يكون ضياعا لها ربما إلى الأبد؟ ناهيك عن أن أعداد المشاركين فى «الجمع» تتناقص بشكل واضح ومعها يتقلص التأييد الشعبى لهذه التحركات الجماهيرية، وأن سلوك بعض هؤلاء المشاركين لا علاقة له من قريب أو بعيد باسترداد الثورة، وأنهم باتوا ينفلتون إلى دروب فرعية لا معنى لها.

 

●●●

 

على أى الأحوال فقد كانت هناك أهداف مهمة فى «جمعة الاسترداد» رفعت شعاراتها بوضوح مثل رفض مد العمل بحالة الطوارئ والمطالبة بإلغاء قانونها، والمطالبة بإجراء الانتخابات بنظام القائمة النسبية فقط ــ وهى مسألة فيها نظر دستورى ــ وإعلان خريطة طريق واضحة بجدول زمنى لتسليم السلطة. استجاب المجلس الأعلى للقوات المسلحة كالعادة منذ فبراير2011 فى استمرار واضح لسياسة ردود الأفعال، فدعا نفرا من رؤساء الأحزاب إلى اجتماع يناقش هذه المطالب، وقد انتهى الاجتماع إلى نتائج تمثل خطوة إلى الأمام مثل تعديل المادة الخامسة من قانون الانتخابات بما يتيح للحزبيين التنافس على المقاعد الفردية، وتقديم مواعيد انعقاد مجلسى الشعب والشورى بعد أن كانت متأخرة كثيرا دون جدوى، والإشارة إلى «ميثاق شرف» تتفاهم عليه الأحزاب والقوى السياسية بحيث يحكم عملية اختيار أعضاء اللجنة التأسيسية للدستور، ودراسة وقف العمل بحالة الطوارئ إلا فى بعض الجرائم، مع دراسة تشريع بحرمان قيادات الحزب الوطنى من ممارسة الحقوق السياسية.

 

ما إن أعلنت نتائج الاجتماع التى مثلت كما أشرت وكما ذكر عدد من المراقبين خطوة إلى الأمام، مع الاعتراف بأنها لم تشمل كل المطالب وأن بعضها ملتبس خاصة تلك التى تبدأ بكلمة «دراسة»، حتى انفجر المشهد السياسى. حمل الذين لم يدعوا إلى الاجتماع عليها حملة شعواء، وأعلن بعضهم أنه لو دع لما ذهب، لأن الحوار مع المجلس العسكرى مضيعة للوقت، ووصفوا النتائج بأنها صفر كبير والتفاف على المطالب الشعبية بحيث لم يترك منها لقوى الثورة وجماهيرها سوى الفتات. وبين «المنفجرين» من هو متسق مع مواقفه السابقة، غير أن بينهم أيضا من يبحث عن دور بأى ثمن، ويلون مواقفه حسب الظروف، ويتصور أن الضجيج العالى الذى يحدثه سوف يصل به إلى قمة المجد. بل إن بعض المشاركين فى الاجتماع والذين وقعوا على بيانه شرعوا بدورهم فى التحفظ على بعض نتائجه حتى لا يزايد عليهم أحد بين جماهيرهم، وعموما فقد باتت «المزايدة الثورية» علامة من علامات المشهد السياسى الراهن، وهى تشمل معظم السياسيين وأجهزة الإعلام التى تبحث عن المشاهدين ومن ثم الإعلانات بأى ثمن.

