وظائف الأزهر (2(رسالة الأزهر - جمال قطب - بوابة الشروق
الأربعاء 17 أبريل 2024 12:49 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

وظائف الأزهر (2(رسالة الأزهر

نشر فى : الجمعة 8 فبراير 2013 - 8:00 ص | آخر تحديث : الجمعة 8 فبراير 2013 - 8:00 ص

لم يكن الأزهر جامعا، ولا جامعة فحسب، بل هو «مؤسسة رسالة الإسلام» المستمدة من القرآن والسنة لا غير كـ«خلاصة للوحى السماوى» على جميع الأنبياء والمرسلين، ولكل رسالة «عنوان» يعلن عنها، و«غاية» تسعى لتحقيقها، و«وجهة» (طريق وطريقة).. للسير فيها كى يصلوا للغاية، وللرسالة بعد ذلك «مقاصد عامة» ــ كالمشاعل والمنارات ــ التى تنير الطريق وتؤكد للسارى أنه فى الاتجاه الصحيح، وعن عنوان رسالة الأزهر الذى هو عنوان «الإسلام» نتحدث اليوم.

 

-1-

 

«عنوان الرسالة» المعبر عنها هو «السلام» الذى سمى الله نفسه به، والسلام الذى جعله الله شعار اللقاء بين الناس بعضهم وبعض، وجعله رمزا للخروج من الصلاة من بين يدى الله للدخول فى معترك الحياة، والمطلوب من الأزهر ليس مجرد المشاركة فى إدارة أزمات المجتمع، بل إن وظيفة الأزهر الأساسية هى تحويل قيم الإسلام ومبادئه إلى سلوك عام للكبير والصغير، وإيضاح ذلك فى مقررات الدراسة، وفى البرامج الدائمة لتثقيف الدعاة وإعانتهم على نشر رسالة الإسلام، ويبين للكافة أن الإسلام ليس كلمة ولا شعار بل هو سياسة سلوكية وأخلاق يلتزمها المسلم إذا أراد أن يعيش مسلما.  

 

-2-

 

وللسلام روافد خمسة: مع النفس، والمجتمع، والكائنات الأخرى، والجنس البشرى، ثم مع الله والسلام مع النفس: أن تعرف كل نفس أن حقها كحقوق سائر البشر فلا تطالب الناس بما لا تفعله هى، ولا تكلفهم ما لا ترضى هى أن تتحمله فجميع البشر طبقة واحدة (خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ).

 

والسلام مع المجتمع: أن يتحاكم الجميع إلى قواعد ومبادئ واحدة فمادام الإله واحدا، والنوع البشرى واحدا، لابد وأن يخضع الجميع لضوابط واحدة فلا خصوصية لأحد ولا استثناء لأحد قال تعالى (..وَلَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْهَا..) و(كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ).

 

والسلام مع الكائنات الأخرى: يتم بحسن التعامل معها فيما خلقت له، دون إسراف او إهمال أو تبذير فالمخلوقات قد وجدت لنفع الإنسانية ومصالحها فيجب إحسان توظيفها فلا يذبح حيوان إلا للطعام، ولا تستهلك موارد الكون إلا فى نفع الأجيال.

 

والسلام مع الجنس البشرى: فالجميع قد خلقهم الله واصطفى أباهم آدم لينالوا جميعا ذات الشرف، فلا فضل لعربى على أعجمى ولا لشرقى على غربى ولا لأبيض على ملون إلا بقدر عطائه النافع للجميع، وبقدر تعاونه مع الجميع، وكذلك لابد من إجابة السلام بالسلام، وعدم التفتيش عما فى القلوب وضرورة عدم العدوان (..وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذَلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرا)، وحينما يجىء مخالف أو عدو معلنا رغبته فى الاعتدال ويبدأ فيلقى علينا السلام ــ رغم ما كان منه ــ فلابد من استقباله بالسلام (..وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآَيَاتِنَا فَقُلْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ).

 

أما السلام مع الله: فذلك بطاعة شريعته والحفاظ على ذرية خليفته، والرضا بقدره، ويتحقق السلام مع الله من إعطاء كل ذى حق حقه، فحينما ينال الناس حقوقهم وتوضع الأشياء فى وضعها الصحيح فإنهم يقتربون من رضا الله عنهم.

 

-3-

 

وها هو الوحى يؤكد أن وظيفة الإسلام هى إخراج الناس من ظلماتهم إلى نور الحياة (..قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ * يَهْدِى بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ..) كذلك فمن صفات المسلمين أنهم يعبأون باللغو وسىء الكلام، بل يردون اللغو بالسلام، (وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَا نَبْتَغِى الْجَاهِلِينَ إِنَّكَ لَا تَهْدِى مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِى مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ)، ويختصر القرآن المسألة: (وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَاما)، بل إن أكابر الدعاة وهم الأنبياء عليهم السلام يودعون خصومهم ومخالفيهم بالسلام، فهذا إبراهيم عليه السلام يودع أباه الذى أصر على عدم الإيمان: (قَالَ سَلَامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّى إِنَّهُ كَانَ بِى حَفِيّا)، وموسى وهارون (ص) يقابلان فرعون بالقول اللين ويقولون (..وَالسَّلَامُ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى) ويأمر الله رسولنا محمدا (ص) أن يصفح عن مخالفيه (فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلَامٌ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ).. فهل يلقن الأزهر تلاميذه ودعاته عنوان الرسالة ومضمونها وواجب المسلم فضلا عن الأزهرى حيال هذا العنوان؟

جمال قطب   رئيس لجنة الفتوى الأسبق بالأزهر الشريف
التعليقات