 

●●●

 

لا تتوقف «الملاحظات المقلقة» عند المشهد السياسى العام وإنما تمتد إلى ساحة المطالب الاجتماعية التى تزخر بالإضرابات. وجوهر الإضراب فى اعتقادى هو الامتناع عن توظيف «قوة العمل» التى يمتلكها المضربون كوسيلة من وسائل الضغط للاستجابة لمطالبهم. أما فى حالتنا فنحن بالإضافة إلى ما سبق إزاء استخدام للممتلكات العامة التى لا تخص المضربين وحدهم لتعطيل مصالح المواطنين. لم يكتف سائقو النقل العام بالقاهرة الكبرى بالإضراب الذى أدى إلى معاناة هائلة للمواطن العادى، ولكنهم استخدموا حافلات النقل العام ــ وهى ملكية عامة ــ كوسائل مساعدة، كما أنهم استخدموها فى قطع شارع قصر العينى إمعانا فى الضغط على الحكومة والإضرار بالمجتمع، مع أن الإضراب وحده كفيل بتوصيل رسالتهم والضغط من أجل تحقيقها وتفادى إشعال غضب الجماهير المتضررة.

 

غير أننى اكتشفت اتصالا بالمشهد ذاته أن ما أقدم عليه سائقو النقل العام هو «سلوك لطيف» إذا قورن بما فعله بعض العاملين فى قطاع السياحة فى الأقصر وأسوان، كنت أظن أن أحداث الثورة وتطوراتها قد ضيقت عليهم فى رزقهم فإذا بهم عنصر فاعل فى هذا الصدد. ووفقا للأستاذ عبدالناصر سلامة فى عموده المعنون «السياحة المستباحة» فى صحيفة الأهرام بتاريخ 3/10 الجارى فإن عمال أحد الفنادق العائمة بالأقصر قاموا بإخلائه من السياح ومعهم أثاث الفندق تمهيدا لبيعه فى المزاد، وهذه سرقة، وهى إن صح حدوثها لا تشير إلى سياحة مستباحة فحسب وإنما إلى دولة مستباحة أيضا، ووفقا للأستاذ عبدالناصر سلامة أيضا فإن العاملين فى أسوان أغلقوا متحف النوبة أمام السياح لمدة ثلاثة أيام متتالية، وقام عشرات من أهالى «قرنة مرعي» بقطع الطريق السياحى بالبر الغربى المؤدى إلى وادى الملوك والمناطق الأثرية هناك، واحتجاز أوتوبيس سياحى يحمل ثلاثين إيطاليا (وهذا عمل من أعمال الإرهاب)، كما أن حراس معبدأبو سمبل يهددون بإغلاقه، والعاملين بمعابد النوبة يهددون بترك مواقعهم.

 

●●●

 

اختتم ملاحظاتى «بثالثة الأثافى» عن سيادة القانون فى دولة غائبة، وتتعلق الملاحظة بأحداث العنف الطائفى الأخيرة فى محافظة أسوان. ثمة خلاف قانونى ابتداء حول وجود ترخيص ببناء كنيسة من عدمه، وهى أصلا مسألة مذلة لكل مؤمن بحقوق المواطنة، وقد بدأت شرارة الأحداث من خطيب المسجد الذى يعمل فيما يبدو لحسابه الخاص غير مقدر لمصالح الوطن العليا. حرض الرجل آلافا من شباب المصلين على هدم «الكنيسة» فلم يتصد لهم أحد من قوى الأمن أو الجيش، وأخطر ما فى الأمر أن محافظ أسوان عندما سئل على الهواء فى أحد البرامج التليفزيونية الفضائية: هل قبضتم على أحد؟ كانت إجابته التى سمعتها بأذنى «أنت تعرف حماسة الشباب واندفاعهم». لا ينقصك إذن سوى أن تكون شابا ومتحمسا وعضوا فى قطيع لكى تستبيح سلطة الدولة.

 

الدولة إذن لا تستطيع أن تزج بنفسها فى «وظيفة الحماية» التى هى ألف باء وظائف الدولة ولا فى السهر على سيادة القانون، فأى رسائل مفزعة تحملها كل هذه الأحداث إلى مستقبل غائم للوطن.

أحمد يوسف أحمد أستاذ العلوم السياسية بكلية الإقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة، وعميد معهد الدراسات العربية